منذ أكثر من مائة سنة استيقظ المسيحيون في العالم من غفوتهم على صوت دعوة الربّ لهم في الإنجيل المقدَّس ، للصلاة من أجل وحدة المسيحيين وخاصةً بعد انقساماتٍ حادَّةٍ طرأت على حياتهم الكنسيّة في الألف الأول والثاني الميلاديَّيْن .
المسيح نفسه ، صلَّى من أجل وحدةِ المؤمنين به ، فكم بالأحرى علينا نحن أيضاً ، أن نكمّلَ صلاة المسيح الكهنوتيّة التي رفعها إلى الآب السماويّ في ليلة إقباله على الموت ، ونعود إلى الوحدة المنشودة التي نريدها لكنائسنا جَميعاً .
منذ أكثر من مائة عامٍ صلَّيْنا ، ونصلّي وسنصلي ، والربُّ يستجيب صلاتنا وطلباتنا، فالعمل المسكوني من أجل الوحدة يتقدَّم سنة بعد سنة في حياة الكنيسة ، عبر الصلاة أوَّلًا ثمَّ الحوار ثانياً ، وهو المرتكز الثاني في العمل المسكوني .
الحوار والصلاة :
الحوارات كثيرة بيننا نحن الكاثوليك والأورثوذكس والإنجيليين ، وبين سائر الكنائس بمختلَف مذاهبها . حوارات تمَٰت ، وأُخرى تستمر، وستستمر إلى أن نفهم بعضنا ، لأفهم أخي الآخر كما هو يفهم ذاته . هدف الحوارات أن نتناقش وندرك حقيقية ومعنى رسالتنا وإيماننا . هذه الحوارات يباركها الله ، ولذلك نريد أن تستمرَّ في حياتنا وكنائسنا إلى أن نصل إلى الوحدة الحقيقيَّة والشهادة الواحدة بيننا جَميعاً .
الصلاة أساس الوحدة ، دعا إليها الربُّ يسوع ، لإنها تليّن القلوب وترجعنا إلى الله الذي زرعنا في هذه الدنيا لنكون شهوداً له كما قال في صلاته الكهنوتيّة ( يوحنا الفصل ١٧ بكامله ) : ” سيعرف العالم ويؤمن بأنَّكم تلاميذي إذا حبٌّ بعضكم البعض ” .
الإنقسام خطيئة :
إنَّ الإنقسام في الكنيسة شهادةٌ معاكسةٌ لرسالتِها وخطيئة ضد وصية المسيح يسوع ، ونحن كمسيحيين ضميرنا يحثنا إلى أن نسعى بكلّ قلوبنا وطاقاتنا للعودة إلى هذه الوحدة والشركة الكاملة في ما بيننا . قال الربُّ يسوع : ” يا أبتاه ، ليكونوا واحِداً كما نحن واحد ” ( يوحنا ١٧ : ١١ ) ، ” أنا فيهم وأنتَ فيَّ ، ليَبلُغوا كمال الوحدة ، ويعرفَ العالمُ أنَّكَ أنت أرسلتني ، وأنّكَ أحببتهم كما أحببتني ” ( يوحنا ١٧ : ٢٢ ) .
كنيسة واحدة وإيمان واحد :
الآب والابن والروح جوهر واحد ، إله واحد بثلاثة أقانيم . إيماننا بالأب والإبن والروح القدس لا يتزعزع . إذاً ، نحن مدعوون إلى أن نكون واحِداً ومتميزين ومتنوعين في آن واحد .
وكما كانت الكنيسة الأولى ، منذ بداية رسالة الرسل . بدأت واحدة تُبشّر وتتكلم لغات متعددة ، الآرامية والسريانية والعربية في الشرق ، واليونانية في آسيا الصغرى واليونان ، والأرمنية في أرمينيا وكيليكيا ، واللاتينية في روما، أي أنها انطلقت إلى تقاليد متميزة متنوعة ، ويبقى جوهرها واحِداً وإنجيلها واحِداً .
لذلك نحن نسعى إلى نكون في شركة واحدة بإيماننا ولو كنا مختلفين بتقاليدنا ولغاتنا وطقوسنا وعاداتنا . فالحضارات متعددة في الأرض والمسيحية تدخل إليها وتقدسها وتأخذ منها للتعبير عن جوهر حياتها ورسالتها . لكن الإيمان يبقى واحِداً .
نصلي من أجل وحدتنا ، وحدة المسيحيين، حتى تكون هذه الوحدة على صورة الوحدة بين الآب والإبن والروح ضمن التنوع والوحدة بالإيمان الحقيقي الواحد .
إن موضوع الوحدة سيرافق الكنيسة حتى عودة السيد المسيح . لذلك علينا أن نهتم بالكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسوليّة ، ونحافظ عليها ونبعد عنها الأعداء المنظورين وغير المنظورين ، فعلينا أن نعمل بإيمانٍ وثقة ونقوم بواجباتنا باسم الإنجيل ونزرع ملكوت الله في كل القلوب .
صلاة :
يا رب نحن نشهد لمحبتّك على الأرض، أعطنا أن نتوحَّد بإيماننا، توحداً كاملاً ونعود إلى الشرِكة الكاملة فيما بيننا ونتفاهمَ على كل ما اختلفنا عليه .
أعطِنا من روحك القدّوس نقاوةً ومحبَّة حتى نغيّر وجه الأرض ، فإنَّك لهذا تجسَّدت وجئت ، حتى تصبح الأرض سماءً جديدة وأرضاً جديدة .