– حروب المستقبل سوف تكون على تأمين الحصص والحقوق المائية
– التحديات التي تواجه الأمن المائي .. إيراد النيل نتيجة إجراءات أحادية لإثيوبيا
– ظاهرة التغيرات المناخية تهدد ثلث الدلتا بالغرق
– ندرة المياه والتغيرات المناخية (الفيضانات والجفاف) أكبر التهديدات التي تواجه الاستقرار
تشكل قضية الأمن المائي هاجساً يشغل العديد من دول العالم، نظرًا لأن المياه مصدراً للحياة وأساساً لكل تنمية، ومن أهم الركائز التي تقوم عليها التنمية الشاملة، وأن ندرة المياه تشكل أحد أهم المخاطر التي تهدد أكثر من ثلثي سكان العالم، وحذرت العديد من الدراسات بأن الصراعات والحروب العالمية والإقليمية القادمة ستكون حول مصادر المياه بالأساس.
كما تتوقع الكثير من الدراسات العلمية حدوث استنزاف للمياه الصالحة للشرب في المستقبل بفعل تلوث البيئة والنشاطات البشرية, وتزداد حدة المخاطر التي تواجه الأمن المائي، نظرا لاعتماد بعض الدول على مياه أنهار تقع منابعها في دول أخرى، كدجلة والفرات ونهر النيل،ما يؤثر بشكل سلبي على الأمن الغذائي بالمنطقة وأطماع بعض الدول بصدد هذه الموارد.
كما يواجه قطاع المياه في مصر بشكل خاص تحديات عدة أبرزها الزيادة السكانية وارتفاع درجات الحرارة، الذي يصاحبه تغيرات في دورة المياه على كوكب الأرض لتضيف تحديًا آخر موارد مصر المائية في ظل الارتفاع الملحوظ لدرجة الحرارة، وكذلك ما تشهده من ظواهر جوية متطرفة وغير مسبوقة مثل الأمطار الشديدة التي تضرب مناطق متفرقة، فضلًا عن أزمة سد النهضة وعدم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول قواعد تشغيل سد النهضة، والرغبة الإثيوبية في استغلال مياه النيل وبسط الهيمنة عليها، ما يطرح تخوفات تهدد الأمن المائي، فلا تخلو التوجهات الإثيوبية بصدد استغلال مياه النيل من مخاطر تلقي بظلالها القاتمة على مستقبل الأمن المائي المصري الأمر الذي يعرض ملايين الأفراد للخطر, بالإضافة إلى استهلاك قطاع الزراعة حوالي 80% من المياه، يتزامن مع غياب ثقافة ترشيد المياه، فمن المتوقع أن يصل إجمالي السكان في مصر لأكثر من ١٧٥ مليون نسمة عام ٢٠٥٠ وهو ما يمثل ضغطًا كبيرًا على الموارد المائية الأمر الذي يحدث فجوة بين الموارد المائية المتاحة وزيادة الاستخدامات في ظل ثبات الحصة المتاحة سنوياً، والتي تبلغ 55.5مليارمترمكعب ما يؤدى إلى زيادة معدلات الفقر المائي نتيجة لنمط الاستخدامات وزيادة الاحتياجات مع ثبات الحصة المائية المتاحة سنوياً، الأمر الذي يدعو إلى البحث عن بدائل لتعويض نقص موارد المياه.. فعن التحديات التي تواجه الأمن المائي، والتأثيرات المتوقعة تداعيات التغير المناخي على الموارد المائية وكيفية تعظيم الاستفادة منها من أجل أمن مائي مستدام.. كان هذا التحقيق
حالات الجفاف والفيضان
في البداية صرح الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري: إن مصر تواجه عجزًا مائيًا يبلغ 90 ٪ من مواردها المتجددة وتعيد استخدام 35 ٪ من تلك الموارد لسد احتياجات لسد الفجوة المائية و تعتبر واحده من أكثرالدول تعرضا لتأثيرات التغيرات المناخية من ارتفاع منسوب سطح البحر ولا الذي يعرض ثلث الدلتا للغرق وموجات الحراره العالية , بالإضافة التحديات التي تواجه إيراد النهر النيل نتيجة إجراءات أحادية لإثيوبيا خصوصًا فيما يخص من وتشغيل سد النهضة الإثيوبي بدون الوصول لاتفاق قانون ملزم بشان قواعد وتشغيل الأحادي.
