أري جموع بشرية كثيرة في سبات عميق، قد يكون البرد وصقيع الشتاء سبباً، ولكني في ذات الوقت أرى ملائكة تُحَلق في السماءوشياطيناً تحت الأرض. الملائكة تصرخ وتقول “تين ثينو إي أبشوي” قوموا يابني النور لنسبح رب القوات”، فنحن نسبحه ليل نهار ولا نفتر، هلم تعالوا لتسبحوا معنا. فلتتركوا رقاد الكسل.
لكن الشياطين فرحة وفي قمة الاسترخاء، ليس لديهم أية مشغوليات، ولا أية مسئوليات، آخذين في التسامر فيما بينهم بخصوص موضوعات أخرى، فطالما البشرية مستغرقة في نوم عميق، هم في حالة إسترخاء وراحة. ولكن ما أن تستمع البشرية الجميلة إلى صوت الملائكة، وتنفض رقاد الكسل، وتقوم كي ترنم مع الملائكة “تين ثينو إي إيبشوي”، هنا تبدأ الحرب الحقيقية. هنا تفزعالشياطين، فينهضوا من كسلهم و استرخائهم ويستعدوا للحرب ويقولوا بعضهم لبعض:” قوموا يابني الظلمة لنمنع بني النور من تسبيح رب القوات”.
وهنا لابد للكنيسة أن تغير الأسلوب والطريقة والصياغة الخاصةباللحن الذي تسبح به. فلابد للحن أن يأخذ الطابع الحماسي والبطولي هذا لأننا مقبلين على حرب، ويالها من حرب، فقد أعلنها القديس بولس الرسول في رسالته إلى أفسس الأصاح 6 آية 12 قائلاً:
“فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ،
مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ.”
ولهذا فالجزء الثاني من لحن تين ثينو، ياخد شكلاً آخر.
فالأول كان ميليسمياً غنياً بالنغمات العذبة، المنسابة في حنين تارةً وفي توسل تارةً أخرى، وأحياناً في قفزات وأحياناً في قوة.
لكن الجزء الثاني يأخذ أسلوب الدمج “سيلابك” مثل المارش العسكري، فلا يوجد به نغمات كثيرة، لكن كل حرف لفظي أو أكثر قد خُصصت له نغمةً واحدةً فقط. فطالما قمنا وبدأنا نسبح رب القوات، هنا قد أُعلنت الحرب مع عدو الخير.
عزيزي القارئ، كم أتمنى أن تستمع بالربع الأول من اللحن الميلسماتي الغني بالنغمات، ثم تستمع إلى الجزء الثاني الدمج الذي يشبه المارش العسكري لتشعر بالفارق الكبير بين أسلوب التلحين في كل منهما.
بالفعل هناك فرق كبير بين الحالتين، الدمج طابع والميليسما طابع آخر تماماً، وكل واحد منهما يعبر عن المشاعر والأحاسيس التي تريدنا الكنيسة أن نعيشها. فالدمج يعطي احساس وهو يقالبطريقة حربية كأننا انضممنا إلى الأجناد السمائية لتتحد تسبحتنا الأرضية مع تسبحة السمائيين.
وهذا ما نقوله بالفعل في القداس الغريغوري:
“الذي أعطي الذين علي الأرض تسبيح السيرافيم، اقبل منا نحن أيضاً أصواتنا مع غير المرئيين،
إحسبنا مع القوات السمائية. ولنقل نحن أيضاً مع أولئك، إذ قد طرحنا عنا كل أفكار الخواطر الشريرة،
ونصرخ بما يرسله اولئك، بأصوات لا تسكت، وأفواه لا تفتر، ونبارك عظمتك”.
بالفعل هذا هو الشرط : أن نطرح عنا كل أفكار الخواطر الشريرة، فمن كان يغط في النوم ، والأفكار الشريرة تملأ كيانه ورأسه، فأفضل حل له أن يقوم في نص الليل ويطرح هذه الأفكار ويصرخ بصوته مع غير المرئيين، ويصرخ بما يرسله هؤلاء الجنود العلويين القائلين: “تين ثينو إإبشوي” قوموا يابني النور لنسبح رب القوات.
