علمونا حينما ورطونا في حب الصحافة، كأس الإنصاف أسقونا، فاهتدينا به واليه وليس بشىء دونه، في شعابها تاه الفاسدون، ولا تهنا ولا أضاعونا.
لم أكن اعلم أنه سيأتي اليوم الذي اكتب فيه قصة صحفية، اضطررت أن أكون طرفاً ضمن أطرافها، لكنني اكتب، من اجل كل فتاة تستحق الإنصاف، في مجتمع ينزع لإعلاء الذكورية، التي تبيح للأشقاء إخضاع اخواتهم لمجرد أنهن اناث، لذلك كان علي سرد هذه الوقائع وسوف اضطر لتقسيمها في النشر الى حلقات، أو فلنقل اشواط متتابعة لأنها مباراة لم تنته بعد.
منذ سنوات لجأت لي فتاة في الثلاثينات من عمرها، مستقيمة، طموحة جداً، تحاول إثبات وجودها، لم أكن اعلم شيئاً عن اسرتها، ومع الوقت وتنامي الود بيننا، اكتشفت أنها شقيقة لبعض معارفي، لكنها تخفي ذلك، وسألتها عن السبب، فإجابت: “بسبب قسوتهم، وتشهيرهم بكل الناس، اخجل أن تتقاطع علاقاتهم المضطربة بالناس مع علاقاتي بالآخرين، فالأفضل أن يكون لي طريقي المستقل.”
بعد فترة طويلة، في عام 2015، اتصل بي شقيقها باحثاً عنها، تركت المنزل بكامل إرادتها، وقبلت التدخل لإعادة الفتاة الى ذويها، لكنها قالت لي حينها: “أنا يتيمة الأم، والدي رجل مسن، أحيا تحت قيود مشددة في بيتي، وكأنني في معسكر، يفتشون بين أوراقي وفي حقائبي بانتظام، يمنعون عني المصروف الشهري، الضرب والشتيمة والإهانات ليست دستورهم في معاملتي، وكأنني ملك خاص لهم، فهل اعود لهم؟ انا عايزة اعيش باحترام، ارجو إنك ماترجعنيش إلا لو هاتضمني لي إنهم هايحترموني ويعاملوني معاملة آدمية، ويتحملوا مسؤولياتي المادية ”
كانت الفتاة “س” حينها تحيا في أحد بيوت المغتربات التابعة لإحدى الكنائس، وبالاتفاق مع والدها تم التراضي وعادت الى اسرتها، لكنها كانت تشكو من معاملتهم بين الحين والآخر، أما والدها المسن، فمنحها مالاً للادخار كما اتفقنا، لكن تظل الشقيقات السيدات صامتات خوفا على حقوقهن المالية، ويظل الأشقاء الذكور في حالة غضب واستنفار، فضلاً عن انهم دائمي الشك بسبب بعض خبراتهم الشخصية المهنية والخدمية السلبية، التي لا علاقة للفتاة “س” بها، فلماذا تجني شكوكاً هي ابعد ما تكون عنها، كما أنها على حافة الأربعين من عمرها فليتركوها لحياتها.
لم أتمكن من فض الاشتباك مرة اخرى، ولم اكن اعلم أن سلسلة العذاب لا تنقطع، وأنها ليست مبالغات في قصص الفتاة “س” التي ادعو الله ألا يأتي يوماً تضطرني الظروف لنشر اسمها أو المستندات الدالة على ما ارويه، الى أن حل مايو 2021، واتصل بي شقيقها، ليسألني:” ألا تعلمين شيئاً عنها؟ ” فأجبته بالنفي، مندهشة من سؤاله، عن شقيقته التي اعدتها اليه وسط ضمانات قوية منه بألا يقوم احد اشقائها ” هو أو غيره” بضربها أو بتطفيشها مرة اخرى، ثم يصرخون “اختنا اختفت” لكنه قرر لي في المحادثة ان شقيقته تركت المنزل بدون سبب منذ تسعة اشهر، وترجاني ان احاول البحث عنها.
وبعد ايام من محاولة التواصل معها اتصلت بي تليفونيا، وعبر الواتس والماسنجر – احتفظ بنسخ من كافة المحادثات فيما عدا المهاتفات التليفونية– لتخبرني بقصص وحكايات من العنف البدني والنفسي الذي مورس عليها من قبل الأشقاء، قالت لي: ” مش قادرة اتحمل العيشة وسطهم مشيت وسبت كل حاجة ورحت عشت مع بنات مغتربات في محافظة تانية، باشتغل وباقبض الف جنيه، بادفع حق سرير انام عليه 800 جنيه، واعيش باقي الشهر ب 200 جينه، اكل بيهم ارز مسلوق علشان اشبع، ما هو تجويع بتجويع اجوع باحترامي احسن ما اجوع وانا متهانة” الحق يقال انني شعرت بمبالغات، وعنفتها بسبب طريقتها في الحديث عن ذويها، ونصحتها بالعودة لمنزلها، حتى تحيا بينهم فالشارع مٌرعب، لكنها كانت تخشى بطشهم.
وبين اتهامها لهم باللهاث المحموم، على المال، الذي يؤجج اطماعهم في نصيبها من ميراث ابيها، من جهة، بحجة أنها ليست متزوجة، ويخشون -على حد تعبيرهم- “حد يضحك عليها وياخد فلوسها”، وبين خوفها من رد فعلهم على تركها البيت من جهة أخرى، قالت لي نصاً:” هايرجعوني علشان يرموني ويحبسوني في أي بيت تبع الكنيسة، أو أي مستشفي، وهددوني كتير انهم هايعملوا كده، لكن انا باشهدك لو جرى لي حاجة اشهدي بالحق وارضي ضميرك وهاتي لي حقي، وحق كل بنت مظلومة،” .
لم تمض شهور حتى صدقت نبوءتها، قاموا برفع قضية للحجر عليها وتمكنوا من ذلك بقرار من المحكمة، وزجوا بها الى دار رعاية نفسية، ومنعو كل صديق من التواصل معها أو زيارتها،”تفاصيل الحجر في حلقة الأسبوع القادم”.