وأشارإلى أن الدولة تنفذ مشروعات قومية كبرى في مجالات تحسين نوعية المياه وترشيد استخدامات المياه وتنمية الموارد المائية من خلال إنشاء محطات عملاقا لمعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي وإعادة استخدامها وتأهيل الترع والمساقي وتحديث نظم الري, وصيانة وتحديث المنشآت المائية وتنفيذمشروعات الحماية من إخطار السيول وحماية الشواطئ وتطويرالتشريعات والإصلاح المؤسسي والتوعية والتدريجي واستخدام التكنولوجيا الحديثة في إدارة المياه وتعظيم الفائدة من كل قطرة منه، موضحًا أن الدولة أعدت خطة قومية 2017: 2037 تصل تكلفتها تتراوح ما بين 50 إلى 100 مليار دولار وهذا تحد من تحديات الإدارة.
كما أشار إلى أن العالم يواجه تحديات مناخية تؤثر على كوكب الأرض ومنها الإيرادات المائية بما ينعكس علي التوابع التي تواجه قطاع المياه وتأثيراتها على المجتمع وقدرته على إدارة موارد مائية من خلال الاعتماد على الأساليب المتقدمة والحلول والاستفسارات التكنولوجية في مجال المياه.
وأضاف: تمثل التغيرات المناخية تحديا كبيرا في إدارة المياه فقد شاهدنا فيضانات في دول كثيرة وحرائق الغابات في دول البحر المتوسط وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة في كل أنحاء العالم، وهذا يتطلب استعدادات مختلفة للتعامل معها ومضاعفة الجهود نحو تبني سياسات مفاعيله وإدارة الرشيد للموارد المائية.
وشدد على أن التكنولوجيا ركنا أساسيًا لرفع كفاءة استخدام المياه والحفاظ على نوعيتها، موضحًا أن مركز الرصد والتنبؤ التابع للوزارة يقوم يتوزع بيانات التنبؤ بالأمطار مرتين في الأسبوع لأكثرمن 8 دول إفريقية وأن استخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية والنماذج الرياضية المتطورة.
وقال إن سد النهضة أحد التحديات التي تواجهنا التغيرات المناخية والزيادة السكانية، كما قال إن هذه التحديات تمثل صدمات في حالات الجفاف والفيضان، وأكد أن الزيادة السكانية تفرض على الجميع البحث عن موارد مائية لاستيعاب الزيادة السكانية.
التغييرات المناخية واستدامة الخدمات
وفيما يتعلق بكيفية تعظيم الاستفادة من الموارد المائية من أجل أمن مائي مستدام وإدارة قطاع مياه الشرب والصرف الصحي في ضوء ندرة المياه, قال الدكتور سيد إسماعيل، نائب وزير الإسكان لشئون البنية الأساسية،أن توفير الخدمات الأساسية من مياه الشرب والصرف الصحي له دور كبير في تحسين مستوى معيشة الشعوب، وتُعد من أهم سبل تحقيق العدالة الاجتماعية.
وأضاف: تولي الدولة اهتماماً كبيراً للارتقاء بقطاع مياه الشرب والصرف الصحي، وذلك للعلاقة الوثيقة بين مدى توافرها وجودة الحياة، بالإضافة إلى آثارها المباشرة وغير المباشرة اقتصاديا واجتماعيا على مستوى معيشة المواطنين.
