كتبنا الأسبوع الماضي عن حالة الثلاثة توائم الذين ضربهم طيف التوحد, وعذب والديهم بالنفي في المنزل معظم الوقت, وسؤال كل من يستطيع المساعدة من أجل مكل مناسب, وعلاج مناسب, ولم نجد اتصالا واحدا يجبر قلب ذلك الوالد الذي زارنا علي أمل أن يصل صوته لأصحاب القلوب الرحيمة, أو يتعاطف مه الذين في مساحة الحرية ليخرجوه من مساحة النفي التي فرضها عليه المرض, والعوز والخجل.
دهشة أصابتني, إذ لم يمر أسبوع علي مجار الـ12 عاما الماضية وهي عمر باب افتح قلبك, بدون تفاعل القراء مع حالات باب افتح قلبك, وتساءلت هل يمكن أن تكون للسماء حكمة في عدم التعاطي الإيجابي مع التوحد باعتباره مرضا ربما يجهله البعض أو يعتبرونه تصنيفا بسيطا ضمن التصنيفات المرضية للأطفال, كيف يمكن ذلك؟
وفي مصر 800 ألف مصاب, طفل بين كل 160 طفلا بدرجات مختلفة من الأعراض. ألم تحرك قصة الرجل الحزين مع أولاده الثلاث عاطفة الشفقة تجاههم؟ حقا لا أعلم, لكن كل ما أعلمه أنه توجب علي أن أكتب للمرة الثانية علي التوالي عن حالة ذلك الأب المكلوم الذي اختار اللجوء إلينا, بعدما أضناه الطواف علي الجهار التي يجب عليها تحمل عبء هذه الحالات الإنسانية ولم تتحمل.
إنهم ثلاثة أبناء أعمارهم 8 سنوات, توائم, جاءوا عبر أنبوب لقاح بعد غياب وحرمان من نعمة الإنجاب لفترة طويلة, اكتشف الوالدان أن الثلاثة مصابون باضطراب طيف التوحد.
لتتحول النعمة المنتظرة لخبرة ألم تعتصره, ويتحول المنزل إلي معسكر شديد الخصوصية ليحميهم, من ذواتهم ومن بعضهم البعض في دوامة الحيرة والوجع صار غارقا, ملتاعا لاهثا خلف أي أمل في تخفيف المرض عنهم, لأن مريض التوحد لا يشفي لكنه يتعايش بنظام حياة معين.
وبإقرار الأطباء كانت النتيجة أن علاج التأمين الصحي غير فعال, والأطباء خارج التأمين الصحي يسمونه تراب الدواء, وها نحن ننشر للمرة الثانية, نص كلماته عن المأساة التي يعيشها ويقول الرجل: تحولت حياتي لجحيم, فالأطفال المصابون بطيف التوحد يعانون صعوبة في تنظيم عواطفهم, ينتج عن هذه العواطف غير المنظمة, سلوكيات كالبكاء أو الهيجان بعنف, سلوكيات عدوانية ومؤذية جسديا, الارتطام بالأشياء, ضرب الرأس, وشد الشعر وإيذاء الجسد, ذات مرة فتح أحدهم باب الشقة وخرج, كانت والدته في الحمام, خرجت لتجد الثلاثة صاروا اثنين.
انطلقت تبحث عنه, ممسكة بأخويه, عند مفرق الحي وصلت إليها, كالمجنون طفت الشوارع بحثا عن ولدي, الذي تكبدت العناء في سبيل حمايته, فهل أفقده؟ واحد مثل اثنين مثل عشرة, كلهم غلاوة واحدة, لا يمكنني التفريط في أحدهم, فوق أقرب رصيف جلست باكيا, أنادي عليه, عله يسمع تأوهاتي الراجية, هذا نموذج مصغر من أيامي في منفي التوحد. لم أعد أفعل شيئا في حياتي سوي رعايتهم, إجازات متكررة من عملي لمساعدة والدتهم في الرعاية حتي يومنا هذا أحدهم يعتمد علي الحفاضات بشكل دائم, والآخر مولود بعين واحدة, تتطلب زراعة عدسة خارجية كل عام لحين استقرار نموه, الأطفال يحتاجون جلسات تخاطب, وحماية.