“لم يعد للصمت مكان” أصبح هو لسان حال نسبة ليست بقليلة من الفتيات والسيدات عندما يتعرضن لأى شكل من أشكال العنف ضدهن، فلقد تابعنا خلال الفترة الماضية العديد من البلاغات الرسمية التي تقدمت بها بعض الفتيات والسيدات حينما تعرضن للتحرش أو عنف بأى شكل، فلم يعد الصمت هو الإختيار الأفضل مثلما كان يحدث لسنوات طويلة، و جاء يوم 25 نوفمبر هذا العام والذي بدأت معه حملة ال 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة، والتى تستمر حتى يوم 10 ديسمبر الجاري،
و قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإقرارها سنوياً منذ عام 1999- فى ظل تحرك ملموس على أرض الواقع منها إصدار قانون رقم 141 لسنة 2021 بتعديل قانون العقوبات لمواجهة التحرش الجنسي، وإصدار اللائحة التنظيمية لعمل مراكز الاتجار بالبشر، بالإضافة إلى جهود النيابة العامة الحثيثة وقراراتها التي تتسم دائما بالحسم والنزاهة والشفافية والدفاع عن المرأة ،كل هذه الإجراءات تمثل خطوات مهمة فى طريق الحد من مختلف أشكال العنف ضد المرأة، إذا كان هناك استمرار لتطبيق القانون لردع مرتكبي مثل هذه الجرائم التي تمارس ضد النساء. خاصة انه منذ تفشى جائحة كورونا وفرض بعض القيود على الحركة في جميع أنحاء العالم، ارتفعت نسبة العنف ضد النساء والفتيات من حيث النوع والشدة بما في ذلك العنف عبر الإنترنت وبالأخص التحرش الرقمي حيث تم لممارسة أشكال مختلفة من العنف ضد الفتيات والسيدات كالاهانات القائمة على أساس النوع الاجتماعي والتحرش الجنسي والمطاردة الإلكترونية والتنمر والخداع والتهديدات والابتزاز عبر التقنيات الرقمية.
ثقافة الإبلاغ مهمة
تحدثنا إلى لمياء لطفى – مديرة برامج بمؤسسة المرأة الجديدة، قالت:” هناك تطور كبير وملحوظ على أرض الواقع فيما يتعلق بإجراءات مناهضة العنف ضد النساء، و من ضمن التغيرات التى حدثت زيادة نسب الفتيات والسيدات اللواتي يقمن بالإبلاغ حال تعرضهم لأي شكل من أشكال العنف أو الايذاء، فنجد حالات الإبلاغ التى تم الإعلان عنها مؤخرا كانت كثيرة جدا، و هذا الأمر بطبيعة الحال يزيد من انتشار ثقافة الإبلاغ والتى تضمن ضرورة وجود محامي وما إلى ذلك حتى يكون الإبلاغ ناجح و مكتمل، و معرفة الإجراءات القانونية من قبل الفتيات والسيدات، بالاضافة إلى انتشار حالات الإبلاغ عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقيام بعض الفتيات بتصوير ما تعرضن له من تحرش أو أى أعمال عنف بكل التفاصيل والتى وصلت فى معظم الحالات الى النيابة العامة والتي تدخلت بدورها بشكل سريع.و على سبيل المثال الفتاة التى رصدتها كاميرات المراقبة والتى قابلها شخص تحرش بها فى الشارع والفتاة نشرت الفيديو والنيابة العامة تحركت قبل تقديم الفتاة نفسها بلاغ واعتبرت أن الفيديو المنشور بلاغ فى حد ذاته، و غيرها من القضايا فهذا الأمر يعد تحرك جديد من نوعه و أصبح متكرر وهناك تحرك من الجهات المعنية بأقسام الشرطة والنيابة العامة، فهناك فتيات تحدثن عن عنف وإيذاء تعرضن له بعد صمت لسنوات.”