وأشار إلى قيام قطاع المرافق بالوزارة بإعداد منهجية وخطة متكاملة طبقاً لأسلوب التخطيط السليم المبنى على الأسس العلمية، وذلك للحفاظ على الأمن المائي في ظل ندرة المياه، حيث تهدف تلك المنهجية إلى تنمية الموارد المائية لمواجهة الاحتياجات المائية وتوفير مصادر مائية لجميع القطاعات.
وأوضح أن تحقيق ذلك سيكون من خلال تطوير إستراتيجية خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، والاستغلال الأمثل للموارد المائية الحالية، وترشيد الاستهلاك بما يحافظ على هذا المصدر للأجيال القادمة، وإبلاء الاهتمام بجودة المياه، وتغطية جميع مناطق الجمهورية، والتوسع في إنشاء محطات التحلية.
كما أن المنهجية تتسق مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، كما أوضح أن هناك طفرة غير مسبوقة في تنفيذ مشروعات البنية الأساسية من مرافق مياه الشرب والصرف الصحي خلال الـ7 سنوات السابقة، والتي أسهمت في رفع نسب الخدمة بالحضر والريف لجميع أنحاء جمهورية مصر العربية وقطاع المرافق.
أما ما يتعلق بمشروعات مياه الشرب والصرف الصحي التي تم إنجازها والخطة الإستراتيجية للتحلية التي تم إعدادها لتلبية احتياجات مياه الشرب وتوفير المياه المطلوبة للمشروعات القومية التنموية التي يتم تنفيذها في جميع المناطق الساحلية بالجمهورية حتى سنة 2050, وأشار إلى التحديات التي تواجه القطاع في الحفاظ على الأمن المائي، كارتفاع معدلات النمو السكاني بما يمثل ضغطاً على طلب خدمات المياه والصرف، وضخامة الاستثمارات المطلوبة لإنشاء مشروعات المرافق.
وأضاف: ارتفاع تكلفة التشغيل والصيانة، وتأثير التغيرات المناخية على ضمان استدامة الخدمات، والحفاظ على الأمن المائي، مع مواكبة أحدث التكنولوجيات والطرق المستخدمة في تشغيل وصيانة مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي.
تحديات تؤثر التنمية المُستدامة
أكد الدكتور محمود أبوزيد, رئيس المجلس العربي للمياه,أن المنطقة العربية تواجه تحديات مائية متعددة غير مسبوقة تؤثر على تحقيق أهداف التنمية المُستدامة، وفي مقدمتها ندرة المياه، والتغيرات المناخية المتزايدة بتأثيرها السلبي على توافر المياه، والعوامل التي تهدد الاستدامة السلمية لسبل العيش في المنطقة،وانعدام الأمن الغذائي, مشيرًا إلى ضرورة إعادة الاستخدام الآمن والمستدام لمياه الصرف الزراعي والمياه العادمة، مطالبًا الدول العربية بأن تعمل على زيادة ما هو متاح من موارد مائية غير تقليدية لتعويض العجز المائي والترابط بين الأمن المائي والأمن الغذائي وأمن الطاقة والمناخ ودعم جهود المبذولة في مجال تحلية المياه المحالة وتوطين تكنولوجيا التحلية، بالإضافة إلى حث الدول العربية على إنشاء هيئات للتعاون المشترك بكل الأحواض المائية المشتركة تضم جميع دول الحوض المعنية من أجل التعاون في شتى مجالات المياه وضرورة الإسراع في انخراط إثيوبيا ومصر والسودان في مفاوضات جادة بهدف الوصول لاتفاق قانوني ملزم في أسرع وقت ممكن حول ملء وتشغيل سد النهضة, وقال:إن هناك حاجة ماسة إلى بذل جهود متضافرة لتحسين سبل عيش المجتمعات والأفراد وتعزيز القدرة على مواجهة مخاطر الإجهاد البيئي،بما في ذلك تحسين إمدادات المياه والوصول إليها وحسن إدارتها.
