7 عقود من المطالبات بتعيين المرأة فى مجلس الدولة وأخيرا يتحقق الحلم و يصدر قرار رئاسي بتعيين المرأة فى مجلس الدولة، وهو القرار الأول من نوعه الذي يتضمن تعيين قاضيات نساء بمجلس الدولة، شهد مجلس الدولة بحضور المستشار محمد حسام الدين رئيس مجلس الدولة، قيام القاضيات المعينات في مجلس الدولة بحلف اليمين الدستورية فى 19 أكتوبر الجاري، و في حضور رئيس مجلس الدولة والأمين العام لمجلس الدولة وعدد من مستشاري مجلس الدولة.
الرئيس عبد الفتاح السيسي كان قد أصدر يوم الإثنين الموافق 4 أكتوبر الجاري القرار الجمهوري رقم ٤٤٦ لسنة ٢٠٢١ بتعيين 98 قاضية بمجلس الدولة، نقلا من هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية، وهو القرار الأول من نوعه الذي يتضمن تعيين قاضيات نساء بمجلس الدولة. وتضمن القرار تعيين 48 قاضية على درجة مستشار مساعد “ب” و50 قاضية على درجة نائب. كما نص القرار على أن تكون أقدمية القاضيات المعينات على درجتي مستشار مساعد ب ونائب من تاريخ 25 سبتمبر 2021.
يعد هذا القرار بمثابة علامة فارقة وتصحيح المسارات بالنسبة للقضاء المصري، حيث تساهم مثل هذه القرارات في تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في تولى الوظائف القضائية في جميع الجهات والهيئات القضائية، كما تحقق المساواة في الدخل بين النظراء في كل جهة وهيئة قضائية تلقائياً، بحيث لا تكون هناك حاجة لرفع الدعاوى للوصول إلى هذه المساواة.
القرارات التى صدرت لاقت ترحيبا و إشادات من قبل العديد من منظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجال دعم حقوق المرأة المصرية، بالاضافة إلى التمنيات بأن يكون هذا القرار بداية لمزيد من الإجراءات التى تسير بشكل يدعم المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في كافة المناصب القضائية من خلال نفس آليات وإجراءات العمل والترقي لكل منهما على السواء.
قدمت المستشارة إيمان أبو القاسم الوكيل العام بالنيابة الإدارية وعضوة اللجنة التشريعية بالمجلس القومي للمرأة فى هذا الشأن دراسة حول “تقلد المرأة المناصب السياسية والقيادية والقضائية” أهم الإنجازات والتحديات، وأكدت الدراسة فيما يتعلق بتولي المرأة المناصب القضائية وخاصة فى مجلس الدولة على أنه حتى الوقت القريب لم تتمكن المرأة من اعتلاء منصة القضاء بمجلس الدولة، ويرى البعض أن السبب في ذلك أن المرأة غير مؤهلة حالًيا لاعتلاء تلك المنصة؛ لأن المرأة عاطفية بطبعها وهو ما قد يؤثر على قضائها إلا أن هذه الآراء – بل الأوهام- سرعان ما تزول من تجربة المرأة في اعتلاء منصة القضاء بالمحكمة الدستورية العليا، وهي أعلى محكمة قضائية بمصر، واعتلائها منصة القضاء بالقضاء العادي وتكليفها بالعمل في المحكمة الاقتصادية والمحاكم الجنائية ومحاكم الاستئناف العليا، والتفتيش القضائي، وكافة المحاكم بالقضاء العادي، فضًلا عما تضمنه نص المادة (11) من الدستور المصري من أحقية المرأة في التعيين في كافة الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها. بخلاف ما تذخر به المنطقة العربية بل والقارة الأفريقية ذاتها من تجار أثبتت معها عدم صحة كل تلك الادعاءات، فتشغل المرأة ما يقارب ٦٠% من القضاء اللبناني، و٤٨% من القضاء التونسي، و٤٥% من القضاء الجزائري، و ٣٠% من القضاء المغربي، و ٢٥% من القضاء الأردني، و ١٢% من القضاء العراقي، وتترأس المرأة المجلس الأعلى للقضاء التونسي بالانتخاب.
