(1): اختبار للصيادلة
تحكي كتب العرب, أنه أثناء الاستعداد لأحد المواقع الحربية. أمر القائد بإحصاء الصيادلة الذين يعملون مع الجيش. وعندما جاءوا إليه بأسمائهم, قال له كبير الصيادلة: ياسيدي, لقد دخل في هذه المهمة من لا يعرف عنها شيئا, ومن بين الصيادلة من يطلب منه إنسان شيئا قد يكون عنده أو لا يكون موجودا لديه, لكنه يقول في كل الأحوال إن الدواء لديه, ويعطي له شيئا من الأشياء, ويقول: هذا هو ما طلبت. وري أن يختار أمير المؤمنين أسماء غريبة, ويرسل إلي جماعة الصيادلة في طلبها, ليعرف ماذا سيفعلون.
فاستحسن القائد ذلك الرأي, واختار حوالي عشرين اسما لأشياء لا علاقة لها بالصيدلة, وأرسل إلي الصيادلة يطلب منهم أدوية مسماة بتلك الأسماء فبعض الصيادلة أنكر وجود أدوية بتلك الأسماء , وبعضهم ادعي معرفتها وأخذ الدراهم , وسلم بدلا منها شيئا من حانوته.
عندئذ أمر القائد بإحضار جميع الصيادلة. فلما حضروا, كتب لمن أنكر معرفة تلك الأشياء تصريحا أذن لهم فيه بالبقاء في العمل وسط جيشه, أما الباقون فقد أمر بنفيهم عن المعسكر وإبعادهم عنه, ونادي المنادي بسجن من يوجد منهم في المعسكر بعد ذلك اليوم.
(2): ثمن الكبرياء
كان يعيش في إحدي الممالك القديمة, رجل ذاعت شهرته في استخدام الأعشاب الطبيعية لعلاج الأمراض, فكان الناس يذهبون لزيارته من مختلف بلاد الدنيا. ذات يوم ذهب ابن الملك لزيارته, وطرق الباب, فخرج إليه الخادم. وما أن عرف شخصية الطارق, حتي أسرع إلي سيده يقول له: ولي العهد ينتظر في الخارج ليقابلك ياسيدي.
أحس الرجل المشهور بالكبرياء, وقال لنفسه: إذا كان ولي العهد قد جاء بنفسه إلي بيتي, فمعني هذا أنني أصبحت شخصية هامة جدا, ولابد أن أتعامل معه بأسوب يؤكد مكانتي. ثم التفت إلي خادمه وقال له: قل لولي العهد أن ينتظر, فأنا منهمك في إعداد دواء جديد. وما أن أخبر الخادم ولي العهد بذلك, حتي غضب الأمير غضبا شديدا, ورجع إلي قصره ثائرا أشد الثورة.
ولم تمض أيام حتي مات الملك, وأصبح ولي العهد الملك الجديد, وذهبت الجماهير لتهنئته. وذهب إليه أيضا العلماء والأطباء والصيادلة, وعلي رأسهم ذلك الرجل المشهور.
وسمح الملك الجديد لكافة المهنئين بالدخول, لكنه أرسل حاجبه إلي الرجل المشهور يقول له: الملك مشغول الآن ولا يستطيع مقابلتك!.
وكم أحس الرجل بالإهانة التي أصابت كبرياءه, لكنه قال لنفسه مواسيا: عندما جاء الأمير إلي بيتي, تذكرت كبريائي, ونسيت كبرياء ولي العهد!!
(3): الترام في المحكمة
عندما أنشئ لأول مرة خط الترام في حي من أحياء القاهرة, كان يمر أمام بيت أحد أثرياء ذلك الزمن, وكان يمتلك مزارع واسعة وأملاكا كثيرة, ويفرض سيطرته علي كل من يحيطون به, بل ويعتبر الشارع نفسه ملكا له. كان عندما يخرج من منزله ليركب سيارته. يتوقف السائرون, ويفسحون له الطريق حتي ينطلق بسيارته.
وعندما قررت شركة الترام أن تمد أحد خطوطها في الشارع الذي يقع فيه قصره, وبدأت مركبات الترام في العمل, فوجئ الباشا بالدنيا تتغير من حوله, فالترام يحمل ناسا ليسوا من أهل شارعه, وعندما يخرج إلي الطريق لا يتوقف له السائرون!! وأثار هذا غيظه, فزعم أن الشارع يقع ضمن أملاكه, ولا يجوز المرور فيه بغير إذنه!!
ونقل الباشا هذا الموضوع إلي المحاكم, وأصبح واحدا من أطرف القضايا, وتابعته الصحف بلهفة, كما تابعه أيضا بشغف ركاب الترام وهم يأملون ألا يكسب الباشا القضية, حتي لا يعودوا إلي السير علي أقدامهم!! وكان طبيعيا أن يخسر الباشا القضية, التي كانت دلالة واضحة علي من يتصورون أن الدنيا وما عليها ينبغي أن تسخر لخدمتهم!!
يعقوب الشاروني
Email:[email protected]