قصة ميلاد المسيح كانت ومازالت مصدر الفرح والسلام الذي يغمر العالم، ولكن فى لحظة تحول الفرح إلى نواح وعويل وصراخ حين قرر هيرودس ذبح أطفال بيت لحم من عمر ثلاثة أشهر حتى عامين كان تلك القرار سبب فى ألالام الكثير من الأمهات التى فقدت أطفالها فى قهر وظلم وغطت دماء الأطفال أرض بيت لحم وكانت مذبحة أطفال بيت لحم هو الجانب المأساوي فى قصة الميلاد واليوم سوف نتعمق فى هذا الحادث المرير.. وسوف ندرك مشقة هروب العائلة المقدسة ومدى الخطر الذى كان يحيط بهم من المجهول والعناية الإلهية التى كانت تجول مع العائلة المقدسة حتى وصلت إلى أرض مصر وكان لموقع جريدة وطنى لقاءت مع عدد من الكهنة لمعرفة المعلومات الصحيحة فى تلك الموضوع.
قال القس الراهب عزرا الأنبا بيشوى: هتفت الملائكة يوم ميلاد السيد المسيح قائلة “الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ” (لو2: 14). ولكن أين السلام، وأين المسرة والفرح؟ وقد قام هيرودس بقتل أطفال بيت لحم من سن سنتين فما دون؟ لقد كان هذا الأمر محزن جدًا لدرجة أن معلمنا متى عَبَّرَ في إنجيله عن هذا الحزن قائلًا “صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ” (مت2: 18). فأين إذن الفرح والسلام، ولماذا سمح الله بهذه المذبحة؟ وإن كان السيد المسيح قد وُلِدَ حتى يفدينا فلماذا كان أطفال بيت لحم ضحية للميلاد؟ لماذا سمح اللَّه بذبح هؤلاء الأطفال الأبرياء؟ لماذا لم يوحي لهيرودس في حلم ألا يقتل هؤلاء الأطفال كما أوحى ليوسف في حلم أن يأخذ الطفل يسوع وأمه ويذهب إلى أرض مصر؟ كيف يدخل السيد المسيح إلى العالم بهذه الفواجع، وهذه الأحزان؟.
أولًا:
نجاة يسوع لم تكن متوقفة على مذبحة أطفال بيت لحم، فقد أوصى الملاك يوسف أن يأخذ الصبي وأمه ويهرب إلى أرض مصر، وأطاع يوسف ورحل عن بيت لحم، ولم يبيت ليلته فيها، وبهذا نجا يسوع من سيف هيرودس.
ثانيًــا:
ميلاد السيد المسيح هو أكبر فرحة في تاريخ البشرية، بل كان هو الحلم الذي تحلم به البشرية منذ سقوط آدم وطرده من جنة عدن، فقد كانت البشرية كلها تحت الغضب الإلهي، وقد جاء السيد المسيح ليفدي البشرية، ويجدد طبيعة الإنسان التي فسدت بالخطية، ويعيد الإنسان إلى رتبته الأولى. وميلاد السيد المسيح يُعْتَبَر مقدمة لفداء البشرية، وإعلان بقرب الخلاص، وهذه هي أعظم فرحة في تاريخ البشرية، وتعويض لأي خسارة بشرية وأي حزن بشري، إذن الفرحة بالخلاص قد مسحت كل حزن أرضي، فما عاد الموت يسبب حزن للبشرية بل أصبح الجسر الذي يربط بين الأرض والسماء حتى أصبح الإنسان يشتهي الموت ليكون مع المسيح “لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا.” (في1: 23). والحزن الحقيقي في المسيحية هو ضياع أبدية الإنسان وليس الموت، فموت أطفال بيت لحم على الرغم من أنه حدث مؤلم جدًا إلا أنه في حقيقته يحمل مجد لهؤلاء الأطفال الذين اختارتهم السماء ليكونوا باكورة شهداء المسيحية، وهذا أفضل لهم من أن يعيشوا بضع عشرات من السنوات في عالم مضطرب يشقُون فيه ويتعبون، وقد يخطئون أو يهلكون وكسائر البشر في النهاية يموتون، أما الآن فقد كُتِبَت أسمائهم في ملكوت السموات بحروف من نور.
