عناوين أخبار الحوادث في الأسبوع الأخير, جميعها تتناول جريمة هتك العرض, الأخبار تشير إلي أن الأمر لا يقتصر علي محدودي الأفق والتعليم والثقافة, وإنما يمتد لفئات عدة في المجتمع, لن نناقش كيف ولماذا, لكننا نتساءل بعد كل ما يجري, لماذا يخبئ البعض رأسه في الرمال ويرفض فكرة تسليم الجناة للعدالة, رعبا من الوصم؟ فما زال المجتمع في مستوياته القاعدية, يقاوم الإفصاح استنادا لشعارات اجتماعية, نتيجتها إفلات الجاني من العقاب, فرغم ارتفاع حصيلة الإبلاغات حول هذا النوع من الجرائم, إلا أن الواقع يعكس تراخيا في التعامل لدي قطاع عريض من الآباء والضحايا, مع هذه الجرائم, متسلحين بمنطق المسامح كريم, بلاش نضيع مستقبله, طيب علشان أولاده, والتاني علشان أمه الغلبانة, والتالت حرام علشان صدمة مراته, أو علشان ماحدش يشمت فينا, وعلشان بنتنا ما تقباش سيرتها علي كل لسان مين يتجوزها, هي دلوقتي صغيرة لكن الوصم هايكبر معاها. لا بلاش علشان الولد كده ينطعن في رجولته لو أتعرف أنه تم التحرش بيه. يا عزيزي الرحوم الخائف من الوصم, تلك العبارات لن ترمم التصدعات التي وقعت لطفلك أو طفلتك, تلك عبارات تعتم بها علي عجزك عن حماية فلذة كبدك, من مجتمع لن نختلف حول قسوته, لكنه لن يتغير إلا بالفضح, فالأزمة ليست في كونها جريمة هتك عرض, الأزمة أن ما حدث كان هتكا لغطاء الأمان لدي الطفل الذي قد لا يمكنه تجاوز الصدمة.
هل تعلم أن معاناة الأطفال الناجين من الإيذاء الجنسي التي تبقي محل الكتمان, تنتج تأصيلا للوصم في الوجدان والقلب, بدلا من إلقائه خارج الضحية للتخلص منه, فإذا كانت لديك أفضلية الصمت المقهور وتنازلت في عمق إرادتك عن واجبك في الحماية القانونية فرجاء لا تتخلي عن واجبك في الدعم من أجل التعافي النفسي, فما يفعله الصمت بالناجين والناجيات من جرائم الإيذاء الجنسي, قد يدمر لديهم مساحات واسعة من الأمان والسلام النفسي, في المستقبل, فلم تعد زيارة الطبيب النفسي وصمة عار, كلنا نحتاج العلاج النفسي.
لأن الذي تقوم عقولهم بتشفيره اليوم بعيدا عن العقل الواعي, أملا في إبعاد الذكريات المؤلمة التي صاحبت الأحداث الصادمة, غدا سوف تتذكره أجسادهم, ويخرج في سلوكياتهم ومشاعرهم, فكثير من الأزمات الجنسية التي تنتاب العلاقات الزوجية تعود أصولها لأحداث وقعت في الطفولة, منها الإيذاء الجنسي, وربما يبحث بعضهم في كبره ليصل إلي الذكريات العميقة عبر المساعدة النفسية, ويفك شفرة الذكريات واعيا, حينها سيعلم أن من كان يتوجب عليهم حمايته والدفاع عن حقه هم الذين فضلوا الصمت وتركوه وحيدا مع آلامه.
قد تزعجك التفاصيل, لكنها تمنحهم التعافي, فالأطفال الناجون من الاعتداءات الجنسية يتألمون بشدة, لأنهم تعرضوا لخبرة موجعة تتجاوز قدرتهم الجسدية والذهنية, إذا رافقتها صدمة التخلي عنهم بالتكتم وغياب الدعم النفسي والأسري, تكون النتائج وخيمة في الكبر.