٢٢ دولة عربية تحت حد الفقر المائي
فيما أكد الدكتور خالد أبو زيد،المدير الإقليمى للموارد المائية بمنظمة سيداري، على زيادة عدد الدول العربية التي تعاني من الفقر المائي, ضرورة تأمين مصادر المياه خارج الحدود، ومحطات مياه الشرب، ومحطات معالجة الصرف الصحي وإعادة الاستخدام، ومحطات تحلية المياه المالحة، والسدود والمنشآت المائية وخطوط نقل المياه، وخزانات مياه الطوارئ وطالب الدول العربية بالعمل على زيادة ما هو متاح من موارد مائية غير تقليدية لتعويض العجزالمائي، حيث وصل عدد الدول المصنفة تحت حد الفقر المائي المعروف بـ ١٠٠٠ مترمكعب للفرد سنويا من المياه السطحية والجوفية المتجددة إلى ١٨ دولة من ٢٢ دولة عربية، ووصل عدد الدول المصنفين تحت حد الفقر المدقع والمعروف ب ٥٠٠ متر سنويًا إلى ١٣ دولة,مطالبًا بالترابط بين الأمن المائي والأمن الغذائي وأمن الطاقة والمناخ.
وشدد على أنه لابد من تبادل الخبرات حول تكنولوجيات الري الحديثة وآليات التمويل والاستثمار والترتيبات المؤسسية اللازمة لمشروعات الري المحلية الصغيرة وتطوير زراعاتهم ونظم الري والزراعة المناسبة لهم ، وتقاسم المنافع والمياه بجميع أشكالها من مياه خضراء وزرقاء، باستخداماتها الاستهلاكية وغير الاستهلاكية، مشددًا على أهمية أن يكون تقاسم المياه والمنافع على مستوى مياه أحواض الأنهار بأكملها وعدم الاقتصار على مياه الأنهار فقط، بما يحقق التنمية المستدامة للجميع، وأن تقاسم المنافع في حوض النيل يمكن أن يشمل تعظيم التبادل التجاري بين الدول حسب الميزة النسبية مثل استفادة دول المصب من الثروة الحيوانية المعتمدة على المراعي المطرية الطبيعية ومنتجات الزراعات المطرية في دول المنبع، واستفادة دول المنبع من الخبرة المصرية في زيادة الإنتاجية الزراعية والمجالات الاقتصادية والصناعية الأخرى.
كما أوضح مبينًا أن ممارسات تركيا وإيران وأثيوبيا أحادية الجانب في أعالي أنهار الفرات ودجلة والنيل تمثل تهديدا للأمن المائي والقومي العربي لما تمثله من خطر على حياة واقتصاد الملايين من شعوب العراق وسوريا ومصر والسودان، ودعا إلى ضرورة انخراط إثيوبيا ومصر والسودان في مفاوضات جادة بهدف الوصول لإتفاق قانوني ملزم في أسرع وقت حول ملء وتشغيل سد النهضة،وضحا إن الشروع في ملء وتشغيل سد النهضة الأثيوبي دون الوصول لاتفاق قانوني ملزم بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) قد يحدث ضررًا جسيما بالحقوق المائية وبمصالح دول المصب (مصر والسودان)، الأمر الذي يتطلب من أثيوبيا الإرادة السياسية اللازمة.
وطالب المجتمع الدولي الدعم السياسي اللازم، للعمل على إبرام اتفاق قانوني ملزم وعادل حول ملء وتشغيل سد النهضة،بما يضمن لأثيوبيا تحقيق التنمية المنشودة و لمصر والسودان الحفاظ على حقوقهم المائية.
وقال: إن المياه هي محور التنمية المستدامة والعمل على تحقيق الهدف السادس الخاص بالمياه ضمن أهداف أجندة التنمية المستدامة ٢٠٣٠ يجب أن يأخذ الاهتمام الكافي من الدول، والدعم اللازم لتوفير الإعتمادات المالية المطلوبة، وأنه في ٢٠٢٠ وصل عدد السكان المحرومين من خدمات مياه الشرب الأساسية في الدول العربية إلى ٤٨ مليون نسمة والمحرومين من الخدمات الأساسية للصرف الصحي وصلوا ٧١ مليون نسمة.
