شارك الباحث القس عيد صلاح راعى الكنيسة الانجيلية بشارع احمد عصمت عين شمس الشرقية، بورقة بحثية بعنوان ” محاولات فى ترجمة الكتاب المقدس الى اللغة العربية فى شمال افريقيا “، قدمت بالمؤتمر الدولى الرابع للمركز الثقافي الفرنسيسكاني للدراسات القبطية، بالتعاون مع اللجنة الاسقفية للاعلام وبرعاية مركز المسبار للدرسات والبحوث بدبى تحت عنوان “كنيسة شمال إفريقيا تراثها ومصيرها”،والذى أقيم لمدة ثلاث أيام بمسرح سان جورج – ميدان الإسماعيلية – مصر الجديدة برئاسة الأب ميلاد شحاتة الفرنسيسكاني مدير المركز الثقافي الفرنسيسكاني للدراسات القبطية، حيث قال
ترجمة الكتاب المقدَّس إلى اللغة العربيّة في شمال أفريقيا بعد الفتح العربيّ أمر يكتنفه الغموض، وذلك لأسباب كثيرة، وتقل أيضًا الدراسات الخاصة به في حقل البحث الخاص بترجمات الكتاب المقدَّس إلى اللغة العربيّة.
ويثير البحث العديد من الأسئلة: هل توجد ترجمات عربيّة للكتاب المقدَّس بعد الفتح العربيّ لشمال أفريقيا؟ وما هي الترجمات التي أخذت الصدارة قبل الفتح العربيّ في شمال أفريقيا؟ هل توجد ترجمات معاصرة حديثة للكتاب المقدَّس؟ ما هو الأسلوب التي انتهجته الترجمات قديمًا وحديثًا؟ وما هو الذي ميزها؟ ثم تتطرق الورقة إلى مستقبل الترجمة العربيّة للكتاب المقدَّس في شمال أفريقيا؟
وأكد الباحث القس عيد صلاح على انة توجد صعوبة في البحث من ناحية المصادر والأبحاث السابقة، والباحث يأخذ من النظرية السياقيّة مدخلًا لفهم المحاولات التي تمَّت لترجمة الكتاب المقدَّس إلى اللغة العربيّة في شمال أفريقيا، فالقرينة التاريخيّة والثقافيّة هي المدخل الحقيقيّ لفهم الترجمات في سياقها اللغويّ والتاريخيّ والمرسليّ أيضًا.
وقد ناقشت الورقة ندرة الترجمات العربية للكتاب المقدس بعد الفتح العربي لشمال أفريقيا ومن قبل عدم ترجمات الكتاب المقدس للغات المحلية. ثم تطرقت الورقة للمحاولات التي ظهرت في القرنين التاسع عشر والثامن عشر ثم بداية الألفية الثالثة. وتعرضت للنماذج والقوالب الأدبية التي ترجم إليها الكتاب المقدس للغة العربية في شمال أفريقيا.
التجربة الشعرية:
اوضح القس عيد صلاح انة في اللغة الشعرية تقف الدراسة عند حفص ألبر القوطي في القرن التاسع إلى منصف الوهايبي في القرن الواحد والعشرين نجد فيها محاولات لفهم القرينة والسياق وإعادة توطين الكتاب المقدس في العالم العربي والإسلامي ليكون مفهومًا في مفردات عربية حتى وإن أخذت شكل الثقافة العربية ولكن لن تتخلى عن المفاهيم اللاهوتية المسيحية، فحين ترجم ألبر القوطي المزمور الأول عنونه بأنه نبوة عن المسيح.
والقى القس عيد صلاح الضوء على نموذج لترجم المزمور الأول لمنصف الوهايبي:
1 ألا لِيَقَرَّ عَينًا، ذاكَ الّذي لا يَستَرشِدُ بِنَصائِحِ الأثَمَةِ الّذي لا يَسلُكُ طَريقَ الخَطّائِينَ ولا يُجالِسُ المُستَهزِئينَ
2 بَل كانَ هَواهُ كِتابَ اللهِ يَتلُوهُ وَيُرَدِّدُهُ آناءَ اللَّيلِ وأَطرافَ النَّهارِ
3 مَثَلُهُ مثَلُ شَجَرةٍ غُرِسَتْ على مَجرَى ماءٍ تُؤتي أُكْلَها في وَقتِهِ وَوَرَقُها لا يَذوِي أبَدًا لَقَد أَفلَحَ في كُلِّ ما عَمِلَ وَأَتَى
4 وما هَكَذَا الكَفَرَةُ مَثَــلُهُم مَثَــلُ عَصْفٍ مَأكُولٍ
5 لا الكَفَرَةُ يَومَ الحِسابِ يَثبُتونَ ولا الخَطَّاؤُونَ مَعَ الأبرارِ يُحشَرونَ
6 هُوَ اللهُ يَرعَى سُبُلَ الصّالِحينَ أمّا الّذينَ تُلقي بِهِم سُبُلُهُم إلى التَّهلُكَةِ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَطّاؤونَ.