أما فيما يتعلق بالنيابة العامة أوضحت الدراسة أنه بالمثل لم تتمكن المرأة من العمل بالنيابة العامة حتى تاريخة، وقد يرى البعض أن ذلك يرجع لطبيعة العمل بالنيابة العامة وصعوبات التحقيق مع المجرمين والمتهمين ومعاينة الجثث والاستدعاء في أي وقت ليًلا ونهاًرا إلا أن هذه الحجج سرعان ما تزول مع عمل المرأة بالنيابة الإدارية و قيامها بالتحقيق في كافة الجرائم التي تقع من الموظف العام ومنها جرائم الاختلاف والعدوان على المال العام والرشوة والاعتداء على الغير وغيرها كما أن المرأة تعمل طبيبة بالطب الشرعي وتقوم بمعاينة بل بتشريح الجثث، وتعمل كطبيبة يتم استدعائها في أي وقت، فضلا عما تضمنه نص المادة (11) من الدستور المصري من أحقيتها للعمل بالنيابة العامة.
واعملاً للاستحقاق الدستوري، جاء توجيه السيد رئيس الجمهورية في اليوم العالمي للمرأة 2021/3/8 بضرورة تولي المرأة منصة القضاء بمجلس الدولة والعمل بالنيابة العامة.
القرار خطوة إيجابية
أوضحت أمنية طاهر جادالله – مؤسسة مبادرة”المنصة حقها” – للمطالبة باعتلاء المرأة منصة القضاء بكافة درجاته منذ عام 2014- ومدرس مساعد بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر قائلة : نبارك للقاضيات المصريات ونعتبر تعيينهن بمجلس الدولة بعد عقود طويلة من الإقصاء قطرة ستصبح غيثاً يوما ما آملين رؤية الخريجات المتفوقات يتقدمن عقب التخرج بملفاتهن كأقرانهن سواء بسواء ويعتلين المنصة ويرفعن اسم مصر عاليا محليا وإقليميا ودوليا.
وأضافت جاد الله قائلة: عقب إصدار قرار جمهوري بتعيين ٩٨ قاضية بمجلس الدولة وفقا للاعلانين السالف نشرهما، احدثهما اعلان مجلس الدولة رقم (3) لعام ٢٠٢١ الصادر بتاريخ 13 سبتمبر ٢٠٢١ والذي قصر الحق في التقديم للدفعة الاستثنائية بمجلس الدولة على أعضاء هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة وخصص نصوصا بغير مخصص مسوغ قانوني مخالفا قانون مجلس الدولة وميز بين المخاطبين بأحكامه بموجب المادة (٧٤) منه فضلا عن مخالفة الدستور والقانون.
استطردت جاد الله قائلة: “لا نستطيع أن نتحدث عن واقع المرأة المصرية وما تم تحقيقه من إنجازات أو إخفاقات و مشكلات وعراقيل تتعرض لها علينا الا بعد أن نتحدث عن الحقوق الأساسية و نقوم بالتحدث عن واقع المرأة المصرية فى كل حق منهم، سواء الحق فى التعليم والصحة والعمل وتقلد المناصب القيادية والحق فى التمييز وعدم المساواة..إلخ، حتى نستطيع أن نقدم تقييما واقعيا لواقع المرأة المصرية. بداية لو تحدثنا عن الحق فى التعليم فمن حيث المبدأ متاح لها الحق فى التعليم لكن نظرا لوجود بعض المفاهيم المجتمعية احيانا التى تعطى الأولوية فى التعليم للولد لانهم لديهم معتقدات مغلوطة بأن البنت فى الآخر مسيرها لبيتها وزوجها وأولادها وللاسف هذه المفاهيم المجتمعية قد تحرم الفتيات داخل بعض الأسر من حقهم فى التعليم والوصول لأعلى الدرجات العلمية اذا كنا يرغبن فى ذلك ، لأن أسرهم لديهم هذا المفهوم المغلوط ولن يشجعوا او يهتموا بتعليم البنت مثلما يفعلون مع الولد. فهم يعطون أولوية للابن، وكذلك الحال بعد التخرج يمكنهم منع الفتاة من العمل..وهذا الأمر يرجع للمفاهيم المجتمعية المغلوطة بشكل أساسى، ولكن على وزارة الثقافة و التربية والتعليم دور مهم فى رفع الوعى المجتمعى.