أحد أبعاد الأمن القومي
ومن جهته، قال الفريق أسامة الجندي , رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشيوخ، إن قضية المياه ذات أبعاد أمنيه وسياسية في صدارة اهتمامات الدولة.
وأضاف: أن قضية المياه أحد أبعاد الأمن القومي لما تمثله من أهمية في التنمية الشاملة, وأشار إلى أهمية الحفاظ على الآمن المائي و الموارد المائية و تنميتها و تطويرها، كم أشار إلى المادة الدستورية التي تنص على ” تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها، وعدم إهدار مياهه وتلويثها.
كما تلتزم الدولة بحماية مياهها الجوفية، واتخاذ الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن المائي ودعم البحث العلمي في هذا المجال وحق كل مواطن في التمتع بنهر النيل مكفول، ويحظر التعدي على حرمه أو الإضرار بالبيئة النهرية، وتكفل الدولة إزالة ما يقع عليه من تعديات، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون, وقال: إن نهر النيل لا يمثل المصدر الرئيسي للمياه في مصر، بل وأساس وجودها.
وأشار إلى أنه انطلاقًا مما نص عليه الدستور، فإن الدولة حريصة كل الحرص في الحفاظ على نهر النيل وحمايته، وكذلك تعزيزًا لموارد المائية ومن بينها المياه الجوفية.
وبحسب أحدث تقرير للبنك الدولي أكد فيه,أن معظم دول العالم حاليا تتعرض لضغوط غير مسبوقة في مجال الموارد المائية,فسكان العالم في تزايد سريع, وتشير التقديرات إلى أنه بالممارسات الحالية سيواجهون نقصًا بنسبة 40% بين الطلب المتوقع والإمدادات المتاحة من المياه بحلول عام 2030,علاوة على ذلك، ينظر إلى ندرة المياه المزمنة، والأحوال الجوية القاسية (الفيضانات والجفاف) على أنها من أكبر التهديدات التي تواجه الرخاء والاستقرار العالميين, ويتزايد إدراك الدور الذي تلعبه ندرة المياه وزيادة الجفاف في تفاقم الهشاشة والصراع.
ويتطلب توفير الغذاء تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2050 زيادة الإنتاج الزراعي بنسبة 60% وزيادة استهلاك المياه بنسبة 15%, وتشير التقديرات إلى أن 40٪ من سكان العالم يعيشون في مناطق نادرة المياه، وأن حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي معرض لهذا التحدي. وبحلول عام 2025، سيعيش حوالي 1.8 مليار شخص في مناطق أو بلدان تعاني ندرة مطلقة في المياه , إن الأمن المائي يمثل تحديا رئيسيا – إن لم يكن متناميا أمام كثير من البلدان في الوقت الراهن, وسيعمل تغير المناخ على تفاقم الأوضاع عن طريق تغيير دورة الماء فيزداد عدم انتظام إمدادات المياه.
كما تتزايد وتيرة الفيضانات ونوبات الجفاف وحدتها, وأكثر الناس عرضة للمعاناة هم مليار شخص تقريبًا يعيشون في أحواض موسمية و500 مليون يعيشون في دلتا الأنهار,وتقدر الأضرار الناجمة عن الفيضانات بمبلغ 120 مليار دولار سنويًا ، ويمثل الجفاف، من بين أمور أخرى، قيدًا أمام فقراء الريف الذين يعتمدون اعتمادًا شديدًا على التغيرات في كميات سقوط الأمطار في عيشهم.
