ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
امتنعوا عن كل شبه شر
إن المسيحية سقفها عال, لأن المسيحية سماوية, ويقصد بالسقف مسيرة الكمال, فالإنسان في كمال مسيرته يكون أمامه الارتفاع بين الأرض والسماء, ولذلك تتميز هذه الفضائل بأنها سامية أي فيها السمو, فهي ليست فضائل إنسانية ولا اجتماعية.
فالشعوب الوثنية لديها فضائل مثل فضيلة احترام الآخر, فعندما يرون شخصا ينحنون أمامه بكل احترام, وهذه تسمي فضائل إنسانية, أما ما ذكره القديس بولس الرسول من لآلئ فهي فضائل مسيحية سامية تعبر عن سمو الحياة المسيحية.
وآخر فضيلة في عقد اللؤلؤ هي فضيلة امتنعوا عن كل شبه شر (1تس5:22), فقد تكون الفضيلة الإنسانية امتنعوا عن كل شر, أما الفضيلة المسيحية فتقول: امتنعوا عن كل شبه شر وهذا هو سمو المسيحية.
فمثلا في العهد القديم نجد وصية لا تقتل, أما في العهد الجديد فقال لا تغضب قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب علي أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم (مت5:21-22), حيث إن الغضب يؤدي إلي خطية القتل, لذلك قال ربنا يسوع المسيح: ما جئت لأنقض بل لأكمل (مت5:17), فالوصية لها أبعاد, وقد جاء المسيح لكي ما يكمل لنا فهم الوصية, تماما مثل الطفل عند دخوله إلي المدرسة يبدأ بالمرحلة الابتدائية, ثم الإعدادية.. حتي يلتحق بالمرحلة الجامعية, وهكذا يتقدم في التعليم..
ما هو شبه الشر؟
إن شبه الشر هو الشيء الذي يؤدي إلي الشر والخطية والجريمة والانحراف.. إلخ, فهو شيء يؤدي إلي شيء, فانتبه أن هناك أشياء في حياتك قد تؤدي إلي الخطية, وإن كانت في حد ذاتها ليست خطية, وسنذكر هنا بعض نماذج لشبه الشر:
أولا: التردد
الإنسان المتردد يصفه معلمنا يعقوب بقوله: رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه (يع1:8), وكلمة متقلقل تعني أن خطواته غير ثابتة, وكأنه يسير علي حجارة أو أرض غير مستوية, وهذا يؤدي إلي سقوطه.
فالإنسان المتقلقل, شخصية غير مناسبة لأي منصب قيادي أو مسئولية, لأن رأيه يكون متغيرا.
كما تجده يصدر قرارا يناقش ما سبق, فيأخذ قرارا وربما بعد دقائق يتراجع ويرفض, وتجده في قلق وعدم سلام وفي نزاع مع نفسه, لأنه في حالة عدم ثبات.
في حين نجد الإنسان الثابت إن تعرض لأخذ قرار في موضوع ما, يأخذ وقته ويصلي ويفكر, ويأخذ مشورة من أصحاب المشورة ثم يأخذ قراره.
مثال.. إبراهيم أبوالآباء
لم يتردد ولم يتراجع في قراره عندما أمره الله ونصحه أن يترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلي الأرض التي أريك (تك12:1), نفذ دعوته فورا وبدون أي تردد.
فذهب أبرام كما قال له الرب (تك12:4).
في مرة أخري طلب منه الله أن يقدم ابنه وحيده ذبيحة خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلي أرض المريا وأصعده هناك محرقة علي أحد الجبال الذي أقول لك (تك22:2). وفي هذا أيضا أطاع إبراهيم بدون أي تردد, فيقول الكتاب: فبكر إبراهيم صباحا وشد علي حماره وأخذ اثنين من غلمانه معه وإسحاق ابنه وشقق حطبا لمحرقة وقام وذهب إلي الموضع الذي قال له الله (تك22:3).
مثال.. نحميا وبناء السور
عندما علم بهدم أسوار أورشليم, بدأ يصلي إلي الله, وقد ظهر مكمد الوجه أمام الملك الذي كان يعمل ساقيا لديه, فسأله الملك عن السبب فصلي إلي الله ثم قال له ما أصاب أورشليم.
كيف لا يكمد وجهي والمدينة بيت مقابر آبائي خراب وأبوابها قد أكلتها النار؟ (نح2:3), فأمر الملك في الحال بتقديم المساعدة لنحميا, وبالفعل سافر نحميا إلي أورشليم ومعه خطابات للولاة للمساعدة في بناء السور. وفي أورشليم بدأ يظهر له بعض الأشخاص الذين يحبطونه هو ومن معه فقالوا: إن ما يبنونه إذا صعد ثعلب فإنه يهدم حجارة حائطهم (نح4:3), ولكن نحميا لم يتردد ولم يضعف ولم يتراجع عن بناء سور أورشليم رغم تشكيك الأعداء, بل استمر في البناء بكل جدية, وقال عبارته المشهورة: إله السماء يعطينا النجاح ونحن عبيده نقوم ونبني (نح2:20).
لقد كان قلبا شجاعا لا يخاف وعزيمة قوية.
لكي تتخلص من هذا العيب الذي هو شبه شر فعليك بالصلاة, وقل للرب: ماذا تريد يارب أن أفعل, اصنع معي حسب مشيئتك.