هل يمكن أن يكون الحبس عقوبة الكلام؟ هل يمكن أن نضبط أفواه الناس؟ كيف يمكن مواجهة الكذب بالتكميم؟لم تفلح محاولات تقييد حرية التعبير خصوصا فيما يتعلق بالحالة الصحية للمجتمع والأوبئة والجوائح, فمن يعلم أنه ميت لن يخشي الحبس إزاء إقرار مجلس النواب مؤخرا مشروع قانون مكافحة الأوبئة والجوائح الصحية وفي مادته الخامسة أجاز الحبس كعقوبة لنشر ما أسماه الأخبار المغرضة والذعر. نصت المادة قبل تعديلها علي:يعاقب بالحبس وبغرامة لاتزيد علي عشرين ألف جنيه, أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من خالف أي من التدابير الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء الصادر وفقا لنص المادة1 من هذا القانون أو القرارات الصادرة من اللجنة تنفيذا لهذا القرار, ويعاقب بالحبس مدة لاتجاوز سنة وبغرامة لاتزيد علي عشرة آلاف جنيه, أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من حرض علي مخالفة أي من التدابير الواردة بقرار رئيس مجلس الوزراء الصادر وفقا لنص المادة1 من هذا القانون أو القرارات الصادرة من اللجنة تنفيدا لهذا القرار,كما يعاقب بالعقوبة المقررة في الفقرة السابقة, كل من أذاع أو نشر أو روج عمدا أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة مرتبطة بالحالة الوبائية وكان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين المواطنين أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
واعترض الصحفيون ومجلس نقابة الصحفيين علي المادة لأنها تجيز بنصها المذكور حبس أي صحفي ينشر أخبارا عن الأوبئة,لذلك تمت إضافة تعديل وفقرة نصها مع عدم الإخلال بنص المادة 29 قانون تنظيم الصحافة والمجلس الأعلي والمجلس الأعلي للإعلام الصادرة بالقانون رقم180 لسنة2018, ومع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر إلي نص المادة وتم استثناء الصحفيين من عقوبة الحبس مقابل النشر.إلا أن مطالبة العبارات في نص المادة15, فتحت مساحة أخري من الجدل تتيح حبس الباحثين والأشخاص العاديين والمادة مشوبة بشبهة عدم الدستورية أنها مخالفة واضحة للمادة 71 من الدستور التي تنص علي عدم توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية, التي وضعها المشرع لضمان حق المجتمع في المعرفة.
وكما يقول الزميل خالد البلشي- الرئيس السابق للجنة التشريعات بنقابة الصحفيين- علي ما يبدو من التعديل أنه انتصار للصحافة في إطار منع حبس أبناء المهنة في قضايا النشر, إلا أنه في حقيقته هزيمة للصحافة وحرية التعبير, فحرمان أفراد المجتمع من ممارسة هذا الحق هو عدوان علي حرية المواطنين يغلق باب من أبواب حرية التعبير والكتابة ويحرم الصحافة من مصادرها وهو تعديل مخالف للدستور, فحرية التعبير ليست مقصورة علي فئة دون الأخري وعقوبة الخبر الكاذب في كل حالاته أيا كان مصدره هي تكذيبه وليس الحبس, فلن يكون الحبس عقوبة الكلام, ورغم ما صرح به وزير الدولة للشئون النيابية حول أن العقوبات لن تطبق علي الباحثين أو غيرهم من المختصين, وستقتصر علي متعمدي ما وصفهم بإثارة الذعر ونشر الشائعات إلا أنه من غير المعلوم كيف يمكن رصد نوايا نشر الذعر من عدمه, وكيف يمكن إثبات الشائعة من الحقيقة في أمور الجوائح؟ نحن حتي اللحظة نكاد لانعرف علي وجه الدقة حقيقة الوباء الذي تعاني منه البشرية منذ ما يقرب من عامين, فلماذا الإصرار علي إدانة التعبير في الوقت الذي أتاحت فيه الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان حرية التعبير؟