وأضافت جاد الله : ” وفيما يتعلق بالحق في العمل وتقلد المناصب القيادية للمرأة خلال العام الماضى كان هناك تطورات إيجابية يمكن أن نلاحظها، فمثلا يوجد 8 وزيرات بمجلس الوزراء..فهذا يعد تطورا لا يمكن أن نقلل من قوته.
استطردت أمنية طاهر جادالله:” لا نزال نطالب بفتح باب التعيين لكافة الخريجات، وألا يقتصر على عضوات الهيئات القضائية حتى يستحق القرار الاحتفال به”، مضيفة “سأشعر عندها أن مجهودي طوال الـ 8 سنوات الماضية لم يذهب هدراً حتى لو لم أتعين شخصياً في مجلس الدولة، ولكني سأشعر بالانتصار عندما تستطيع أي خريجة أن تقوم بذلك دون أن يمنعها شيء، وفى هذا السياق قمت برفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري للطعن على إعلان مجلس الدولة رقم (٢) لعام ٢٠٢١ الصادر بتاريخ ١٤ مارس ٢٠٢١ والذي قصر الحق في التقديم للدفعة الاستثنائية بمجلس الدولة على أعضاء هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة وأقصى عضوات هيئة التدريس والمحاميات وخصص نصوصا بغير مخصص مسوغ قانوني مخالفا قانون مجلس الدولة وميز بين المخاطبين بأحكامه بموجب المادة (٧5) منه فضلا عن مخالفة الدستور والقانون. وتم قيد الطعن برقم 51786 لسنة 75 ق قضاء اداري، بتاريخ 5 يونيو 2021
عيد حقيقي لمنظومة العدالة
جمعية نهوض وتنمية المرأة، كانت قد أصدرت بيانا أكدت فيه على إن تمكين المرأة سياسياً وتقلدها المناصب القيادية وتفعيل قدراتها بشكل إيجابي هو ضرورة وحلم طالما سعينا لتحقيقه في جمعية نهوض وتنمية المرأة على أرض الواقع، وهذا ما تنبهت إليه القيادات العليا في الدولة، وعلى رأسها الرئيس السيد عبدالفتاح السيسي-رئيس الجمهورية، وخطة بدأتها الحكومة في تمكين المرأة على جميع المستويات منذ عام 2017 وحتى يومنا هذا، وأخيراً قرار بدء عمل العنصر النسائي في مجلس الدولة والنيابة العامة اعتبارًا من شهر أكتوبر الجاري، وهو ما يعد سابقة أولى من نوعها فى تاريخ مصر.
انتصارا للمواطنة
الدكتورة سامية قدرى- أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، وعضو لجنة الثقافة الأسرية ببيت العائلة- قالت:” وصول المرأة المصرية إلى العمل بمجلس الدولة والنيابة العامة كان مطلب منذ عقود طويلة تصل الى 7 عقود، خاصة و أن الرد أو الأسباب التى كانت تتردد فيما يتعلق بمنع المرأة من هذه المناصب كان يأتي بحجج ثقافية واهيه تتنافى مع الدستور فيما يتعلق بتحقيق مبدأ المساواة، ولقد جاءت قرارات رئيس الجمهورية مؤخرا انتصارا للمرأة كمواطنة و للعدالة الاجتماعية و كذلك انتصارا للدستور، فلقد حرك الرئيس القضية وأوصى بذلك وفقا للدستور المصرى و هى مبادرة جيدة جدا من رئيس الجمهورية.”
وأضافت الدكتورة سامية قدرى:” لقد جاءت هذه القرارات للمجلس الأعلى للهيئات القضائية تؤكد على ضرورة تفعيل واحترام الدستور وكذلك الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها مصر مثل اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة “السيداو” التي صدقت مصر عليها بتاريخ 18 سبتمبر 1981، ونشرت بالجريدة الرسمية في العدد رقم 51 بتاريخ 17 ديسمبر 1981. وبذلك تكون مصر من أولى الدول المصدقة على هذه الاتفاقية، وبالتالي لا يوجد أى ذريعة لمنع المرأة من تبوء المناصب القضائية، ونتمنى المزيد للمرأة المصرية فى كل المجالات التى مازالت حكرا على الرجال.”