قصة الميلاد تحمل كثيرا من المعاني العميقة فهي قصة فرح, وقصة حب وقصة اتضاع وقصة مصالحة وقصة ألم واحتمال.
1ـ قصة فرح, وقصة خلاص:
ميلاد السيد المسيح, هو فرح لجميع الشعوب, لأنه بداية تنفيذ خطة الخلاص التي رسمها الرب لفداء البشرية, ولذلك نري عبارة الفرح وعبارة الخلاص تتكرران كثيرا في قصة الميلاد.
انظر إلي تسبحة العذراء وهي تعبر عن هذين المعنيين إذ تقول …. وتبتهج روحي بالله مخلصي (لو 1:47) حقا إن البهجة بالميلاد هي البهجة بالخلاص ليس بأفراح عالمية.
نفس الأمر يتكرر في بشارة الميلاد للرعاة, إذ قال لهم ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب (لو 2: 10:11), وهنا نجد أيضا الفرح مرتبطا بالخلاص.
وكان هذا هو نفس سبب فرح سمعان الشيخ الذي حمل الطفل يسوع, وبارك الله قائلا الآن ياسيد تطلق عبدك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام جميع الشعوب (لو 2: 28ـ31).
الخلاص تم علي الصليب, ولكن سمعان الشيخ رأي في ميلاد المسيح تباشير موكب الخلاص الآتي إلي العالم, ونفس عبارة الخلاص تتكرر في تسبحة زكريا الكاهن الذي قال: مبارك الرب…. لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه. وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه (لو 1: 69,68). وحتي بالنسبة إلي ابنه يوحنا قال, وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعي لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم (لو 1: 77,76).
وحتي في ميلاد المسيح أسموه (يسوع) أي مخلص, لأنه يخلص شعبه من خطاياهم (متي 1:21).
إننا لا نستطيع أن نفصل ميلاد المسيح عن الخلاص والفرح, لأنه جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك (لو19:10).
إنه خلاص من خطايانا, ومن حكم الموت الصادر علينا.
وأيضا خلاص شامل يقول فيه, روح السيد الرب علي… لأنه مسحني لأبشر المساكين.. أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق (إش 61:1).
فهل نحن في يوم ميلاد الرب, نفرح بالخلاص الذي من أجله تجسد ونزل إلي عالمنا؟!
أم أن أفراحنا تشبه أفراح أهل العالم في مظاهرها الخارجية؟!
لها الصفة الاجتماعية, وليست لها الصفة الروحية!!
إننا في عيد الميلاد, نفرح ببدء قدوم موكب الخلاص, وفي عيد الغطاس, نتذكر المعمودية التي وهبنا الله إياها كوسيلة للخلاص فقال من آمن واعتمد خلص (مر 16:16). هذه المعمودية التي كان يرمز إليها في العهد القديم (كو 2: 11ـ14). وبهذا أيضا نفرح في عيد الختان.
وفي يوم الجمعة العظيمة نتذكر الخلاص الذي تم علي الصليب في عيد القيام نتذكر الخلاص من الموت, وفي عيد الصعود, نتذكر الخلاص من هذا العالم المادي الفاني كله والانتقال منه إلي السماء.
كل الأعياد السيدية هي قصة خلاص متتابعة وبهدا نحن نفرح وتبتهج أرواحنا بالله مخلصنا.
وماذا أيضا في قصة الميلا؟
2ـ إنها قصة اتضاع:
هذا الاتضاع العجيب الذي فيه رأينا رب المجد, وقد أخلي ذاته وأخذ شكل العبد, وصار في الهيئة كإنسان (في 2:7).
وليس هذا فقط وإنما في مولده اختار له أما فتاة يتيمة تعيش في كنف نجار فقير… وفي نزوله إلي العالم, لم ينزل في مركبة نورانية, ولا علي أجنحة الكاروبيم… إنما جاء في صمت وهدوء, وولد في مذود بقر.
قصة الاتضاع في الميلاد لها عمقها العجيب, وقد استمر الأمر طوال فترة تجسد الرب علي الأرض… عاش بلا لقب, بلا وظيفة رسمية في المجتمع بلا مكان إقامة, وقال في ذلك للثعالب أوجرة, ولطيور السماء أوكار. أما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه (متي 8: 20).
وحتي بالنسبة إلي تعليمه, لم يكن له مكان
كان يعظ علي جبل وأحيانا علي شاطئ البحيرة أو في الحقول أو في البيوت ليس له مكان ثابت يلقي عظاته فيه, وإنما يجول المدن والقري يصنع خيرا وعلم تلاميذه نفس المنهج, فقال القديس بولس الرسول إلي هذه الساعة, نجوع ونعطش ونعري ونلكم, وليس لنا إقامة (1كو 4:11).
وهكذا وضع لنا المسيح مبدأ منذ ميلاده, وهو عدم الاهتمام بالمجد الخارجي.
وهكذا قال في ذلك مجدا من الناس لست أقبل (يو 5:41)…
عاش بعيدا عن المظاهر, يمشي علي قدميه, ويختلط بالفئات الفقيرة, والمرذولة من الناس كالسامرين والعشارين والأمم, وفي كل ذلك يذكرنا بقول المرتل في المزمور: كل مجد ابنة الملك من داخل (مز 44).
مع أنها مشتملة بأطراف موشاة بالذهب, مزينة بأنواع كثيرة… إلا أن مجدها, أي مجد النفس البشرية كله من الداخل في صفات القلب الداخلية, في ثمار الروح, في النقاوة في الحب, في الوداعة… أما المجد العالمي فلا قيمة له…