ثالثًــا:
على الرغم من أن الميلاد يُمَثِّل بشارة بإقتراب الفداء، إلا أن الفداء لم يلغي إرادة الإنسان، بل تظل الطبيعة الجديدة التي يأخذها الإنسان بالفداء بجوار الطبيعة القديمة التي أخذها الإنسان بالميلاد الجسدي، وتظل الطبيعة القديمة تتحكم فيها الإرادة، والإرادة يمكن أن تنحرف وتنجرف في طريق الشر إن لم تكن تسير تحت قيادة الطبيعة الجديدة التي يتحكم فيها الروح القدس، لذلك فإن ميلاد السيد المسيح على الرغم من أنه يُبَشِّر بفداء البشرية إلا أنه لم يمنع شر هيرودس.
رابعًا:
قد يقول البعض: هل يمكن أن يدخل المسيح إلى العالم بهذه الفواجع وهذه الأحزان؟ دخول السيد المسيح في العالم هو بمثابة إنقضاء لمملكة الشيطان، لذلك فقد أهاج الشيطان وأعوانه يسفكوا دماء الأبرياء ويعكر صفو البشرية، والله لم يمنع الإستشهاد عن أولاده ولكن هذه الدماء الزكية تكون كارزة للعالم كله وشاهدة بثبات المؤمنين، ومحبتهم القوية لله. فالموت هو النهاية الحتمية لأي كائن حي، والحياة على الأرض ليست أكثر من محطة إنتظار للإنسان في طريقه إلى الأبدية. والموت بالإستشهاد هو كرامة للإنسان وكرازة لغير المؤمنين، وثباتًا للمؤمنين الذين لا يزالون على قيد الحياة.
خامسًا:
هل كان من الأفضل أن يُوحي اللَّه لهيرودس ألا يقتل هؤلاء الأطفال؟ والحقيقة أن الإشكالية ليست في صوت اللَّه بل في هيرودس نفسه، فصوت اللَّه واضح في الأسفار المقدَّسة، وأن اللَّه يُحرَّم القتل (خر20: 13)، فهل هيرودس لا يعرف أن ذبح الأطفال الأبرياء جريمة شنعاء؟ بالطبع كان يعرف، وحتى لو أوحى اللَّه لهيرودس أو أرسل له ملاكًا، فهل كان هيرودس سيطيع؟ فماذا نتوقع من شخص مثل هيرودس قام بذبح زوجته وأولاده، وقد أبتلاه الله بمرض في كل جسمه ولما يأس من شفاءه قام بجمع كل وجهاء اليهود وحبسهم في مكان يُسَمَّى سباق الخيل، وأمر بقتلهم جميعًا عند موته حتى يكون هناك بكاء في كل اليهودية بعد موته، ولكن من رحمة الله أن أخته وزوجها قاموا بإطلاق سراحهم بعد موت هيرودس ولم ينفذا أوامره.
وعن مشقة الهروب.. تحدث القمص أكسيوس نصرالله كاهن كنيسة العذراء والقديس مار بولس بالعمرانية: مجئ السيد المسيح والعائلة المقدسة إلى مصر من أهم الأحداث التي جرت على أرض مصرنا الغالية فى تاريخها الطويل، وكان دخول السيد المسيح أرض مصر بركة عظيمة وقال الرب “مبارك شعبى مصر”.
خرج القديس يوسف النجار من أرض فلسطين كما أمره الملاك وبرفقته العذراء مريم تحمل الطفل يسوع راكبة على حمار، ويجب أن ندرك أن رحلة هروب العائلة المقدسة ليس هينه بل إنها رحلة هروب شاقة مليئة بالآلام والأتعاب.