كما أن تجزؤ هذا المورد يمثل أيضًا مُعوقًا أمام الأمن تحقيق المائي, وهناك 276 حوضًا عابرًا للحدود يشترك فيها 148 بلدًا، وتمثل 60 ٪ من تدفقات المياه العذبة في العالم، فإن 300 نظام للمياه الجوفية عابرة للحدود ما يعني أن ملياري شخص في العالم يعتمدون على المياه الجوفية.
وذكر,أن مصر تواجه مرحلة الشح المائي خلال الفترة الراهنة وتعاني من عجز مائي بمقدار 42 مليار متر مكعب سنويًا، فالموجود 62 مليار فقط ، منها 55 مليارًا ونصف متر مكعب من مياه النيل، وحوالي 5 مليارات من المياه الجوفية، وتسقط الأمطار على سواحل الدلتا والصحراء ما يقرب من 1.3 مليار متر.
قلة الامطار
يقول الدكتور عباس شراقي,مدير مركز الموارد المائية بمعهد البحوث الأفريقية سابقا: أولى هذه التحديات مصر تقع في أشد مناطق العالم جفاف (الصحراء الكبرى الإفريقية لا توجد بها أمطار) ومصر تعتبر الدولة رقم 1 فى العالم فى قلة الأمطار ولكن وجود نهر النيل يشكل المصدر الرئيسي للمياه في مصر.
ويضيف “شراقي”: التحدي الثاني كمية المياه التي تأتي من نهر النيل وتعتمد عليها بنسبة كبيرة هي كمية ثابتة من الستينيات حتى الآن 55,5 مليار متر مكعب بالرغم من تضاعف عدد السكان (102 مليون نسمة)إلى جانب قلة مياه الأمطار التي تتوافر في الساحل الشمالي فقط وتوزيعها المكاني غير متجانس.
وأضاف: هناك تحدي آخر .. تلوث المياه ففي بعض الفترات كان يؤثر على صادراتنا الزراعية وحاليا معظم صادراتنا تزرع بالأماكن البعيدة عن التلوث مثل طريق اسكندرية الصحراوي فهي تزرع بمياه جوفية, فنحن لدينا 50% من القرى المصرية ليس لديها صرف صحي، مما يجعل مخلفات الصرف تصب في نهر النيل أو تعود على مياه الزراعة وبالتالي قلة جودة المياه إلى جانب المصارف التي تصب مخلفاتها في النيل مباشرة والآن توجد بعض محطات المعالجة للتغلب على المشكلة التلوث، مثل محطة بحر البقر بتكلفة 18 مليار جنيه ومحطة المحسنة العام الماضي تكلفتها 13 مليار جنيه وحاليًا محطة غرب الحمام التي تنشأ حاليا تكلفتها أكثر من 20 مليار جنيه فهدف المعالجة هو جودة المياه, إلى جانب التذبذبات المناخية (اختلافات مناخية ) فلابد من التواكب بوجود محاصيل زراعية تتحمل الارتفاع أو الانخفاض وهو ما يحدث حاليًا باستخدام سلالات زراعية معينة تتحمل قلة المياه (انخفاضها) فتستهلك مياه أقل فهناك مناخ يؤثر على دول المنابع وبالتالي فهو يؤثر علينا أيضًا (فهناك سنوات مطيرة وسنوات أخرى جافة)، ومن المتوقع خلال السنوات القادمة حدوث قلة في الأمطار.