وأضافت لمياء لطفى قائلة:” هناك مجموعات بدأت تتبنى حملات لتعقب أعمال العنف والإيذاء للفتيات والسيدات للوصول إلى التدخل القانوني ومعاقبة القائمين بهذه الأعمال، و هذا الأمر كان له مردود كبير بالإضافة إلى الاهتمام الإعلامى بمثل هذه القضايا، كلها مستجدات جعلت أن هناك تقدم ملموس على أرض الواقع فى التعامل مع قضايا العنف ضد المرأة وأنه يكون فى أحكام رادعة، وأصبح هناك عقوبات تصل فى بعض القضايا إلى الحكم بالسجن المؤبد مثلما حدث فى عدة قضايا مؤخرا، أو أحكام بأقصى العقوبة مثلما حدث مع المتهم بالتحرش بطفلة المعادى. و هناك حالات عنف موجودة طوال الوقت ولكن وسائل التواصل الاجتماعى أظهرتها بشكل أكبر، و القوانين والإجراءات الحالية تدعم الفتيات والسيدات فى أنهن يقمن بالإبلاغ وعدم الصمت، وكذلك هناك دور مهم لمكاتب المساندة للفتيات والسيدات فى الجمعيات الأهلية، من حيث التوعية وتقديم الدعم النفسي والقانوني.
القومى للمرأة يشيد بقانون 141
كما أشاد المجلس القومي للمرأة بإصدار قانون 141 لسنة 2021 بتعديل قانون العقوبات لمواجهة التحرش الجنسي، وقالت مايا مرسي رئيسة المجلس القومي، إن قانون 141 لسنة 2021 بتعديل قانون العقوبات لمواجهة التحرش الجنسي يعد انتصارا جديدا يضاف إلى سجل انتصارات المرأة والفتاة المصرية، ويأتي استكمالا وتأكيدا على حرص رئيس الجمهورية ومناداته بحماية المرأة والفتاة من كافة أشكال العنف الموجه ضدهن.
جدير بالذكر أن قانون 141 لسنة 2021 تضمن موادا بتغليظ عقوبة جريمة التحرش، ومن ضمن هذه المواد المادة 306 مكرر أ والتي تنص على: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز أربع سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة آلاف جنيه ولا تزيد على مائتى ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو الإلكترونية أو أية وسيلة تقنية أخرى.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائتى آلاف جنيه ولا تزيد على ثلاثمائة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه.
وفي حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.
أما المادة 306 مكرر (ب) تنص على: يعد تحرشا جنسيا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكررًا (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، فإذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 من هذا القانون (الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادما بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة)، أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًا تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات.
تطور نوعي فى جرائم العنف
منى عزت – باحثة في قضايا النوع الاجتماعى – مسئولة النوع الاجتماعي بمؤسسة طاقات مصرية للتنمية، قالت:” حدث خلال الفترة الأخيرة الكثير من التطورات فيما يتعلق بإجراءات الدولة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة، منها التعديلات التى حدثت على قانون العقوبات بتغليظ العقوبات الخاصة بجرائم العنف ضد المرأة ومنها التحرش، بالإضافة إلى ما تم الإعلان عنه من أنه سيتم إنشاء وحدة من قبل مجلس الوزراء للمعرضات للعنف، و إنشاء الوحدات والأقسام التي أصبحت متواجدة فى بعض المستشفيات لتقديم الدعم والتدخلات الطبية اللازمة للفتيات والسيدات اللواتي يتعرضن للعنف، كل هذه الإجراءات والقرارات أو التعديلات فى القوانين التى صدرت تعتبر من الإجراءات الإيجابية من قبل الدولة.”
وأضافت عزت قائلة:” بالإضافة إلى وجود العديد من المبادرات من قبل المؤسسات الجهات الحكومية بالإضافة إلى العمل من قبل مؤسسات المجتمع المدني المعنية بقضايا العنف ضد النساء و العمل على مناهضة العنف ضدهن، و إجراء التدريبات التوعوية التي تساهم في تغيير النظرة للمرأة والحد من العنف ضدها.
