هذا ما أعلنه السيد الرب نفسه, حينما قال في قبوله توبة زكا العشار لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك (لو19:10) يقصد أن يخلص الخطاة.
ولماذا جاء ليخلصهم؟ السبب أنه أحبهم علي الرغم من خطاياهم!
وفي هذا يقول أيضا هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية (يو:16) إذن هو حب, أدي إلي البذل بالفداء.
قصة تجسد المسيح إذن, هي ـ في جوهرها ـ قصة حب لقد أحب الله العالم, العالم الخاطئ المقهور من الشيطان, والمغلوب من الخطية العالم الضعيف العاجز عن إنقاذ نفسه, أحب هذا العالم الذي لا يسعي إلي خلاص نفسه, بل الذي انقلبت أمامه جميع المفاهيم والموازين, وأصبح عالما ضائعا.. والعجيب أن الله لم يأت ليدين هذا العالم الخاطئ, بل ليخلصه وهكذا قال:
ما جئت لأدين العالم بل لأخلص العالم (يو 12:47) لم يأت ليوقع علينا الدينونة, بل ليحمل عنا الدينونة.
من حبه لنا: لما وجدنا واقعين تحت حكم الموت, جاء ليموت عنا ومادامت أجرة الخطية موت (رو6:3) لذلك حمل بنفسه خطايانا, ودفع الثمن عنا بموته, ولكي يمكن أن يموت أخلي ذاته, وأخذ شكل العبد, وصار إنسانا مثلنا.
فكانت محبة الرب مملوءة اتضاعا في مولده وفي صلبه.
في هذا الاتضاع قبل أن يولد في مذود بقر, وأن يهرب من هيرودس كما أنه في اتضاعه, أطاع حتي الموت, موت الصليب (في 2:8) وقبل كل الآلام والإهانات لكي يخلص هذا الإنسان الذي هلك.
رأي الرب كم حطمت الخطية الإنسان فتحنن عليه..
كان الإنسان الذي خلق علي صورة الله ومثاله, قد انحدر في سقوطه إلي أسفل. وعرف من الخطايا ما لا يحصي عدده, حتي وصل إلي عبادة الأصنام وقال في قلبه ليس إله الجميع زاغوا وفسدوا معا ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد (مز 14: 1ـ3), ووصلت الخطية إلي المواضع المقدسة!
الإنسان وقف من الله موقف عداء, ورد الله علي العداوة بالحب!
فجاء في محبته يطلب ويخلص ما قد هلك وطبعا الذي هلك هو الإنسان, الذي عصي الله وتحداه وكسر وصاياه. وبعد عن محبته وحفر لنفسه آبارا مشققة لا تضبط ماء (إر 2:13) ولكن الله ـ كما اختبره داود النبي لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا وإنما كبعد المشرق عن المغرب وأبعد عنا معاصينا (مز 103: 10ـ12). ولماذا فعل هكذا؟ يقول المرتل لأنه يعرب جبلتنا يذكر أننا تراب نحن!! (مز 103:14).
حقا إن الله نفذ (محبة الأعداء) علي أعلي مستوي.
جاء الرب في ملء الزمان حينما أظلمت الدنيا كلها, وصار الشيطان رئيسا لهذا العالم (يو14:30), وانتشرت الوثنية, وكثرت الأديان وتعددت الآلهة.. ولم يعبد الرب سوي بقية قليلة قال عنها إشعياء النبي لولا أن رب الجنود أبقي لنا بقية صغيرة لصرنا مثل سادوم وشابهنا عمورة (إش 1:9).
جاء الرب ليخلص هذا العالم من الموت ومن الخطية
وقف العالم عاجزا يقول الشر الذي لست أريده, إياه أفعل, ليس ساكنا في شيء صالح, أن أفعل الحسني لست أجد (رو7:17ـ19) أنا محكوم علي بالموت والهلاك وليس غيرك مخلص (إش 43:11). هذا ما كانت تقوله أفضل العناصر في العالم, فكم وكم الأشرار الذين يشربون الخطية كالماء, ولا يفكرون في خلاصهم! إن كان الذي يريده الخير, لا يستطيعه, فكم بالأولي الذي لا يريده!! إنه حقا قد هلك.
لم يقل الرب إنه جاء يطلب من هو معرض للهلاك, وإنما من قد هلك.. الخطية في أعنف صورها كانت قد دخلت إلي العالم, وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس, إن أخطأ الجميع.. وهكذا ملك الموت من آدم (رو 5:12 ـ 14).
والرب في سمائه, استمع إلي أنات القلوب
وهي تقول: قلبي قد تغير لم أعد أطلب الله وما عدت أريد الخير والتوبة لا أبحث عنها, ولا أفكر فيها, ولا أريدها! لماذا؟ لأن النور جاء إلي العام ولكن العالم أحب الظلمة أكثر من النور, لأن أعمالهم كانت شريرة (يو 3:19), ومادام قد أحب الظلمة أكثر من النور, إذن فسوف لا يطلب النور ولا يسعي إليه.