فى المحاضرة الخامسة من لقاءات “الوعى الإيمانى الأرثوذكسى” التي ينظمها لجنة الإيمان والتعليم بالمجمع المقدس، في سلسلتها الجديدة بعنوان “أمور حياتية تخص الإيمان” وتحمل المحاضرة الخامسة عنوان “البخور كتابيا و إيمانيا وروحيا” يتحدث عنها الأنبا أرسانى أسقف هولندا.
بدء الأنبا أرسانى حديثه بشكر قداسة البابا تواضروس الثانى، و نيافة الانبا بنيامين
على استكمال محضرات الوعى الايمانى الارثوذكسى الذى يتيح للجميع المعرفة والادراك،
وقال نيافته أنه منذ العصور الأولى تستخدم الكنيسة البخور أثناء الصلوات، وللبخور قيمة عملية فى الصلاة، لذلك أمر الرب موسى أن يعمل مذبحاً للبخور بمواصفات خاصة: «وَتَصْنَعُ مَذْبَحاً لإِيقَادِ الْبَخُورِ. مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ تَصْنَعُهُ طُولُهُ ذِرَاعٌ وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ مُرَبَّعاً يَكُونُ وَارْتِفَاعُهُ ذِرَاعَانِ مِنْهُ تَكُونُ قُرُونُهُ وَتُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ سَطْحَهُ وَحِيطَانَهُ حَوَالَيْهِ وَقُرُونَهُ وَتَصْنَعُ لَهُ إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ. 4وَتَصْنَعُ لَهُ حَلْقَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ تَحْتَ إِكْلِيلِهِ عَلَى جَانِبَيْهِ. عَلَى الْجَانِبَيْنِ تَصْنَعُهُمَا لِتَكُونَا بَيْتَيْنِ لِعَصَوَيْنِ لِحَمْلِهِ بِهِمَا. وَتَصْنَعُ الْعَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِذَهَبٍ.(خر30: 1_10) .
أما البخور المستخدم فى الصلاة والعبادة فأيضاً كانت له مواصفات خاصة وله قدسية خاصة، حتى أنه لا يجوز الإنسان أن يصنع مثله أو يستخدمه فى منزله.. وقال الرب لموسى:” وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «خُذْ لَكَ أَعْطَاراً: مَيْعَةً وَأَظْفَاراً وَقِنَّةً عَطِرَةً وَلُبَاناً نَقِيّاً تَكُونُ أَجْزَاءً مُتَسَاوِيَةً فَتَصْنَعُهَا بَخُوراً عَطِراً صَنْعَةَ الْعَطَّارِ مُمَلَّحاً نَقِيّاً مُقَدَّساً وَتَسْحَقُ مِنْهُ نَاعِماً وَتَجْعَلُ مِنْهُ قُدَّامَ الشَّهَادَةِ فِي خَيْمَةِ الاِجْتِمَاعِ حَيْثُ أَجْتَمِعُ بِكَ. قُدْسَ أَقْدَاسٍ يَكُونُ عِنْدَكُمْ وَالْبَخُورُ الَّذِي تَصْنَعُهُ عَلَى مَقَادِيرِهِ لاَ تَصْنَعُوا لأَنْفُسِكُمْ. يَكُونُ عِنْدَكَ مُقَدَّساً لِلرَّبِّ كُلُّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَهُ لِيَشُمَّهُ يُقْطَعُ مِنْ شَعْبِهِ»” (خر30: 34-38) .
وتابع الأنبا أرسانى وجاء تاريخ استخدام البخور حين خرج نوح من الفلك وبنى مذبحا وأصعد محرقات “فَتَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا” (تك 21:8)، وكانت هذه العبارة “تنسم الرب رائحة الرضا” هى أول إشارة للبخور فى تاريخ الإنسان حيث صاحب تقديم الذبيحة، رائحة عطرة من أدهان الذبيحة دخان حريقها اشتمه الرب كرائحة بخور يرضى عنها، ولكن هذا لا يمنع ان بعض الشعوب الوثنية فى عبادتها المنحرفة كانت تستخدم البخور لذلك جاء فى الكتاب المقدس سفر ارميا “وَأُبَطِّلُ مِنْ مُوآبَ يَقُولُ الرَّبُّ مَنْ يُصْعِدُ فِي مُرْتَفَعَةٍ وَمَنْ يُبَخِّرُ لِآلِهَتِهِ (أر 35:48)، “وَأُقِيمُ دَعْوَايَ عَلَى كُلِّ شَرِّهِمْ لأَنَّهُمْ تَرَكُونِي وَبَخَّرُوا لِآلِهَةٍ أُخْرَى وَسَجَدُوا لأَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ” (أر 16:1).
ومن الملاحظ هنا أن الله لم يعترض على البخور، ولكنه أعترض على التبخير لآلهة غريبة فالبخور فى ذلك شأنه شان باقى الوسائط العبادية من ذبائح وصلوات وأصوام وأعياد وغيره استخدمتها الشعوب استخداماً منحرف لعبادة المخلوق دون الخالق وطبيعة الأمر أن استخدامها لهذه الوسائل لا يصبغها بالصبغة الوثنية.. فليست الصلوات تراثاً وثنياً لأن الوثنيين صلوا، ولكن نحن نقدم البخور و الأصوام والصلوات للرب يسوع المسيح الاله الحقيقى.
ولذلك وضع الله قانون فى عهد موسى النبى للإستخدام المقدس داخل خيمة الاجتماع في عهد موسى النبى، واستمر الوضع هكذا فى الهيكل أيضاً بعد بنائه فى عهد سليمان الحكيم.. حتى أننا رأيناه فى الهيكل قبيل ولادة السيد المسيح فى قصة زكريا الكاهن “فَبَيْنَمَا هُوَ يَكْهَنُ فِي نَوْبَةِ فِرْقَتِهِ أَمَامَ اللهِ حَسَبَ عَادَةِ الْكَهَنُوتِ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ وَيُبَخِّرَ وَكَانَ كُلُّ جُمْهُورِ الشَّعْبِ يُصَلُّونَ خَارِجاً وَقْتَ الْبَخُورِ فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَاقِفاً عَنْ يَمِينِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ “(لو 1: 8-11)، كما ان حين قدم المجوس للرب يسوع المولود ضمن هداياهم النبوية والرمزية، حيث فسر الآباء أن الذهب كان رمزاً لملكوته، والمر رمزاً لآلامه وموته، أما البخور (اللبان) فكان إشارة لكهنوته وألوهيته ” ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَباً وَلُبَاناً وَمُرّاً (مت 2:11) .
ولمعرفة أكثر عن قيمة البخور فى حياتنا يجب زيارة الرابط الخاص بالمحاضرة:
https://fb.watch/9jeafU9edH/