لم أستطع أتخيل يا جورجيت أنني لن أسمع صوتك الحنون.. وأنتِ تداومين السؤال علي وعلى أولادي الذين تعتبريهم أولادك، بل وعلى أحفادي الذين شاركتيني فرحتي بهم تمامًا كما لو كنتِ أختي من أبي وأمي.. لم أصدق يا جورجيت أني لن أراك ثانية.. ذكريات عمري كله من أولى جامعة حتى يوم انتقالك أنتِ شريكة معي في كل تفاصيلها يا صديقة عمري..الدموع تنهمر رافضة أي سيطرة لأنني لم أتخيل غيابك عني.. انطلقتِ إلي السماء بعدما تحملتي بشكر وصبر حقيقي كل أمراضك وأتعابك.. استوفيتي أتعاب الأرض وانطلقتِ للسماء ولأصدقائك القديسين الذين كنت دائما تشعريني وتشعري كل من يعرفك أنهم المنقذ في كل صغيرة وكبيرة
رغم أتعابك وآلامك المبرحة لم تحملي أحدًا همك رغم ثقله.. كنت أتصل بك لأطمئن عليك فتحولين كل المكالمة سؤالاً علي وتقولين لي “مش عايزة أحملكم همي أنا عارفة كل واحد اللي فيه مكفيه”.
لم أتخيل أن يأتي يومًا أكتب فيه رثاءً لك ياصديقتي الغالية.. ولن أستفيض في جورجيت الصحفية المتمكنة فهذه يعرفها ويكتبها كل زملائنا.. أنت وبالنسبة لي صديقتي وأختي الغالية التي عزاني فيها الجميع لأنهم يعرفون قدرك عندي.. أربعون عامًا من الصداقة العميقة التي نضجت سريعًا منذ زمالتنا في كلية الإعلام وسرعان ما تعلقنا بعضنا ببعض وجذبني لك وقارك وأدبك وأناقتك ببساطة جمة.. وصرنا أصدقاء قبل أن نغادر الجامعة، ثم مشوار حياة كاملة في محراب الصحافة في جريدتنا ” وطني”.. ورغم ما فرضته علينا طبيعة العمل الصحفي من بعض التنازع علي المصادر الصحفية أو أفكار التحقيقات والموضوعات الصحفية، تلك المشكلات اللصيقة بمن يعملون في المجال الصحفي إلا أننا كنا تتجاوزها، وكانت محبتنا لبعض تغلبنا وننتصر لصداقتنا وأخوتنا.
جورجيت عشت جسورة قوية في عملك.. لم تنحني أبدًا للتيار ولم تمرري أبدًا أمورك إذا تعارضت مع قناعاتك، بل كنت تواجهين وتحاربين ولكن بمنتهى الأدب والأخلاق.
و وقد دفعت من أعصابك الكثير والكثير من أجل ذلك.. ولكنك حظيت باحترام وتقدير كل من تعامل معك.
جورجيت، مثال الكرم و المجاملة السخية التي يحركها ويدفعها قلبها المفعم بالحب، كريمة في مشاعرها وتجيد التعبير عنها ببلاغة القول والفعل معًا.
جورجيت، عشرة العمر التي كنت أحكي لها دقائق حياتي وكلي ثقة أنها تحفظ الأسرار وتجيد المشورة وتهديء فورة الغضب وتريح النفس لأنها تنقلني بسرعة من مشهد الأرض إلى السماء عندما تقول لي “خدي القديس فلان أو القديسة فلانة شفيعة الموضوع ده.. أو تقولين “انذري نذر حلو للعدرا” والمشكلة هتتحل.
جورجيت، فرحانة قوي أنك أعطيتيني فرصة أزورك قبل انتقالك بحوالي شهر، لم أكن أعلم أنه لقاء الوداع بيننا ولم أتخيل ذلك، وكنتِ تلحين علي “هتجيبي لي تاني؟.. هشوفك تاني؟” ورأيت كتابك المقدس المفتوح دائمًا بجوارك على سرير مرضك ودموعك تاركة علامتها عليه، والآن الله يمسح كل دمعة من دموعك.
جورجيت، منذ يوم انتقالك وأنا أسمع التسجيلات الصوتية بيننا على الواتس آب منذ فترة مرضك، والتي كنت أرفض مسحها مهما ظهرت لي رسائل الموبايل بامتلاء الذاكرة وضرورة إلغاء صور وتسجيلات، الآن أسمع صوتك الودود في كل رسالة وأنتِ تقولين:”أيوه يانادية ازيك يا حبيبتي”.
جورجيت، لم تكوني أمًا بالجسد ولكنك كنت مفعمة بمشاعر الأمومة والحنان لكل أبناء أصدقائك وزمايلك، بل ولبعض أصدقائك أيضًا، وآخر رسالة صوتية منك كنت تشاركيني فرحتي بصورعيد ميلاد ميرا أصغر أحفادي وتضحكين من القلب، وقلتِ لي :”جميلة جميلة يا نادية باسم الصليب عليها باسم الصليب باسم الصليب”، أنا هاخد فستانها وتوكتها لفة وتنهي آخر رسالة بيننا بضحتك المرحة الجميلة.
جورجيت، لم أقل ولن أقول “كانت جورجيت” لأنك ستظلين حية في أعماق قلبي، يعز علي يا جورجيت أن أقرأ في وطني كلمة تقول “وسقطت ورقة خضراء من شجرة وطني” فأنتِ من أندى وأنقى وأكثر الأوراق في شجرة وطني نشاطًا وحيوية وإخلاصًا في العمل.
وداعًا حبيبتي و صديقتي وأختي.. أتهنى بإكليلك السماوي وبالحضرة الإلهية وصلي لي في السماء.