” لا وقود ” و” خارج الخدمة ” لافتات تتصدر المشهد .. والحكومة تعلن تدخل الجيش
تتصاعدت في الآونة الأخيرة أزمات في بريطانيا تتعلق بتوفير احتياجات البلاد من الطاقة، منها ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي لأكثر من 3 مرات خلال شهرين، ما أدى لإرتفاع أسعار الكهرباء، بينما لجأت الحكومة لتعويض النقص في شبكات الطاقة بتشغيل محطات تعمل بالفحم .. من ناحية أخرى طفت على السطح مؤخراً أزمة كبرى تتمصل فى نقص الوقود بالمدن البريطانية وسط ” شراء بدافع الذعر” من جانب سائقي السيارات القلقين، وقالت الحكومة البريطانية إنها ستضع الجيش في حالة تأهب في إطار إجراءات إضافية للتصدي لأزمة سلسلة التوريد التي أدت إلى نفاد الوقود من المحطات ، ورغم دعوة الحكومة المواطنين إلى عدم الهلع، إلا أنهم تهافتوا على محطات الوقود بأعداد كبيرة ، فيما أشارت بعض الشركات إلى أنها تواجه صعوبات في التوصيل تؤثر على إمدادات المواد الغذائية في متاجر السوبرماركت، جراء تداعيات كوفيد-19 وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي …
وحذرت صحيفة ” جارديان ” البريطانية من أن الكثير من الخَدمات تأثرت بنقص الوقود، بما فيها سيارات الإسعاف، والعاملون في مجال الرعاية الطبية، ممن اضطروا للاصطفاف في طوابير البنزين لساعات، بعد ورود تقارير تفيد بأن بعض المحطات لم تتسلم شحنات وقود متوقعة. وأضافت: ” كانت هناك تحذيرات من أن ما يصل إلى واحدة من كل خمس شاحنات تسليم وقود لن تصل إلى المحطات في الوقت المحدد، أو قد لا تصل على الإطلاق” .. هذا ويذكر الوضع بحقبة السبعينات حين تسببت أزمة طاقة بتقنين الوقود، وتقليص أسبوع العمل إلى ثلاثة أيام، وقبل عقدين أدت احتجاجات ضد ارتفاع أسعار الوقود إلى إغلاق المصافي وشل النشاط في البلاد لأسابيع.
وصرح زعيم المعارضة العمالية كير ستارمر بلهجة مستنكرة قائلاً : ” نحن في وضع جعلت فيه الحكومة البلاد في حالة من الفوضى، بسبب حالة تامة من عدم الاستعداد “، ولا تكف الحكومة عن تأكيد أن المملكة المتحدة لا تعاني نقصاً في الوقود، ولكن النقص ناتج من الطلب الاستثنائي الناجم عن اندفاع المستهلكين القلقين من نفاد الوقود لشرائه، كما كانت الحال مع ورق التواليت أو بعض المنتجات الغذائية في بداية الجائحة.
من ناحية أخرى قال رئيس الوزراء بوريس جونسون عبر التلفزيون البريطاني بعد مرور 5 أيام على استمرار الأزمة: ” نرى الوضع يتحسن: أقطاب القطاع يخبروننا أن الشحنات تُستأنف إلى المحطات بطريقة طبيعية”. طلبت حكومة جونسون مساء الإثنين من الجيش أن يكون على أهبة الاستعداد للمشاركة في عمليات التوصيل.
حيث دخلت بريطانيا في أزمة واسعة بسبب نقص عدد سائقي الشاحنات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسمياً مطلع العام الجاري ، وأدى تراجع عدد سائقي الشاحنات لمواجهة تجار التجزئة والمطاعم مشكلات توريد خطيرة في الأشهر القليلة الماضية وعدم وصول مخزونات وفيرة من الوقود إلى محطات الوقود ، وقالت وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية يوم الأثنين : ” إن عدد محدود من سائقي الناقلات العسكرية سيتم وضعهم في حالة استعداد، ونشرهم إذا لزم الأمر لتحقيق المزيد من الاستقرار في سلسلة إمدادات الوقود” ، حيث يقدر النقص في عدد سائقى الصهاريج والشاحنات، الذي تسبب في خلق الأزمة- وفق إحصاءات جمعية النقل البرى في بريطانيا – بأكثر من 100 ألف سائق، وبحسب أرقام مكتب الإحصاء الوطنى، غادر 14 ألف سائق من الدول الأوروبية بريطانيا العام الأخير.
لافتات ” لا وقود ” و” خارج الخدمة “
و” رابطة تجار البترول ” (بي آر إيه) أن الوقود نفد من حوالي نصف المحطات البالغ عددها 8000 في المملكة المتحدة الأحد ، بينما تشعر اتحادات العاملين في المجال الطبي بالقلق، على غرار “إيفري دكتور” التي تقول إنها تتلقى معلومات من العديد من أعضائها تفيد بأنهم “أمضوا عطلة نهاية الأسبوع في محاولة العثور على وقود دون نتيجة “.. وفي كل أنحاء البلاد، تزايدت لافتات ” لا وقود ” أو المضخات المغطاة بلافتة تقول ” خارج الخدمة “، بما في ذلك نحو 30% من محطات بريتيش بتروليوم ( بي بي ) العملاقة التي تأثرت بهذه الأزمة، وتصر الحكومة من ناحية أهرى على أنه لا يوجد نقص في الوقود بالبلاد، بل إن الأزمة ناجمة عن تهافت المستهلكين القلقين على شرائه، متسائلة عن التصريحات المثيرة للقلق التي أطلقها اتحاد شركات النقل البري والتي زرعت بذور الذعر لديهم ، بينما قالت شركة ” إكسون موبيل”، مالكة شركة ” إسو “: إن بعض محطات إعادة التعبئة التي تديرها لصالح ” تيسكو ” تأثرت بنقص الوقود، وحذّرت جمعية تجار التجزئة من أن ما يصل إلى ثلثى أعضائها البالغ عددهم حوالى 5500 منفذ مستقل قد نفد الوقود لديهم، والبقية منهم «قد جف جزئيا وسرعان ما ينفد».
