أبي الغالي، نحتفل يوم ١٢ ديسمبر من هذا العام، ٢٠٢١ ، بمرور خمسين عامًا على رسامة نيافتك أسقفًا للبحيرة وتأسيس هذه الإبرشية التي تم إنشاتها من العدم، ثم يأتي يوم ١٧ ديسمبر، احتفالًا بعيد ميلادك السادس والثمانين، أبقاك رب المجد حتى المجيء الثاني. وسبق هذه الأعياد في ٢ سبتمبر العيد الواحد والثلاثون لرسامتك مطرانًا، وفي ١١ نوفمبر عيد رهبنتك التاسع والخمسون، الذي هو عيد للرهبنة فىزمننا المعاصر، أبقاك مخلصنا الصالح عمودًا للرهبنة القبطية في أصولها الآبائية التي تلتزم بها.
دائما ما تقول أنك تشتاق وتحن إلى قلايتك بدير السريان العامر، وهذا هو الراهب الحقيقي الذي كالسمك لا يستطيع الحياة خارج المياه. علمتمنك كيف عشت حياة التجرد والنسك الشديد في حياتك الرهبانية فعندما جاءك رئيس دير السريان، وقتئذ الحبر الجليل الأنبا ثاؤفيلس(١٩٤٧- ١٩٨٩)، ليسألك عما تحتاج في قلايتك، كانت الإجابة بأنك لا تحتاج شيئًا، ولكن الاب الرئيس اكتشف أنه لايوجد أي أثاث بالقلاية،اذ كنت نيافتك تنام على الأرض وتأكل الكفاف.
كلما تكلمت معك عن هذه الحياة الملائكية، كنت دائما ما تؤكد وبالتالي تلتزم بنذور الرهبنة الثلاثة، الطاعة، البتولية والفقر الاختياري، فكان من الطبيعي أن تثمر وتجذب إلى الرهبنة الكثيرين وأن يعمر أبناؤك وبناتك من الرهبان والراهبات اديرة مصر، وإبرزهم قداسة البابا تواضروس.
حبك وحرصك على أصولنا الرهبانية هو ما جعلك تسعى لسنوات من العمل الدؤوب لإحياء دير الأنبا مكاريوس السكندري في صحراء القلالي، لهذا ولأسباب أخرى كثيرة سيضعك تاريخ الرهبنة مع آبائها العظام منذ القرون الأولى، ومنهم من تلقبت باسمه، ألا وهو الأنبا باخوميوس بالشركة.
كما سيضعك تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مع آبائها العظام الذين كانوا بحق رعاة صالحين يحرسون القطيع، ويبحثون عمن خرج خارجه، وهذا مافعلته، إذ عمرت الكنائس وسعيت في احتضان أبنائك وبناتك في كل الإيبارشية المترامية الأطراف على نهج آبائنا الرسل الأطهار وعلى درب الكنيسة الأولى.
لقد أنشأت نيافتك ولاتزال تنشأ وتكرس كنائس وخداما في أماكن لم يكن أحد ليحلم أن تكون بها أي نوع من الخدمة، لكنه إيمانك وإصراركوتفانيك لخدمة أبناء إبرشيتك متوجا بنعمة الروح القدس الذي جعلك تحقق المستحيل أو كما ذكرت نيافتك “المعجزات.”
آخر ما دشنت كنيسة السيدة العذراء والشهيد أبي سيفين بزاوية عبد القادر بحري، بالعامرية. حتى لو كان الجسد ضعيفا، لكن يظل الروح نشيطًا جدًا، فقد قمت بخدمة القداس الإلهي، وألقيت عظة سردت فيها تاريخ الخدمة بالمنطقة بذاكرتك العجيبة التي حفظها رب المجد لك، وطلبت من الحضور في النهاية أن يصلوا لكي تستمر في الخدمة حتى النفس الأخير، وأؤمن أن الهنا الصالح سيعطيك سؤل قلبك.
وكما تهتم ببنيان أولادك وبناتك الروحي، تحرص عليهم صحيًا وعلميًا، ومن ثم كان اهتمام نيافتك بإنشاء مستشفى الراعي الصالح ومدرسة الكرمة للغات، وهما مؤسستان تقدمان خدمة مجتمعية حقيقية لكل أبناء المحافظة وتحرص في المدرسة على تقديم العلم المكلل بالفكر المتفتحوالقيم الإنسانية من محبة وتسامح وعطاء، وهو محور وجوهر التعليم المدني الذي ننشده في مؤسساتنا التعليمية المختلفة.
يا أبي الغالي، أفكارك دائمًا سباقة وبناءة ولا عجب فهي مختومة بنعمة وبركة الروح القدس وتعكس بحق “سر الرب لخائفيه وعهده لتعليمهم”. ليجدد الرب مثل النسر شبابك ويبقيك أبًا وراعيًا وعمودًا للكنيسة والرهينة القبطية الأرثوذكسية.