فوجئت في وقت متأخر جداً بخبر رحيل أختنا الفاضلة والصحفية الرقيقة والملاك المبارك الأستاذة جورجيت صادق التي كانت – ومازلت – أحمل لها تقديراً ومودة ومحبة حقيقية.
تعود معرفتي بالأستاذة جورجيت صادق إلى فترة أوائل التسعينيات عندما أسس طيب الذكر الأستاذ أنطون سيدهم – مؤسس جريدة “وطنى” – صفحة “من أحوال الوطن”. فكنا نجتمع أسبوعياً يوم الأربعاء في السادسة مساءً بقاعة الاجتماعات بالجريدة وعلى رأس المائدة يجلس الأستاذ أنطون سيدهم.
وكان الاجتماع يضم الدكتور وليم سليمان قلادة، الدكتور سليمان نسيم، الدكتور ميلاد حنا، الأستاذ أمين فخري عبد النور، والأستاذ ماجد عطية بالإضافة إلى كاتب المقال. فكنت وقت أن أدخل مقر الجريدة أعرج على حجرة الأستاذة جورجيت صادق، حيث كانت تجلس في هدوء تؤدي عملها الصحفي الذي أحبته، وكان يدور بيننا الحديث عن الدراسات القبطية ودور جمعية مارمينا في إحياء الدراسات القبطية. كان وجهها المبارك يشع بالبساطة والهدوء والسكينة والحديث معها يتسم بالمودة والمحبة الصادقة.
حدث في شهر نوفمبر من عام 1995 أن احتفلت جمعية مارمينا للدراسات القبطية بالإسكندرية باليوبيل الذهبي على تأسيسها، حيث أنها تأسست في نوفمبر 1945 بتوجيه وإرشاد من الراهب مينا البراموسى المتوحد (فيما بعد البابا كيرلس السادس) وأقامت الجمعية احتفالها بكنيسة مارمينا بمنطقة فلمنج بالإسكندرية، وهي الكنيسة التي اهتمت بتأسيسها جمعية مارمينا للدراسات القبطية.
وفي هذه المناسبة الجليلة أوفدت جريدة “وطنى” – مشكورة – خصيصاً كل من الأستاذ مسعد صادق والأستاذة جورجيت صادق إلى الإسكندرية لتغطية الاحتفال.
وكان مقر إقامتهما في فندق “كيريليون” بوسط مدينة الإسكندرية بمنطقة محطة الرمل، حيث كان المسؤول عن حسابات الفندق أحد أعضاء جمعية مارمينا بالإسكندرية.
توجهت إلى الفندق واصطحبت كل من الأستاذ مسعد صادق والأستاذة جورجيت صادق إلى كنيسة مارمينا بمنطقة فلمنج حيث الاحتفال.
كانت الأستاذة جورجيت صادق – طوال فترة الاحتفال – تتابع كل الكلمات والتاريخ المجيد للجمعية بكل اهتمام وفي هدوء تام، كما كان الأستاذ مسعد صادق يدون ملاحظاته مع بعض الاستفسارات.
وبعد أن انتهى الاحتفال وسط فرحة الجميع شاكرين الرب الذي أتى بنا إلى تلك الساعة المباركة، عدنا جميعاً إلى مقر الفندق، وبه جلست معي الأستاذة جورجيت صادق تستفسر في هدوء عن بعض الأمور الخاصة بالجمعية من حيث المؤسسين الحقيقيين ودورهم في النهوض بالجمعية والنشاط الثقافي الذي تقوم به الجمعية، وقد قمت بتزويد كل من الأستاذ مسعد صادق والأستاذة جورجيت صادق ببعض مطبوعات الجمعية المتوافرة لدينا.
كان التعامل مع الأستاذة جورجيت صادق يعطى للإنسان راحة كاملة في التعامل من صدق المشاعر والمودة الغامرة والحُب الحقيقي وسعيها الصادق في معرفة تفاصيل الأمور حتى تكون تغطيتها الصحفية شاملة احتراماً لعقلية القارئ وتقديراً للدور المخلص الذي تقوم به الجمعية.
وبعد أن أكملت الأستاذة جورجيت صادق رحلة حياتها على الأرض دعاها الرب للدخول إلى الأقداس، وهناك تكافئ مكافأة الأبرار والمخلصين والصادقين (أليست هي جورجيت صادق). هنيئاً لها بالإقامة – عن استحقاق – في الفردوس، ومن هناك تنظر من خلال طاقة علينا وتصلى من أجلنا وتتشفع أمام العرش السمائي ليعين الله ضعفاتنا حتى نكمل مثلها ونلتقى معاً حسب إرادة الله الصالحة الطوباوية.
إن كنا قد افتقدنا وجودها معنا لفترة معينة على الأرض لكنها فترة ليست بكثيرة أمام الحياة الدائمة فى الأبدية السعيدة. من الواجب علينا أن نظل نذكرها في صلوانتا، وهي تصلي أيضاً من أجلنا، فنحن كنيسة واحدة (مجاهدة ومنتصرة) فعلينا أن نتمسك بالجهاد الموضوع علينا، أما هم الغالبين فقد عبروا إلى الراحة الحقيقية متسربلين بالثياب البيضاء مرددين ترنيمة الغالبين.
أذكر يارب نفس أختنا المحبوبة جورجيت صادق وأعطها الراحة الحقيقية كوعدك الصادق والأمين.