في يوم من الأيام رجع الملك آخاب حزينا إلي بيته, إذ كانت له شهوة في الاستيلاء علي حقل نابوت اليزرعيلي.
فساعدته زوجته الملكة إيزابل علي تحقيق رغبته الخاطئة.
شرحت له كيف يدبر مؤامرة يتهم فيها نابوت ظلما بأنه جدف علي الله ويحكم عليه بالرجم, ثم يرث حقله. وتمت المؤامرة بشهود زور. وورث آخاب الحقل… وحققت إيزابل وعدها لآخاب: أنا أعطيك كرم نابوت اليزرعيلي (1مل 21:7).
وكانت محبة ضارة تسببت في هلاك آخاب.
وأرسل الله إليه إيليا النبي قائلا هل قتلت وورثت أيضا؟… في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت, تلحس الكلاب دمك أيضا (1 مل21:19).
ومثل هذه المحبة الضارة تسهيل كل إجراء غير شرعي.
مثل تسهيل زواج غير شرعي, أو طلاق خاطئ, أو تزويج مطلقين ضد تعليم الكتاب…
ومثله أيضا طالب يغشش زميله في الامتحان بدافع من الشفقة والمحبة!! أو طبيب يكتب شهادة مرضية وهمية.. أو صديق يشهد شهادة زور تأييدا لصديقه… أو محاسب يساعد ممولا علي اختلاس حقوق الدولة في الضرائب أو أستاذ باسم الرحمة أو المحبة: يخفض المقرر لتلاميذه, ويقدم لهم في الامتحان أسئلة تافهة, لكي ينجحوا ولم ينالوا من العلم شيئا. ويكون قد أضر بهم علميا, وأعطاهم ما لا يستحقون..
النصيحة الخاطئة
باسم المحبة ما أكثر ما نقدم نصيحة لشخص غرضها الظاهري مساعدته أو رفعة شأنه, بينما هي تضره كل الضرر.
مثال ذلك نصيحة الشباب لرحبعام.
أتي رجال إسرائيل إلي رحبعام بعد موت أبيه الملك سليمان, وقالوا له: إن اباك قسي نيرنا, وأما أنت فخفف من عبودية أبيك القاسية. فاستشار الشيوخ فقالوا إن صرت اليوم عبدا لهذا الشعب وخدمتهم وأحببتهم وكلمتهم كلاما حسنا يكونون لك عبيدا كل الأيام (1مل 12:7).
أما الشباب في محبتهم لسليمان, أرادوا رفع قدره وتثبيت هيبته وقوته أمام الشعب فنصحوه بأن يتشدد ويقول لهم إن خنصري أغلظ من متن أبي… أبي أدبكم بالسياط, وأنا أؤدبكم بالعقارب (1مل 12: 11,10). ونفذ هذه النصيحة, فضاع..
وكانت محبة ضارة, قسمت المملكة, وضيعته.
فانشق عليه عشرة أسباط, وكونوا مملكة مستقلة عنه.. وأضرته محبة الشباب له, إذ كانت محبة خالية من الحكمة, وفيها عدم اتضاع, وعدم محبة الشعب…
وبالمثل كانت نصيحة أخيتوفل لأبشالوم.
قال لأبشالوم ادخل إلي سراري أبيك اللواتي تركهن لحفظ البيت… فيسمع كل إسرائيل أنك قد صرت مكروها من أبيك, فتتشدد أيدي جميع الذين معك (2صم 16: 21). ففعل هكذا. وكانت نصيحة ضارة به روحيا, وضارة بعلاقته بأبيه…
ثم قدم له نصيحة أخري, تقضي علي أبيه حربيا.. ولكن كانت هناك صلوات داود مرفوعة إلي الله حمق يارب مشورة أخيتوفل (2صم 15:31). فلم يأخذ أبشالوم بتلك المشورة…
كم من أصدقاء لهم نصائح ضارة, يقدمونها باسم المحبة!!
لست أقصد فقط أصدقاء السوء, إنما حتي أصدقاء قديسون يقدمون نصائح ضارة. ولعل من بينهم القديس بطرس أحد الاثني عشر, الذي لما سمع السيد المسيح يتكلم عن صلبه وقيامته أخذه بطرس إليه, وابتدا ينتهره قائلا: حاشاك يارب…
لا يكون لك هذا … كأنما بهذا يمنعه عن الصلب والفداء. فأجابه الرب قائلا اذهب عني ياشيطان أنت معثرة لي (مت 16: 21 ـ 23).
ومن المحبة الخاطئة أيضا قطع بطرس الرسول لأذن العبد
وأنه فعل ذلك باسم المحبة, دفاعا عن السيد المسيح وقت القبض عليه استل سيفه, وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمني (لو 22: 47 ـ 50). فانتهره الرب ولمس أذن العبد فأبرأها وقال لبطرس رد سيفك إلي غمده,؟؟ الذين يأخذون بالسيف, بالسيف يهلكون (مت 26: 52).
المحبة غير العادلة
مثالها مشكلة قميص يوسف الملون.
لقد أحب أبونا يعقوب ابنه يوسف أكثر من سائر إخوته لأنه ابن شيخوخته. فصنع له قميصا ملونا (تك 3: 3) فماذا كانت نتيجة هذه المحبة غير العادلة؟ يقول الكتاب المقدس رأي إخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع إخوته فأبغضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام (تك 27:4).
ومعروف ما أصاب يوسف من ضرر علي أيدي إخوته..
كذلك من أمثلة المحبة الضارة محبة يعقوب لراحيل أكثر من ليئة.
وهكذا دخلت هاتان الأختان في صراع حول محبة الزوج حتي قالت ليئة في بعض الأوقات مصارعات الله قد صارعت أختي (تك 20:8). بل إنها في إنجاب بنيها, قالت عبارات تدل علي حالتها النفسية مثل إن الرب قد رأي مذلتي إنه الآن يحبني رجلي إن الرب قد سمع أني مكروهة فأعطاني هذا أيضا الآن هذه المرة يقترن بي رجلي (تك 29: 31ـ34).
محبة ضارة أخري, وهي محبة الاستحواذ.
محبة الاستحواذ
وهي المحبة التي تحبس محبوبها في حيزها الخاص.
كالأم التي تمنع ابنها من سفر بعيد يفيده جدا, لأنها تريده إلي جوارها وبهذا تضره وتضيع مستقبله بسبب محبتها الضارة هذا من الناحية العلمانية, ومن الناحية الروحية قد تقف بشدة في طريق تكريسه.
وكذلك قد تفعل الزوجة أيضا مع زوجها لأنها تريده لها وحدها.
وما أكثر ما تحدث أمثال هذه المشاكل في محيط الحياة الزوجية أو الحياة العائلية بصفة عامة… وهنا تتصف المحبة بالأنانية الواضحة..
مثل الزوج الذي تدعوه أنانيته في محبته إلي التضييق علي زوجته في الدخول والخروج, وفي الكلام وفي الابتسام, في الزيارات وفي اللقاءات.
كما يحبس عصفورا في قفص, ويمنعه من الطيران, ليصير له وحده…
يتأمله وحده, ويغني العصفور له وحده! ولا تهمه حرية العصفور في شيء… ويحدث أن مثل هذه المحبة الضارة تتصف بالعنف وربما بالعنف كذلك. ويجمع الرجل بين نقيضين: الحب والقسوة.
ومحبة الاستحواذ قد توجد عند المرأة, وتصيبها بالخوف والقلق…