بقعة حمراء وسط اللا شيء,إنذار صاخب وسط العدم, واللا صوت, لا تسألني كيف انتشينا من فرط التضحيات فسعدنا بسعادة من حولنا, لكن, سلني كيف صعقتنا الأنانية في هذا الزمان العنيد, ردا علي التضحية, أرضعتنا المآسي حليب الوجع, قدمتنا لمحرقة الأحزان, حينما وضعنا الأحباء في الخانة الأخيرة, هكذا الحال حينما يتخلي الأقربون عنا, حينما تعز الفرحة, وتفر الأماني, وتتيبس الأحلام.
سرت في كياني رعشة خفية, وأنا أستمع إلي السيدة هدية, نعم اسمها هدية, تروي كيف ضحت من أجل بناتها, وكيف وصل الحال الآن بإحداهن أن تمتنع عن مساعدة شقيقتها الصغري في تحمل بعض تكاليف زيجتها, ترفض التضحية, وتضيف لحليب الوجع عكارة فوق عكارته, إنها عكارة الأنانية, والقسوة.
تقول هدية:أنا أرملة, جوزي توفي من 11 سنة, معايا 3 بنات وولد واحد متجوز وبيشتغل أمين مخزن ومعاه طفلين, عيشته أضيق من خرم الإبرة, طالع علي دراعه لغاية ما عمل بيت وكون أسرة, ويا دوب مكفي حاله.
ماقدرش أقول له تعالي جهز أختك كمان, البنات التلاتة واحدة اتجوزت وحملها اتشال من علي كتفي, وكان الحال أحسن شوية من دلوقتي, التانية لسة متخرجة وطبعا مش لاقية شغل يكفي مصروفات مواصلاتها ليه, واقفة علي ماكينة تصوير في محكمة, بتشوف أصحابها إللي كانوا معاها في الجامعة محامين وهي بتخدم علي تصوير ورقهم, لكنها راضية, لأن الجنيه بالنسبة لها أهم من المركز والشكل الاجتماعي, وهي بتصرف علي نفسها, لكن رافضة تقدم أي مساعدة لأختها رغم أنها تقدر, لكن ماعرفش جابت الأنانية دي منين؟ وإحنا عمرنا كله تضحيات؟ ماعرفش جابت القسوة دي منين وأنا مشبعاهم حنية وفنيت روحي عليهم, ماعرفش إزاي قادرة تتخلي عننا؟ لكن ماقدرش غير أني أدعي لها ربنا يهديها.
التالتة لسه في الدراسة, وكنت باخد مصاريف المعهد العالي إللي هي بتدرس فيه من الكنيسة, جالها عريس كويس قلت أشيل حملها من علي كتفي لأني خلاص تعبت, ووافقت علي الجواز بشرط يخليها تكمل تعليمها, لأني شقيت علشانهم وتعبت ولفيت واشتغلت في كل مكان قابلني, لكن خلاص جسمي حط, عندي 55 سنة, مش عارفة أعمل أكتر من كده.
وتسترسل الست هدية قائلة: تمت الخطوبة وجريت الأيام أسرع من أنفاسنا, وصلنا للحظة إللي معاها كل الأمور شكلها بيتغير, كل طرف بيدور علي حقه والمسئولية إللي عليه ماديا, والعريس شايفنا ساكتين والجواز بعد 3 أسابيع, ولا في أوضة نوم ولا فرش ولا صيني, وأنا مش عارفة أعمل أيه, ولا قادرة أقول لهم إننا من أخوة الرب, أيوة عارفين إن ظروفنا صعبة, لكن مايعرفوش أننا بناخد بركة من الكنيسة, مش عايزة أكسر عين بنتي.
رحت لأبونا إللي بيتنا يتبع منطقة خدمته, أخد الورق ووداه الكاتدرائية علشان أوضة النوم, لكن سمعت إن أقصي مبلغ ممكن يساعدونا بيه هو 10 آلاف جنيه, ومافيش أوضة نوم حاليا بالمبلغ ده, أقل أوضة نوم ب15 ألف و17 ألف, غير المرتبة والمخادات, غير السجادة والستارة في أوضة النوم علي العروسة, طيب هاجيب منين ده كله؟ ده أنا حتي ماشترتش لها طقم صيني ولا هدوم شتوي ولا مفروشات, دي آلافات الجنيهات, أعمل فيها أيه؟ كل ده وإحنا مش مطلوب مننا ولا أجهزة كهربائية, ولا أي حاجة, مش معقول كمان نقول لهم مش قادرين علي الجزء إللي يخصنا وهو أقل من إللي المفروض تتحمله أي عروسة.
حياتنا كلها صعبة, وأمورنا ماشية بالعافية, من مدة أخدت قرض 20 ألف جنيه, وباسدد قسطه من معاشي إللي ورثته عن أبوها, المعاش كله 1300 جنيه, بيتخصم منه 450 جنيه للقرض, والإيجار 700 جنيه, غير المياه والكهرباء, حتي العيشة نفسها مش عارفين نعيشها لكن ده مش مهم, المهم دلوقت استرها قدام أهل خطيبها, ماحدش يعايرها أو يجرحها بكلمة, إحنا ناس بسطاء من منطقة شعبية جدا, كل شيء بيكون علي عينك يا تاجر, الفرش والجهاز وأهل العريس بيدخلوا يفرشوا مع أهل العروسة, مش عايزة أكسر فرحة بنتي. مش عايزاها تبتدي حياتها موجوعة ومحرومة من أبسط شيء تاخده أقل عروسة, نفسي حد يكمل فلوس أوضة النوم, ولو في حد يقد يشتري لها مرتبة محترمة بالمخادات, نفسي نتستر لغاية يوم الفرح. أنا مش طالبة كتير, طالبة فرحة الستر.