ويستكمل عباس الشراقي: هناك تحديات خارجية، وهي بما اننا نعتمد على نهر النيل بنسبة 98% فعمل سد النهضة هو يهدد الأمن المائي المصري (فالنيل الأزرق على سد النهضة يأتي بـ50 مليار متر مكعب سنويا من مياه النيل يعتبر 60%من حصة مصر تأتي من النيل الأزرق الذي يقام عليه سد النهضة حاليًا فاذا لم يتم تفاهم واتفاق مشترك يصبح لدينا تهديد واضح بقلة حصة مصر ولكن تسعى الدولة جاهدة من خلال المفواضات الوصول إلى الاتفاق مشترك لا يؤثر على حصة مصر من المياه، بالتعاون المشترك في إقامة مشروعات مائية لأن كمية المياه التي نحتاجها كبشر على سطح الأرض هي موجودة لو تم قياسها بمياه البحار المياه المالحة نجدها قليلة للغاية فهي 2,5 %منهم 2% في المناطق القطبية والشمالية والجنوبية (بها مياه عذبة ) ولكن لا تستخدم لانها مياه مجمدة ولا يوجد بها بشر مثلها مثل مياه البحارلا نستطيع الشرب منها اذن 99,5% من المياه على سطح الأرض غير متاحة، إما مالحة أو عذبة في المناطق القطبية يتبقى نصف % معظمه مياه جوفية والقليل جدًا هو مياه الأنهار ورغم قلة مياه الأنهار إلا أنها تكفي عدد السكان وأضعافه سبع مرات فهناك دول غنية جدًا بمياه الأمطار مثل الكونغو وأوغندا وجنوب السودان فدولة الكونغو لديها ثلث مياه أفريقيا (نهر الكونغو يعادل نهر النيل 14 مرة كل مياهه تصب في المحيط الأطلنطي) وهناك 54 دولة في الثلثين الآخريين أيضًا نهر النيجر يخرج 300مليارمتر مكعب أي ما يعادل نهر النيل 4 مرات فنحن لدينا حوالي 59 نهر من الأنهار المشتركة تصب في المحيطات والبحار فنهر النيل الوحيد في أنهار العالم الذي لا يصب في البحر فكيف نقول إن لدينا شح مائي ولدينا أنهار تصب في البحار، فمعنى أننا نعاني شح مائي هذا غير منطقي، فعندما تستخدم مياه الأنهار كنهر النيل وتستخدم في الزراعة والشرب وتوليد كهرباء من هنا لا نعاني قلة المياه فالتعاون والتكامل بين الدول يعجل بحل المشكلة , فنجد أغنى دول العالم في المياه هي أفقر الدول (الكونغو واثيوبيا واوغندا)اقتصاديًا ولحل مشكلة المياه في مصر التعاون مع دول المنابع بعمل مشروعات زراعية وتوليد طاقة كهربائية ومن هنا تقل مشكلة المياه (مياه النيل التي تأتي مصر والسودان 5%من مياه النيل وال95% في دول المنابع يستغل منها من 10 إلى 15% فقط والباقى يضيع لأننا لا نعرف كيف نستخدمها)، وبالتالي التعاون بعمل مشروعات مشتركة (مثل تصدير منتجات صناعية) وبذلك لا نحتاج مياه كثيرة في الزراعة.
ثبات الحصة التاريخية
وقال الدكتور محمد محيي الدين، عضو اللجنة الفنية الوطنية لتقييم آثار سد النهضة سابقا: تمر مصر بأزمة ملحة تتعلق بسد النهضة (أي مليار متر مكعب من المياه عجز في مصر أي بما يعادل 200 ألف فدان لا نحتاجهم) فمثلا: الزراعة تستهلك 85%من المياه في الوقت الذي يتناقص فيه الاقتصاد الزراعي نصيبه النسبي في الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 40% أو 45%في الستينيات إلى 11% حاليًا وبالتالي نفس كمية المياه التي كنا نستخدمها فى الستينيات هي التي يتم استخدامها الآن، وذلك مقابل عائد لا يتجاوز 11% مقابل 45% وهذا يعني أننا نحتاج إلى تحولات أساسية وجوهرية في الاقتصاد والمشكلة أن 57%من السكان عايشين في المناطق الريفية و33%من قوة العمل تعتمد على العمل الزراعي فعلينا تغيير السلوكيات المتعلقة بالمياه ومستوى تغير البنية الاقتصادية باتجاه محاصيل أكثر كفاءة وأقل طلبا للمياه وشراهة للمياه .