يحث القديس بولس تلميذه بقوله:تمسك بالإيمان, والضمير الصالح, هذا الضمير الذي تخلي عنه بعضهم, فانكسرت بهم سفينة الإيمان(1تيموثاوس1:19).
عندما أراد الصينيون القدماء أن يعيشوا في سلام وأمان, قاموا ببناء سور الصين العظيم, واعتقدوا بأنه لا يوجد إنسان علي الأرض يستطيع أن يتسلقه لطول ارتفاعه الشاهق, ولكن خلال المائة عام الأولي من بعد بنائه, تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات! وفي كل مرة منها لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلي اختراق السور أو تسلقه, بل كانوا يدفعون الرشوة للحارس في كل مرة, ثم يدخلون عبر الباب, والسبب في ذلك يرجع إلي انشغال الصينيين ببناء السور, ونسوا بناء الحراس.
هذا ما نعيشه في الواقع علي مدار العصور, لوجود هؤلاء الأشخاص الذين يتمسكون بالتدين الظاهري والشكلي, ويهملون الجوهر الحقيقي الذي يطلبه الله منا في كتبه المقدسة وداخل ضمير الإنسان الحي.
فهناك الأشخاص الذين يعتبرون التدين هو الواجهة المرئية أمام الناس, فهمهم الأول والأخير هو نظرة الآخرين لهم ليمدحوهم ويجاملوهم, في حين أن الداخل بعيد تماما عن الله وعن التعاليم السامية.
كما نصطدم في حياتنا اليومية ببعض الأشخاص الذين يستخدمون كلمات منمقة مثل:يا أخي…,استمع جيدا يا أخي الحبيب…. ,احترس يا أخي العزيز… , إنها كلمات تعبر عن الاحترام والرقي واللباقة, ولكن المعاملة في الواقع تدل علي شيء آخر, ونجد هؤلاء الذين يتمسحون بثوب الطيبة,لكنهم يعادون ويهينون نفس الأشخاص الذين يتكلمون معهم بطريقة مهذبة.هل نستطيع أن نتخيل صندوقا جاهزا علي أكمل وجه, مغلفا بورق الهدايا دون ملاحظة أي ثنية فيه وكل زواياه مستقيمة والعقد مضبوطة, وتم دفع الرسوم الجمركية, والعنوان مكتوبا علي الواجهة بكل وضوح, ولكن العيب الوحيد هو أن هذا الصندوق فارغ؟فإذا قارنا هذا بالواقع, نستطيع مطابقته بصورة الأشخاص الذين يتمسكون بالمظاهر فقط, دون الاهتمام والرعاية بالعمق وبداخل الإنسان, مما لا شك فيه أن هناك أسبابا متعددة تدفع الإنسان إلي ظاهرة النفاق, وتختلف من شخص لآخر, لنجد هؤلاء الذين يريدون التسلق علي أكتاف الآخرين,وهؤلاء الذين يرغبون في الظهور بأجمل صورة أمام الناس, حتي لايكتشفوا عيوبهم وهؤلاء الذين يسعون إلي الحصول علي مناصب مرموقة أو المال أو الشهرة أو الهدايا وغير ذلك.
وهنا يحذر السيد المسيح من نفاق الكتبة والفريسيون قائلا لهم:الويل لكم أيها الكتبة والفريسيين المراؤون فإنكم أشبه بالقبور المكلسة يبدو ظاهرها جميلا, وأما باطنها فممتلئ من عظام الموتي وكل نجاسة, وكذلك أنتم تبدون في ظاهركم للناس أبرارا, وأما باطنكم فممتلئ رياء وفسقا(متي23:28-27).
للأسف نجد أشخاصا مقتنعين تماما بأن الرياء هو امتياز وقوة ولا عيب فيه, حتي أنهم يسعون إلي تعليمه للآخرين, ويزينونه حتي يظهر أنيقا مقنعا سواء عن طريق الكلام أو الابتسامة أو التصرفات الخارجية.
إذا لن يستمر الخداع مخفيا عن الأنظار مدي الحياة,لأنه سينكشف حتما ما بداخل الإنسان سواء اليوم أو الغد, ويظهر الشخص علي حقيقته, ويتعري أمام الجميع كما أن هناك الأشخاص الذين يظهرون بوجهين أحدهما أمام المجتمع في معاملاتهم اليومية, والآخر الحقيقي مدفون حتي لا تنكشف حقيقتهم فمن الأفضل أن نعود أنفسنا علي الظهور بالوجه الحقيقي أمام الجميع دون غش أو رياء حتي لانفقد ثقة الناس فينا.
ونقرأ في الرواية الشهيرة(الخطاب القرمزي) للكاتبNathaniel Hawthorne:لا يستطيع أحد أن يظهر بوجه لنفسه لوقت طويل ووجه آخر أمام الناس, لأنه حتما سيصل إلي اللحظة التي لا يستطيع أن يميز فيها أيهما الوجه الصحيح وأيهما المزيف.
فالتصنع ينتج عنه زيف وإنسان بوجهين معجون بالرياء, حتي أنه يصل بصاحبه إلي مرحلة فيها يصدق الأكاذيب التي اخترعها وابتكرها, ويتصرف كالحرباء التي تغير جلدها لتجنب الأذي ويضل الآخرين وتكون نهايته أنه يصل إلي اللحظة التي فيها يجهل حقيقة ذاته.
إذا كل إنسان يعيش في النفاق والرياء يتمسك بالمظاهر الخارجية دون الاهتمام بالجوهر أو كينونته كما أنه يتظاهر بمظهر المتدين لكن قلبه مملوء بالرياء والشر والحقد.
ما أكثر هؤلاء الأشخاص الذين يسيرون أمام الناس بخطوات مستقيمة ومنكسي الرأس كأنهم متواضعون ولكن قلبهم يكون مليئا بالتعالي علي الآخرين واحتقارهم.
وهنا نختم بالقول المأثور:تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت, وتستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت ولكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.