أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دراسة جديدة أشارت إلى أن العالم ينفق مبلغًا مذهلًا يقدر بحوالي 423 بليون دولار أمريكي سنويًا على دعم استهلاك أنواع الوقود الأحفوري من نفط وكهرباء، والتي يتم توليدها عن طريق حرق أنواع أخرى من الوقود الأحفوري مثل الغاز والفحم، ويساوي ذلك المبلغ أربعة أضعاف المبلغ المطلوب لمساعدة البلدان الفقيرة على مواجهة أزمة المناخ، وهو الأمر الذي يمثل إحدى النقاط الشائكة قبل المؤتمر العالمي حول المناخ COP26 الذي يبدأ الأسبوع المقبل.
وأضافت الدراسة أن هذا المبلغ الذي ينفق بشكل مباشر على دعم الوقود الأحفوري، يمكن الاستفادة منه لتوفير لقاحات كوفيد-١٩ لكل شخص في العالم أو لتغطية التكلفة السنوية المقدرة للقضاء على الفقر في العالم كله ثلاث مرات.
_ وقال أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي “لقد كشفت جائحة كوفيد19 عن جوانب في الاقتصاد العالمي يجب أن يتجاوزها الزمن مثل استمرار دول العالم في إنفاق مليارات الدولارات على دعم الوقود الأحفوري، في الوقت ذاته الذي يعيش فيه مئات الملايين من الناس في فقر وتتسارع أزمة المناخ. وفي هذا الصدد علينا أن نسأل أنفسنا: هل يمثل دعم الوقود الأحفوري إنفاقا رشيدا للمال العام؟”
وقال جورج جراي مولينا، كبير الاقتصاديين في مكتب دعم السياسات والبرامج ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمؤلف المشارك للدراسة: “إصلاح دعم الوقود الأحفوري يمثل قضية شائكة سياسيًا، لكن الحقائق تظهر أن الإصلاح ضروري، وإذا ما تم تطبيقه بشكل صحيح، فمن شأنه أن يدعم الفقراء وأن يخلق فرص للعمل وأن يحمي الكوكب،” وأضاف “نأمل أن تحفز هذه الدراسة نقاشاً جاداً حول الدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه الإصلاح في دفع التحولات الخضراء والعادلة في جميع البلدان.”
الدراسة التي يتم نشرها قبل اجتماعات مجموعة العشرين (G20) ومؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ COP26 القادمين، تأتي في سياق إقرار العديد من الاقتصاديين وصانعي السياسات وكذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بضرورة إصلاح دعم الوقود الأحفوري، وهو ما دعا إليه كذلك وبقوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، على أساس أن قطاع الطاقة هو المتسبب الرئيسي في حالة الطوارئ المناخية التي يعيشها العالم إذ ينتج 73 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يتسبب فيها الإنسان. وستساهم إصلاحات دعم الوقود الأحفوري في تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وإفادة صحة ورفاه الإنسان، وهي بمثابة خطوة أولى نحو تسعير صحيح للطاقة على نحو يعكس التكلفة “الحقيقية” والكاملة لاستخدام الوقود الأحفوري التي يتكبدها المجتمع والبيئة.
وتظهر تحليلات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن إصلاحات دعم الوقود الأحفوري يمكن أن تكون أيضًا غير عادلة وضارة للأسر والمجتمع إذا لم يتم تصميمها بشكل صحيح. فعلى الرغم من أن دعم الوقود الأحفوري هو أداة تعزز اللامساواة – بحسب ما أشارت الدراسة_ إلا أن هذا الدعم يمثل أيضًا جزءًا مهمًا من دخل الفقراء سيضطرون لإنفاق ما يقابله على استهلاك الطاقة. وبالتالي، يمكن أن يتحول إلغاء دعم الوقود الأحفوري بسهولة إلى استراتيجية تؤدي إلى فقر الدخل وفقر الطاقة، وهو ما قد يساهم في جعل إصلاح الوقود الأحفوري أمرا صعبًا، ويفرض عائقًا رئيسيًا أمام الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة.
ومن هذا المنطلق تدعو دراسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى تطوير سياسات الإصلاح بنهج تقدمية وتدريجية. فضلاً عن ذلك توفر الدراسة “حزمة أدوات” لصانعي السياسات لتعزيز الإصلاح فيما يخص دعم الوقود الأحفوري وتسعير الطاقة. تتيح حزمة الأدوات اتباع نهج مرحلي يتسم بالعدالة والإنصاف، ويتضمن حماية الدخل وإجراءات تعويضية للفئات الأكثر تضررا جراء رفع الدعم.
وفي مصر، ذكر تقرير التنمية البشرية في مصر ٢٠٢١ أن الحكومة المصرية شرعت في تنفيذ برنامج جريء لإصلاح دعم الطاقة، يهدف إلى إلغاء دعم الطاقة تدريجيًا خلال خمس سنوات. وقد نُفِّذت المرحلة الأولى من البرنامج في عام 2014، تلتها المرحلة الثانية في عام 2017 والثالثة في عام 2018. وفي إطار خطة التنمية لعام 2019 / 2020، وافق مجلس النواب المصري على خفض دعم الوقود من 90 بليون جنيه إلى 53 بليون جنيه، وكذلك خفض دعم الكهرباء من 16 بليون جنيه إلى 4 بلايين جنيه. وقد أدَّى برنامج إصلاح الدعم إلى خفض دعم الوقود من نحو 56.8 % من جملة الإنفاق الحكومي على الدعم عام 2016 / 2017 إلى 30.8 % في العام 2020.
ولتسليط الضوء على الآثار السلبية لدعم الوقود الأحفوري على البشر والكوكب، أنتج برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كجزء من حملة جديدة فيلمًا قصيرًا يصور أحد أشهر الحيوانات المنقرضة في العالم، الديناصور، وهو يلقي خطابًا أمام الجمعية العامة الأمم المتحدة يحث فيه قادة العالم على التحول عن دعم الوقود الأحفوري وأن “لا يختاروا الانقراض.”
تهدف حملة “لا تختاروا الانقراض” بأصوات مجموعة من المشاهير من جميع أنحاء العالم إلى زيادة الوعي العام بما يسببه دعم الوقود الأحفوري من عرقلة لما تم إحرازه حتى الآن من تقدم في السعي للحد من تغير المناخ. وقد قامت الفنانة المصرية وسفيرة النوايا الحسنة لمنظمة اليونيسف، دنيا سمير غانم، بتأدية الصوت العربي الوحيد للحملة العالمية، مؤكدةً على الدور الإيجابي والتوعوي الذي يقدمه الفن لدعم جهود التنمية.