سارت العائلة المقدسة عبر البرية القاسية من الرمال والطقس السيئ والصحراء متنقلة من مكان إلى مكان وكانت هناك مخاطر كثيرة تواجههم مثل الوحوش المفترسة التي تهدد حياتهم ولكن العناية الإلهية كانت تحيط بهم وتحميهم من الشرور، وكان السفر عبر الصحراء النجاة منه ضعيف جدا لضعف الإمكانيات والانتقال على حمار وتحمل الطفل يسوع الطقس شديد السخونة أثناء النهار وأقصى البرودة بالليل والإرهاق الشديد وقلة الطعام والماء.
وسلكت العائلة المقدسة أثناء مجيئها من فلسطين لمصر طريق غير معروف وكان ذلك مشق لأنهم يسلكون طرق أكثر خطورة حتى يتفادوا شر هيرودس الذى يبحث عن الطفل يسوع ولكن كانت الملائكة ترشدهم على الطريق الذي يؤدي إلى النجاه، انتهت رحلة المعاناة التي استمرت أكثر من ثلاثة سنوات ذهابا قطعوا فيها مسافة أكثر من ألفي كيلومتر وسيلة مواصلاتهم الوحيدة ضعيفة بجوار السفن احيانا فى النيل وينتج عن ذلك ان معظم الطريق كانوا يسيرون على أقدامهم محتملين تعب المشى وحر الصيف وعناء الشتاء والجوع والعطش والمطاردة فكانت رحلة شاقة بكل المعانى تحملتها العائلة المقدسة بفرح من اجلنا وكانت العناية الالهية تحطهم وتدبر احتياجاتهم.
وأضاف القمص أكسيوس سوف أذكر بعض خطوات العائلة المقدسة، سارت العائلة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق “الفلوسيات” غرب العريش بـ 37 كم ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الجانب الشمالى من جهة الفرما “بلوزيوم” الواقعة بين مدينتى العريش وبورسعيد.
ومرت العائلة المقدسة على العديد من الاماكن فى مصر مثل مدينة بسطا محافظة الشرقية، وجلست فى بلدة مسطرد زمرة على وادى النطرون مدينة سخا ومكثت فى الزيتون.. ووصلت العائلة المقدسة إلى مصر القديمة ومكثت فيها عدة أيام وكانت كنيسة سرجيوس “ابو سرجة” بها كهف “المغارة” التى لجأت إليها العائلة المقدسة وتعتبر من أهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة.
وفى سياق أخر قال القس صموئيل ميلاد كاهن كنيسة العذراء والقديس يوسف البار بسموحة، عندما أتى المجوس إلى الرب يسوع وقدموا له الهدايا وخدعوا هيرودس الملك الذي كان يبحث عن الطفل يسوع حتى يقتلوه خوفا منه، وحين أدرك هيرودس أنه تم خداعه غضب وثار على الجميع وأخرج فرمان بقتل جميع أطفال بيت لحم من سن شهر إلى سنتين وتلك الفرمان كان مصدر وجع العديد من الأمهات و حاول بعضهم الهروب بأطفالهم حتى لا يقتلون.
لا يوجد عدد معين من الأطفال الذين قتلوا فى بيت لحم ولكن كان عدد هائل ولكن يوجد ثلاث نماذج نجاهم الله من القتل، وكان النموذج الأول هو القديس يوحنا المعمدان، عندما سمع زكريا الكاهن بفرمان هيرودس أخذ الطفل يوحنا وادخله داخل المذبح وكان لايحق إلى رجال الدولة أن يدخلوا المذبح لأى سبب من الأسباب وتم حماية الطفل يوحنا والنموذج الثاني للهروب كان للطفل يسوع المسيح بذاته بتدبير إلهى وعناية إلهية. حيث أخذته العائلة المقدسة وهرب به إلى أرض مصر، والنموذج الثالث للطفل نثنائيل. كان والده يعمل فى حصاد شجر الجميز أو التين وكان والده يربط قطع من القماش حول أغصان الشجرة كي يسقط الثمار داخلها ففكرت ولديه أن يضعوه فى القماش المربوط داخل الشجرة حتى ينجوا من جنود الملك وبالفعل نجا الطفل نثنائيل من القتل.