اسمح لي عزيزي القارئ أن اخبرك باستنتاج شخصي قد لا تصدقه في بادئ الأمر، لكن حينما تفكر فيه بعمق سوف تتأكد من سلامته وصحته.
هل تصدق إن الكنيسة القبطية هي التي ألهمت العالم أجمع بفكرة موسيقى الرابRAP ؟ موسيقى الراب التي تخص الأمريكيين الذين هم من أصل أفريقي والتي ظهرت عام 1970؟ لو استمعت إليهالعرفت إنها هي أسلوب الدمج الموجود بالكنيسة القبطية منذ ألفيعام. موسيقى الراب قد ألفها القائمين عليها بطريقة ما بحيث تملأ المنطقة الرمادية التي هي بين الكلام والنثر والشعر والغناء، فجعلوا منها موسيقى غنائية سريعة.
فيظل المغني يردد (لا يغني) بل يردد بإيقاعات سريعة كلمات الأغنية المكونة من عدد كبير من القوافي التي تعالج موضوعاتشخصية أو اجتماعية أو عاطفية أو حتى سياسية. ومؤدي الراب لايهم أن يكون صوته حلواً أو عذباَ. فجمال صوته ليس هاماَ على الاطلاق. بل على النقيض، فمن الممكن لأي شخص عادي أن يغنيالراب ولذلك لا يسمونه مغني ، بل مؤدي و يطلقون عليه اسم الرابرRapper .
وعلى هذا النسق وهذا الغرار الرابي، قد سمعت ترنيمة راب رنمتها لي إبنتي مونيكا ذات يوم، تقول كلماتها:
“الرب نوري وخلاصي ورافع راسي على الأعداء..
لو جيش الشر حاربنى انا عمرى مخاف دانا عندى رجاء.
لقد تم تأليفها بنفس أسلوب صياغة الأرباع الدمج التي في لحن تين ثينو والتي مطلعها يقول:
“هوبوس إنتيف إير أهموت نان ايم ابسوتي انتي ني نيبسيشي”
الاسلوب إبتدعته الكنيسة منذ 2000 عام، والشباب غافل عنه، ولكن عندما أطلق عليه الأمريكان إسم الراب أعجب به الشباب كثيراً، إنه مايسمي بـ “عقدة الخواجة”.
لقد قامت الكنيسة بتأليف بعض الألحان بأسلوب الراب الدمج السيلابك حتى يمكن لكل الشعب حتى من ليس لديه موهبة الصوت الجميل، أن يسبح. وحتى يتمكن الغير قادر على حفظ لحن “تين ثينو “الكبير الذي يمتد زمنه إلى 8 دقايق، من التسبيح في الأرباع السيلاباتية الدمج، فيستطيع أن يحفظ لحن تين ثينو الدمج والذي يأخذ الربع فيه مدة 8 ثواني فقط. هل تتخيلوا مدى الفارق الزمني، فمن لحن مدته 8 دقايق بطئ معقد مليء بالمقامات والتعبيرات والأفكار الموسيقية الروحية، إلى لحن مدته 8 ثواني بسيط سريع نشيط مليئ بالحركة الحماسية التي تعطي قوة نحارب بها جميع أجناد الشر الروحية، وندوس بها الحيات والعقارب وكل قوة العدو.
هل تصدق الآن عزيزي القارئ -بعد كل هذه الإثباتات- أن الكنيسة القبطية هي أساس وأصل الراب في العالم كله، وإنها بأسلوب الدمج جعلت الشعب كله يشارك في التسبيح؟ فبالفعل ما من أمرقامت الكنيسة بعمله وكان صدفةً، بل جميع ماصنعته كان بحكمةٍ.
بركة لحن تين ثينو بنغماته الميلسمية والسيلاباتية الدمج تكن معك أيها القارئ العزيز، وفي المقال القادم نستكمل حديثنا عن هذا اللحن الجميل.