المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك
منذ العصور والكنيسة الكاثوليكية المقدسة تُعيّد لحبل حنّة بوالدة الإله، لأنّها ترى فيه فجر النهار الذي فيه يبدأ خلاصنا، ولأنّها أيضاً تعتقد أن هذا الحبل، الذي حصل بحسب أصول ونواميس الطبيعة، كان حبلاً منزّهاً عن وصمة الخطيئة الأصليّة. ولكن منذ أن أعلنت الكنيسة المقدّسة، بفم قداسة البابا بيوس التاسع سنة ١٨٥٤ أن هذا العقيدة أضحت رسمياً عقيدة ثابتة من عقائد الإيمان المقدّس، بدأت الكنائس شرقاً وغرباً تُعيٌد ليس لحبل حنّة فحسب، بل أيضاً وعلى الأخص للحبل بوالدة الإله مريـم العذراء البريء من دنس الخطيئة الأصليّة. وأصبح هذا العيد من الأعياد الكبرى التي تكرّم الكنيسة الكاثوليكية فيها والدة الإله مريـم العذراء الكُليّة القداسة والكاملةُ الطهارة.
ومن بين الأسباب الكبرى التي حملت الكنيسة على إثبات وإعلان هذه العقيدة وضمّها إلى سائر قضايا الإيمان المقدّس، كل ما جاء في كتبنا الطقسية، وما كتبه آباؤنا القديسون، عن هذه البتول النقيّة والجميلة، كما وصفها الكتاب المُقدّس: “كلكِ جميلة ولا عيبَ فيكِ” ، وكما وصفوها ونعتوها به من الصفات الفائقة، وما خصّوها به من المدائح التي لا تليق إلاّ بمن كانت فوق كل خليقة، وكل قداسة، وكل جمال، وكل كمال.
فالتي أضحت أم الكلمة المتأنّس، والتي فاقت بطهرها وقداستها جميع الملائكة والبشر، والتي قال الله عنها لآدم أنّها سوف تسحق رأس الحيّة الجهنّمية، والتي أضحت سلطانة السماوات والأرض وملكة العالم، ولذلك دعتها الكنيسة المقدسة، والشعوب قاطبة: ” الفائقة القداسة، أُمّاً مُكرّمة، الكليّة النقاوة والطهارة، شعاع الشمس العقليّة، تابوت الله، وغير ذلك من الأوصاف التي تدل الدلالة كلّها على دوام نقاوة نفسها .
ففي صباح اليوم الثامن من شهر ديسمبر سنة ١٨٥٤، أعلن البابا بيوس التاسع بسلطانه الكنسي الأعلى المعصوم من الغلط: ” أن مريم البتول قد تنزّهت عن الخطيئة الأصلية، وأن الله وقى نفسها من تلك الخطيئة الجديّة منذ الدقيقة الأولى التي فيها أبدعها وضمّها إلى جسدها. وذلك نعمة خاصة منه ، بفضل إستحقاقات إبنه الوحيد سيّدنا يسوع المسيح مخلّص الجنس البشري ” .
فما كاد الحبر الأعظم ، خليفة القديس بُطرس على الأرض وأبو المؤمنين أجمعين، يعلن للعالم تلك العقيدة السماويّة، حتى انطلقت المدافع إبتهاجاً، ودقّت أجراس كنائس رومة كلّها طرباً وإبتهاجاً وتهليلاً، معلنة للعالم كلّه أجمع فرح الكنيسة بإعلان تلك العقيدة المريميّة الجميلة. وكان خمسون ألفاً من المؤمنين يزدحمون في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان، في ذلك الصباح التاريخي العظيم ليحتفلوا بعيد البتول مريم ويشتركوا مع رئيس الكنيسة الأعلى والبطاركة والأساقفة والكهنة في تكريم العذراء النقيّة المجيدة.
ومنذ ذلك اليوم الأغرّ أخذت العجائب والنعم تنهال كالمطر المدرار على النفوس والأجساد، ولا يزال نهر النعم يتدفّق من العذراء مريـم “سُلطانة الحبل بلا دنس، البريئة من الخطيئة الأصلية” على العالم إلى يومنا هذا .