في كوميديا الأخطاء.. يقول شكسبير:
فلنتخل مرة واحدة عن قناعتنا..
كي نجد أنفسنا..
كي نحافظ علي قناعتنا!
هكذا اختتمت الدكتورة ميرفت عبدالناصر مقدمة الطبعة الأولي من كتابها الرائع لماذا فقد حورس عينه؟ في عام .2004
ولماذا فقد حورس عينه هو وفقا لتعريفه الملحق بالعنوان قراءة جديدة في الفكر المصري, صدرت طبعته الثانية من شهر تقريبا, ليعيد طرح ما احتواه من أفكار ربما أنها تلقي اهتماما أكبر في الوقت الحالي, ففي وقت تحظي فيه الحضارة المصرية القديمة باهتمام متزايد من الجيل الجديد, يكون من المنطقي أن يعيد كل صاحب فكرة أو معرفة تتعلق بهذه الحضارة, إعادة طرحها, فالأرض خصبة الآن ومهيأة لاستقبال بذرة كل فكرة أصيلة ربما أكثر من أي وقت مضي.
ليس بعيدا عن الفهم اهتمام العالم بالحضارة المصرية القديمة, وهي بالطبع تنال محبة وتقدير أغلب المصريين, لكننا أيضا ندرك جيدا أن حربا ضروسا استهدفت كل ما يمت لهذه الحضارة بصلة علي مدار سنوات طويلة, وبلغت ذروة تلك الحرب العام الأسود من حكم طيور الظلام, سنوات من التشويه والبغض والحقد لكل ما يمت بالهوية المصرية بصلة, ولحسن الحظ وبرعاية الله أصبح ذلك من الماضي, بل أن الدولة تمنح رعاية حقيقية لإعادة إبراز الهوية المصرية, وبالطبع يستدعي ذلك إعادة إحياء جذورها الموغلة في القدم, وجاء افتتاح متحف الحضارة في الفسطاط, وما صاحبه من حفل أسطوري, إيذانا بميلاد عصر جديد تعلن فيه الدولة عن عظيم تقديرها لحضارة أجدادنا العظماء, ولربما أيضا أن ذلك كان دافعا وراء إصدار الطبعة الثانية من الكتاب الرائع والمتفرد لماذا فقد حورس عينه.
الدكتورة ميرفت عبدالناصر مؤلفة الكتاب, هي نفسها مؤسسة ومديرة التجربة المدهشة هيرموبوليس الجديدة, المحاولة العصرية لإعادة إحياء مدينة هيرموبوليس المصرية القديمة منارة الثقافة والفنون والعلوم في المنيا, فالأمر إذن ليس مصادفة ولا اهتماما عابرا, فالطبيبة النفسية التي عاشت لسنوات طويلة في إنجلترا, وضعت نصب أعينها مهمة التعريف بالحضارة المصرية القديمة بكل ما تعنيه الكلمة من معني, بأسلوب سهل وسلس وقادر علي الوصول للجميع, ثم تركت حياتها العملية وراءها وعادت إلي مصر لتؤسس تجربتها في المنيا, وتهب حياتها لإثراء معرفة المصريين بعظمة حضارة جدودهم وبمدي قدرتها (الحضارة) علي تقديم كنوزها لهم في هذا الزمان.
من هنا نجد أن لدينا مشروعا متكاملا تقدمه الدكتورة ميرفت, من خلال أعمالها الموسوعية للصغار الكبار, وكذلك من خلال هيروموبوليس الجديدة, ثم إعادة نشر عدد من كتبها الموسوعية, وكان آخرها الكتاب موضوع المقال, والذي يقدم ببساطة وسلاسة متناهية معني الوطن والدولة وقيمة الحاكم لدي المصريين, مفاهيم عميقة للغاية تساعد كثيرا في فهم أبعاد الشخصية المصرية, ليس قديما وحسب, وإنما أيضا الإنسان المصري المعاصر وهو أمر أمر جد عظيم.
كل ما أرجوه وأتمناه أن تجد أعمالا مثل هذه طريقها للجيل الجديد بشتي الطرق, أسرعها, وأبسطها, نحن الآن أمام ميلاد جديد لمصر تستعيد عظمتها, وجيل بدأ يدرس مناهج مختلفة منذ الالتحاق بالمدرسة, مناهج تمنح الحضارة المصرية القديمة ما تستحق من احترام: فلما لا نعمق أكثر من فهم أبنائنا لأعظم حضارة عرفتها البشرية؟ الحضارة التي تستحق أن يفخروا بها إلي الأبد ولكن عن فهم وليس مجرد فخر بلا دراية.
أتمني أن يجد كتابا مثل لماذا فقد حورس عينه طريقة إلي ساحات الدراسة ليس باعتباره منهجا دراسيا وإنما مادة للمعرفة والمناقشة, وليكن ذلكنواة لحركة تعريفية بالحضارة المصرية لدي طلاب المدارس تحببهم فيها, وتنقل إليهم علومها وقيمها الحضارية عظيمة القيمة, فيكونوا هم أنفسهم جنود الدفاع عنها إذا ما حاول الظلام الاقتراب منها مرة أخري لا قدر الله.
عام دراسي جديد يقترب, ودولة تفخر بحضارتها وتتباهي بها أمام العالم, وأبناء يحتاجون لتغذيتهم بعمق حضارتهم, كل ذلك يخلق حماسا قويا لبدايات مشرقة تناسب زمنا يشهد ميلا مجد مصر الجديدة.