لكن نحن أمام تحدى كبير لأن معدلات العنف التى تحدث لاتزال كبيرة، بالإضافة إلى وجود قضايا نوعية تحدث مرعبة مثل جرائم الاغتصاب الجماعي، والاعتداءات والعنف أو الانتهاك الجنسي الذي أعقبه قتل فى العديد من الجرائم التى حدثت, مثل هذه النوعيات من الجرائم تحتاج إلى أننا نقف أمامه و نبحث فى الأسباب على كافة المستويات اجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها، لنتعرف على إبعاد مثل هذه القضايا و لماذا حدث هذا التحول النوعي. لوضع إجراءات حازمة للتعامل مع مثل هذه الجرائم، كما نحتاج إلى تدريب وتأهيل داخل أقسام الشرطة لتلقى البلاغات لأن تغليظ العقوبات فى القوانين غير كاف لكن نحتاج ايضا الى تدريب القائمين على تنفيذ القانون حتى يستطيعوا تنفيذ القانون وتحقيق العدالة.”
مراكز لحماية ضحايا الاتجار
مؤسسة قضايا المرأة المصرية كانت قد أصدرت بيانا رحبت فيه بإصدار اللائحة النموذجية المنظمة للعمل بمراكز ضحايا الاتجار بالبشر من قبل وزارة التضامن الاجتماعي، حيث أصدرت قرار رقم ٢٨٩ لسنة ٢٠٢١ والذى تم نشره بالجريدة الرسمية في ٥ أغسطس الماضي. وأكدت المؤسسة على أن إنشاء مراكز لضحايا الاتجار بالبشر كان مطلبًا مهما على مدار السنوات الماضية طالبت به المؤسسة، ويعد إصدار اللائحة المنظمة للعمل بهذه المراكز خطوة على الطريق لدعم الفتيات والنساء ضحايا الاتجار بالبشر.
وأشارت قضايا المرأة إلى أن اللائحة تضمنت في المادة رقم ١٢ أن يقوم الموظف بمركز ضحايا الاتجار بقبول كافة الحالات التي يتم تحويلها إليه من قبل المؤسسات الحكومية أو المجالس القومية المتخصصة دون أن يذكر إتاحة تحويل الحالات من قبل مؤسسات المجتمع المدني العاملة مع ضحايا الاتجار بالبشر ضمن الجهات المنوط بها تحويل الحالات. بالإضافة إلى أن اللائحة أوضحت أنه على الموظف قبول كافة الحالات ما لم يكن لديه أسباب جدية للرفض، دون تحديد ماهية هذه الأسباب و كلمة أسباب جدية مصطلح مطاطي وغير واضح وهو الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على قبول الفتيات والنساء ضحايا الاتجار بالبشر في المراكز.
كما نوهت مؤسسة قضايا المرأة، إلى أن اللائحة غاب عنها محور مهم ألا وهو التمكين الاقتصادي لضحايا الاتجار بالبشر، بالرغم من أن القانون رقم ٦٤ لسنة ٢٠١٠ والخاص بالاتجار بالبشر أكد على ضرورة أن يكون هناك صندوق للدعم والتمكين الاقتصادي لضحايا الاتجار بالبشر.
وفيما يتعلق بإسناد الإشراف وإدارة المراكز إلى ادارة الدفاع الاجتماعي بوزارة التضامن وهى ادارة مثقلة بالمهام والمسؤوليات الأخرى سواء حماية وتأهيل الأطفال المعرضين للخطر أو غيرها من المهام الموكلة اليها، لذلك نطالب بأن تكون هناك جهات أخرى شريكة في الإدارة والإشراف لهذه المراكز مع الاستعانة بالمؤسسات الأهلية أو الاستشاريين ممن لديهم خبرات في هذا الشأن.
أوضحت المؤسسة أن اقتصار حق الانتفاع من هذه المراكز على الضحايا ممن تعرضن بالفعل للاتجار على الرغم من أهميته إلا أنه من المفضل أن يتم استقبال المراكز أيضا للفتيات والنساء فى بيئات خطرة و معرضات لجرائم الاتجار.