من شحنات الوقود لمحطات البنزين مباشرة
كما أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستعلق قانون المنافسة للسماح لشركات النفط بأن ترسل شحنات الوقود إلى محطات البنزين مباشرة بعد تفاقم أزمة طوابير البنزين أمام المحطات، وقال مسؤولون بريطانيون، إن هذه الخطوة ستسهل على الشركات مشاركة المعلومات وإعطاء الأولوية للمناطق الأكثر احتياجا في البلاد، كما سعت الحكومة البريطانية ومسؤولو صناعة الوقود لطمأنة الجمهور، وأكدوا على عدم وجود نقص في الوقود في المصافي، وحثوا الناس على عدم التكالب على الشراء .. ويرى مراقبون للمشهد، أن هذه الأزمة التي تؤثر بشكل مباشر على كل بريطاني، ستفتح النقاش والجدل على مصراعيه في المملكة المتحدة، حول عدة ملفات داخلية خلافية، أبرزها ملف الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وتداعياته الاقتصادية .
وبحسب الـ BBC فإن أزمة سائقي الشاحنات في ميناء ” دوفر ” كانت من تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث لم يتم تجديد تأشيرات السائقين الأوروبيين (إذ لا يمتهن الإنجليز عادة مهنة سائقي التريلات)، ما أعاق وصول الكثير من البضائع الأوروبية إلى مختلف أنحاء بريطانيا طوال الفترة الماضية، بينما قال سائقو الشاحنات إن بعض الظروف التي يواجهونها تؤثر على إقبال الشباب عليها، فمتوسط عمر سائق الشاحنات الثقيلة في بريطانيا هو 55 عاما، وقال مارك، سائق ناقلة وقود منذ 30 عامًا : ” المشكلة في هذه الوظيفة أنه إذا بقيت في الشاحنة طوال الأسبوع، فسيصبح هذا أسلوب حياتك سواء أحببته أو كرهته ، وستصل مدة العمل 15 ساعة يوميًا في بعض الأيام. بمجرد خروج جيلنا من الصناعة، لا يمكنهم جذب أشخاص جدد للعمل بها، خاصة الشباب، لأن الناس لا يريدون أن يكونوا في الشاحنة في الليل”.
مخزون وافر من الوقود
وحدّ رئيس رابطة تجار البترول ” براين مادرسن ” من تأثير الاستعانة بالجيش لأن نقل الوقود، الشديد الاشتعال، يتطلب سائقين “متخصصين جدا” مع إجراءات محددة ، وفي ما يتعلق باحتمال عودة السائقين الأوروبيين الذين رجعوا إلى بلدانهم بسبب الوباء وبريكست، قال إن هناك أيضًا نقصًا في عدد السائقين في أوروبا القارية ، وأشار إلى مشكلة رخص قيادة المركبات الثقيلة التي لا يمكن إصدارها أثناء الحجر الصحي موضحًأ أن هناك 40 ألف طلب معلق للحصول على تراخيص سوق مركبات ثقيلة من قبل البريطانيين.
وتؤكد الحكومة أن النقص في سائقي الشاحنات (نحو 100 ألف وفقاً للقطاع) الذي عطل إمداد بعض المحطات، وكان وراء حركة الذعر التي شهدتها البلاد خلال عطلة نهاية الأسبوع، سببه أساساً التأخير في التدريب أثناء الوباء، وهو أمر يعاني منه العالم بأسره. لكنها أقرت الثلاثاء بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ” عامل ” إضافي وراء ذلك .. وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية في داونينج ستريت: ” لدينا مخزون وافر من الوقود في هذا البلد ويجب طمأنة الجمهور بأنه لا يوجد نقص”، مؤكداً أن الحكومة تبحث في إجراءات مؤقتة ومحدودة زمنيا لتطبيقها، وأضاف : ” نحن ننتقل لاقتصاد عالي الأجور ومهارات عالية وتحتاج الشركات التكيف مع مزيد من الاستثمار لتوفير مرونة على المدى الطويل “، ورغم أن مجموعة بريتيش بتروليوم رحبت بقرار الحكومة منح عدد إضافي من التأشيرات الموقتة لسائقي الشاحنات، فإنها تحذر من أن ” القطاع سيحتاج لوقت لتعزيز عمليات التسليم وتجديد المخزونات بواقع البيع “.
نقطة إنطلاق للسيارات الكهربائية
وأبلغت منظمة غير ربحية تمثل سائقي المركبات الكهربائية والمحتملين عن زيادة في الاستفسارات المتعلقة بالسيارات الكهربائية خاصة الأسبوع الماضي، فقال ميلر، الذي أسس المنظمة قبل أربع سنوات : ” إن أزمة الوقود كانت بمثابة نقطة انطلاق لصناعة السيارات الكهربائية ، بينما أبلغت بدورها جمعية مصنعي وتجار السيارات عن نمو كبير في مبيعات السيارات بالكهرباء في يوليو، حيث شكلت السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات 9% من المبيعات، واستحوذت السيارات الهجينة على 8% من المبيعات بينما استحوذت السيارات الكهربائية الهجينة على ما يقرب من 12%، ويٌذكر أن المملكة المتحدة تعهدت بحظر بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2030 والسيارات الهجينة الجديدة بحلول عام 2035.