في تاريخ مصر الحديث والمعاصر شاركت المرأة المصرية بقوة في الكثير من فاعليات الحركة الوطنية, جنبا إلي جنب الرجل, إذ لم تتخلف يوما عن حركة الجهاد ومسيرة النضال من أجل حرية الوطن وتحقيق استقلاله والمشاركة في رفعته, ولم يكن هذا بغريب عليها, فهي سليلة وحفيدة المرأة المصرية القديمة التي كانت تشارك زوجها العمل في الحقل, ثم شاركته العمل في المصنع, ومختلف مواقع الإنتاج.
ومن يقرأ تاريخ الحركة الوطنيةوحركة المصريين في السياسة والفكر والثقافة نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين, يكتشف بوضوح كيف ساهمت المرأة المصرية بكتاباتها في العديد من الجرائد والمجلات, بالإضافة إلي اهتمامها بإصدار المجلات, لتبدي رأيها في الكثير من شئون الحياة وتشتبك مع الكثير من قضايا الوطن وهمومه, فضلا عن قضايا المرأة ومشكلاتها, وهو العمل الذي واصلته المرأة إلي اليوم بكتاباتها في الصحف علي مختلف توجهاتها ما بين صحف قومية وأخري خاصة وثالثة حزبية.
ومع نهاية العقد الثاني من القرن العشرين تبرز أمامنا مشاركة المرأة المصرية في ثورة سنة 1919م, تلك الثورة الشعبية المجيدة التي اندلعت يوم الأحد 9مارس, وفي الأحد التالي الموافق 16 مارس خرجت الفتيات والسيدات في مظاهرة كبري ضد الإنجليز, كانت هي المرة الأولي التي تخرج فيها المرأة المصرية للمشاركة في مظاهرة سياسية في تاريخ مصر الحديث والمعاصر, حيث يؤرخ هذا اليوم لمظاهرات النساء, كما يؤرخ أيضا لأول شهيدة مصرية في ثورة 19, هي السيدة شفيقة محمد, التي سار في جنازتها عشرات الآلاف من المصريين, حتي إن الجنازة جاءت مظاهرة جديدة ضد سلطات الاحتلال البريطاني, كما كانت هناك شهيدات أخريات منهن حميدة خليل وفهيمة رياض وعائشة عمر وسيدة حسن وشهيدات أخريات مجهولات, حتي إن يوم 16 مارس من كل عام اعتبر يوما للمرأة المصرية, خاصة وأنه شهد أيضا تأسيس الاتحاد النسائي المصري في عام 1923م, الذي تأسس بفضل جهود هدي شعراوي وسيزا نبراوي ونبوية موسي وأخريات, وقد ترأسته السيدة هدي شعراوي خلال الفترة من 1923م إلي 1947م.
وفي أحداث ثورة سنة 1919م ظهرت أسماء سيدات كثيرات تتقدمهن صفية زغلول, زوجة الزعيم سعد زغلول, وهدي شعراوي وسيزا نبراوي وإستر فهمي ويصا وبلسم عبدالملك وغيرهن, ولسيدات تلك الثورة المجيدة يرجع الفضل في صناعة علم جديد لمصر, فيه الهلال يحتضن الصليب, حيث أردن التعبير عن روح الوحدة الوطنية التي سادت جميع المصريين آنذاك, وقد استمر هذا العلم إلي اليوم موازيا للعلم الرسمي.
وشاركت النساء آنذاك في تشكيل لجمة الوفد المركزية للنساء عام 1919م, بهدف تحقيق المطالب القومية للمرأة المصرية مثل حقها في التعليم والعمل والانخراط في السياسة والعمل العام, وعند عودة الزعيم سعد زغلول من منفاه عام 1921م كان في استقباله وفد من السيدات تتقدمه السيدة هدي شعراوي وزميلتها السيدة سيزا نبراوي.
وفي عام 1937م شاركت بعض السيدات المصريات في تأسيس الاتحاد النسائي العربي, لتمارس المرأة دورها علي مستوي المنطقة العربية في إطار من التشبيك والتنسيق. كما شاركت المرأة المصرية في العديد من المؤتمرات الدولية للمرأة, في باريس/ فرنسا عام 1926م, وفي أمستردام/ هولندا عام 1927م وفي برلين/ ألمانيا في العام نفسه.
وبعد ثورة 23 يوليو 1952م بنحو أربع سنوات صدر دستور سنة 1956م الذي سمح للمرأة بحقها في الانتخابات والتصويت وترشيح نفسها, وانضمت المرأة لعضوية البرلمان وعضوية الأحزاب السياسية في التجربة الحزبية الثالثة التي عرفها المصريون 1976 ـ 1977م, وعرف المجتمع المصري جهودا مدنية وأخري رسمية من أجل نهضتها وتمكينها والمزيد من مشاركتها وحضورها في المجال الوطني العام.
ولا يمكننا تجاهل دور المرأة المصرية في سنوات حرب الاستنزاف, والفترة التي تلتها, ونقصد بها الفترة من سنة 1967م إلي قيام حرب السادس من أكتوبر 1973م, حيث برزت مشاركة المرأة في التمريض والتطبيب وزيارة الجرحي والمصابين ودعم الجهود المدنية لتسليح وإعادة بناء الجيش المصري.
لقد أصبحت المرأة المصرية وزيرة في الحكومة ونائبة في البرلمان وسفيرة للوطن خارج البلاد, وهي في المدارس مدرسة وناظرة ومديرة, وفي الجامعات رئيسة قسم ووكيلة وعميدة ورئيسة جامعة.
وبعد نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين شاركت المرأة المصرية بقوة في ثورة 25 يناير 2011م, تواجه الفساد وتطلب الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية, وفي ثورة 30 يونيو 2013م, أعلنت رفضها لسيطرة أحد الأطياف علي حاضر الوطن ومقدراته, وهي اليوم تتواجد في كل موقع وتتولي كل وظيفة, في تعبير حقيقي عن مبدأ المواطنة الذي يعني المشاركة والمساواة في الحقوق والواجبات, دون تفرقة أو تمييز بسبب اختلاف النوع الاجتماعي أو أي من أشكال الاختلاف, ما يعني حاجة المجتمع إلي تمكين الكفاءة, بتعبير الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة في مقال نشرته جريدة (الأهرام) مؤخرا, حيث يمثل مبدأ المواطنة حلا مناسبا لمناهضة التمييز, الأمر الذي يتطلب تغييرا ثقافيا إلي جانب تفعيل القوانين علي الجميع.