يحثنا السيد المسيح بقوله:أما أنت فإذا صليت,فادخل حجرتك وأغلق عليك بابها وصل إلي أبيك الذي في الخفية, وأبوك الذي يري في الخفية يجازيك(متي6:6).
مما لا شك فيه أن الصلاة الحقيقية النابعة من القلب, تؤثر علي حياتنا وتجعلها تتبدل للأفضل,كما أن هذه الصلاة هي بمثابة مرآة تعكس أخلاقنا وسلوكنا ومبادئنا.
نحن أمام نموذج حقيقي للصلاة المؤثرة للمهاتما غاندي كان يرددها قائلا:اجعل اللهم ألا تقع عيناي علي ما ينبه في أفكار السوء,وإلا فخير لي ألا يكون لي عينان تنظران, واجعل اللهم ألا ترتاح أذناي إلي سماع كلمة نميمة أو كلمة بغض, وإلا فخير لي ألا يكون لي أذنان سامعتان.
واجعل اللهم ألا تتدنس شفتاي بأقوال نجسة, وإلا فخير لي ألا يكون لي شفتان ناطقتان.
اللهم!اجعل ألا انظر إلي امرأة بشهوة,لأن كل امرأة هي بمثابة أخت لي, وإلا فخير لي أن أموت هذه الصلاة التي كان يتلوها غاندي, هي أجمل صورة لشخصيته وأنصع مرآة تعكس أخلاقه النبيلة ومبادئه السامية.
كيف يستطيع أن يشعر الآخرون بنتيجة صلاتنا التي قمنا بها دون أن يشاهدونا أثناء تأدية الصلاة؟ لنتخيل أحد الأشخاص يقول لنا:لن أقترب منكم أثناء الصلاة حتي لا أسبب لكم أزعاجا, لأنكم تطبقون وصية الله, ولكنني سأنتظر خارجا ولن أدخل معكم في المكان الذي تؤدون فيه الصلاة.
أنا في حالة انتظار دائم, لا يشغلكم تعبي ومعاناتي نتيجة طول الانتظار,أنا قادر علي المكوث والاستمرار لساعات طويلة, ومن المحتمل أن يصل هذا إلي أيام,وبالرغم من أنني لا أتحمل أي تأخير من الناس حتي ولو لدقيقة واحدة, إلا أنني في هذه الحالة, لن أنزعج وسأتحمل كل تأخير بصبر وأناة.
لن آتي لأراقب كيف تؤدون صلاتكم ولا يخصني إذا صليتم راكعين أو واقفين,أو إذا كانت أيديكم مفتوحة أو مضمومة أو إذا كان عقلكم في لحظة تركيز مع الصلاة, لأن كل هذه الأمور لاتعنيني,فمن المحتمل أن تخدعوني بكل سهولة بالمظاهر الخارجية التي لا يعلمها إلا الله وحده.
ولكن بعد الانتهاء من صلاتكم, سألاحظ كل تصرفاتكم وأعمالكم, وسأقوم باختباركم وامتحانكم, ومن الممكن أن يصل الأمر لإدانتكم.
مما لاشك فيه أن كل فرد نتقابل معه في حياتنا اليومية, له الحق في أن يلاحظ علينا من خلال تصرفاتنا وكلماتنا ومعاملاتنا, إذا كنا صلينا حقا أم لا.
لأنه يستطيع مطابقة صلاتنا بأعمالنا, وبمعني أدق هل الصلاة أثرت في حياتنا وتصرفاتنا وكلامنا وأفعالنا؟ إن الصلاة النابعة من القلب هي بمثابة التنفس له, فإذا كانت صلاتنا صادقة المعاني,فهذا دليل علي سمو أخلاقنا,وخلاف ذلك لن نستطيع أن نوجه للسماء مثل هذه الطلبات.
وإن افترضنا أننا لا نتحلي بهذه الأخلاق النبيلة,فإن مجرد طلبنا إياها بصدق وإلحاح سوف يحقق لنا الله لنعيش في أفضل حال.
فالشخص الذي يتكاسل عن الصلاة,يخطئ في حق نفسه,لأنه يرفض كل ما هو ضروري في حياته وتصبح حياته بلا معني,كما أنه يخطئ في حق الآخرين,لأنه سيصبح مقصرا في علاقته بهم وتصرفاته معهم.
إن الصلاة سر عظيم تضمن لنا حياة مزدهرة ومتألقة, وتساعدنا علي التحلي بوجه مشرق ومنير,وعندما نترك الله يعمل فينا بنعمته,يتألق نور الصلاة علي محيانا, ولكن إذا تركنا الصلاة أو تلاشت من حياتنا تنقبض النفس ويظلم نور الوجه ويتحجر القلب للأسف نجد الغالبية العظمي تلجأ للصلاة وقت الحاجة والضيق,فإذا تلاشت الأسباب,ماتت الصلاة داخلهم وفي حياتهم.
هؤلاء لا يدركون أن الصلاة هي بمثابة لقاء ودي بين الله وأبنائه.
هل نستطيع نتخيل ابنا لا يتحدث مع أبيه الذي يضحي من أجله ليوفر له كل ما يحتاج إليه؟أو نقبل الابن الذي لايتكلم مع والده إلا عندما يكون بحاجة إليه فقط؟ مما لا شك فيه أن الجميع سيرفضون هذا التصرف المشين,لأنه مبني علي مصالح شخصية فقط.
لذلك يجب أن تصبح علاقتنا مع الله مبنية علي المجانية,لأن الله مستعد دائما ليمنحنا هباته وعطاياه,وينتظر منا أن نكتشف نعم الصلاة في حياتنا ونختم بكلمات السياسي الإسبانيDonoso Cortes:الذين يصلون يعملون في سبيل العالم أكثر من الذين يحاربون.
وإذا كان العالم يتحول من سيء إلي أسوأ فالسبب أنه يوجد معارك أكثر مما توجد صلوات.