وعن التجربة النثرية
عرضت الورقة البحثية للقس عيد صلاح لنموذجين من للترجمة النثرية: الأولى أضواء على سير الأنبياء-الأنبياء الأولون” صدر عن دار للكملة في بيروت 2019 تقديم الدكتور فتحي نصري عميد كلية الآداب في تونس، والتجربة الثانية قامت بها لبعض أجزاء من إنجيل يوحنا قامت به إيزابيلا ليلياس تروتر (1853-1928) فنانة ومرسلة لأكثر من 38 عامًا في الجزائر. لم يصدق جون روسكين، الناقد الفني الشهير، أن السيدات يمكنهن الرسم قبل أن يقابل ليلياس. لقد غير رأيه بعد أن التقى بها واعتقد أنها إذا أعطت حياتها للرسم فقد تصبح أعظم رسامة في القرن التاسع عشر. اعتقدت روسكين أنها إذا كرست نفسها للفن “ستكون أعظم رسامة حية وتفعل أشياء ستكون خالدة”. لم يكن سعيدًا لأنها كانت تقضي الكثير من الوقت في شوارع لندن، تساعد في جمعية الشابات المسيحيات، عندما كان اعتقدت أنها يجب أن ترسم. ومع ذلك، قررت ليلياس التخلي عن حياتها المهنية في الفن من أجل خدمة الله. ظلت دائمًا صديقة جيدة لرسكن، وكتبوا العديد من الرسائل عندما كانت في الجزائر. كما ألفت عدة كتب رسمتها بنفسها بشكل جميل، منها: أمثال الصليب (1894)، أمثال المسيح (1899)، وكتاب للمسلمين الصوفيين، وكتاب نور الأنوار في كشف سبعة أسرار، وهو الكتاب الوحيد المتاح باللغة العربيّة.
وبخصوص التجربة العامية (الدارجة):
عرضت الورقة البحثية للقس عيد صلاح الترجمة الدارجة للكتاب المقدس ولا سيما العهد الجديد في المغرب وتونس والجزائر. تقترب الورقة للترجمات التي تمَّت بالعاميّة في شمال أفريقيا على رأسها الترجمة المغربيّة الدارجة للعهد الجديد، وقد قارب العهد القديم على الانتهاء. ثم تشير المعلومات الأرشيفيَّة من أرشيف الاتحاد الدوليّ لدور الكتاب المقدَّس تشير إلى وجود ترجمتين: إنجيل لوقا واحدة بالدراجة التونسيّة عام 1903م، والأخرى بالدارجة الجزائريّة نشرت عام 1911م، لكن ليس لدينا حتى الآن نصّوص هذه الترجمات.
وقد أقتربت الورقة البحثيّة للقس عيد صلاح من بعض المحاولات لترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية في شمال إفريقيا، وما تمَّ في المقابل الجغرافيّ لشمال أفريقيا وخصوصًا في الأندلس مثل ترجمة حفص ألبر القوطيّ للمزامير في القرن التاسع الميلاديّ، وهو عالم لاهوتيّ ومترجم وشاعر، وهي أقدم ترجمة للمزامير في اللغة العربيّة، وصولًا إلى ترجمة سفر المزامير (مزامير العشق الإلهيّ نفحات من كتاب الزَّبور للنبي داود للشاعر التونسيّ المنصف الوهايبيّ. ثم التجربة التونسيّة التي قامت بها إيزابيلا ليلياس تروتر (1853-1928م)، مرورًا بالترجمات العامية الدارجة في كل من المغرب والجزائر وتونس، ومناقشة الموقف من اللغة الفصحى والعامية والصراع بينها واحياز الترجمات الحديثة في شمال أفريقيا للعامية (الدارجة). وصولاً إلى تجربة “أضواء على سير الأنبياء، الأنبياء الأولون”. وكلها محاولات لنقل الكتاب المقدس باللغة العربية إلى منطقة شمال أفريقيا. والتجربة التي كادت أن تكتمل هي الترجمة الدارجة المغربية كادت تصل لكل الكتاب المقدس، وهي تجربة تستحق الإشادة والتقدير.
يقول روبين دانيال في كتابه المهم “التراث الديني المسيحي في شمال أفريقيا” لا جدوى من دراسة تاريخ الكنيسة إن كنّا نبغي من وراء ذلك الاسترسال وراء الحنين إلى الأمور الماضية، والتمادي بشكل مَرَضي وغير سليم في التأسف على ما حصل. ولكن هذه الدراسة تصبح مفيدة وعملية إن كان التفاتتنا إلى الوراء تساعدنا على النظر قدمًا بشكل أوضح إنها توجهنا إلى السبل القديمة-إلى ما وراء أوغسطينوس وكبريانوس وترتليانوس-حتى نصل إلى كلمة الله الحية نفسها. بعد هذا تقودنا قدمًا إلى المستقبل.
واضاف القس عيد صلاح عن مستقبل الترجمات العربية للكتاب المقدس في شمال أفريقيا بقولة لعل دراسة المحاولات التي صدرت لترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية في شمال أفريقيا تفتح أفاقًا للمستقبل لترجمات متكاملة متنوعة ومتعددة لكي يبلغ النص رسالته ووظيفته المرجوة منه. وكما هو متميز فأن فريق العمل في الترجمة لا يمكن أن يتغاضى عن إسهامات المترجمين المسلمين وخبراتهم ليكون هناك فريق عمل متكامل لإتاحة الكتاب المقدس للجميع مسلمين ومسيحيين في لغة مفهومة صحيحة وسليمة من الناحية اللاهوتية في قوالب أدبية متعددة ومتنوعة وفي مناخ سياسي وثقافي يقبل التعددية والتنوع.