ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
امتحنوا كل شيء
بعض الكنائس تصلي في اليوم الواحد أكثر من قداس, وقد تصلي قداسا خاصا لفئة معينة من الشعب, وبعض هذه القداسات تقام في المساء وذلك في الأعياد, والتناول من جسد الرب ودمه متاح لأي إنسان وفي أي وقت..
تأملنا في العدد الماضي:
امتحان الإيمان, امتحان الأقوال
ضمن مجالات امتحان النفس
وهذا العدد نتأمل في:
امتحان العمل, امتحان ممارسة سر التناول
ثالثا: امتحان العمل
يقول معلمنا بولس الرسول: ليمتحن كل واحد عمله, وحينئذ يكون له الفخر من جهة نفسه فقط, لا من جهة غيره (غلا6:4).
امتحن عملك.. مع من تعمل؟ ما الهدف من عملك؟ ما نوع العمل الذي تعمله؟ وهل عملك يساهم في بناء المجتمع؟ هل تساهم في بناء الكنيسة وخدمتها؟
يجب ملاحظة أن كل مبني ضخم يبدأ بطوبة, وإن لم يفتخر الإنسان بعمله فهذا يعني أنه لا يري أي فائدة لعمله.
قصة:
ثلاثة أشخاص كانوا يقطعون حجارة في الجبل, فمر عليهم رجل سأل الأول ماذا تفعل؟
أجابه قاطع الأحجار الأول بكل غضب: ألا تري أني أقطع الأحجار!!
ثم سأل قاطع الأحجار الثاني: ماذا تفعل؟
فقال له: إني أقطع الأحجار, لكي ما أكسب لقمة عيشي.
ثم سأل قاطع الأحجار الثالث: ماذا تفعل؟
فأجاب بكل فرح: إني أقطع الأحجار, لكي ما أشترك في بناء بيت لله.
ونري هنا أن هؤلاء الثلاثة رجال كانوا يقومون بنفس العمل, ولكن نظرة كل واحد منهم للعمل كانت مختلفة تماما, فهناك من يعمل وهو يشعر أنه مضطر لأداء هذا العمل, ولكن هناك آخر يعمل وهو يشعر بالفرحة, وأنه يعمل عملا جيدا ومهما, مهما كان هذا العمل صغيرا جدا.
فمثلا عندما نري شخصا يقوم بنقل بعض الأشياء علي عربة بسيطة في الشارع, فهو يعمل عملا جيدا ويساعد به في المجتمع, فلا يمكن أن نحتقر أي إنسان مهما كان عمله بسيطا.
ولا يمكن لأحد أن يقول أنا بنيت الكنيسة الفلانية أو المنشأ الفلاني, لأنه لكي يتم هذا العمل لابد أن يتعب كثير من الإداريين والعمال والمهندسين.. إلخ ,لكي ما يكتمل هذا البناء الذي قد يستخدمه آلاف من الأشخاص.
وفي إحدي المرات جلست أتأمل في العمال الذين يقومون بالعمل في بناء إحدي الجامعات المشهورة في العالم, فوجدت أن أغلب العاملين في البناء من ذوي التعليم المحدود رغم أنهم يقومون ببناء جامعة كبيرة تمنح أكبر الشهادات العلمية, ويتخرج منها أناس في أرقي الوظائف.
وإن نظرنا إلي هذه الصورة نجد أن هؤلاء العمال البسطاء كان لهم بعض الفضل علي هؤلاء العلماء والأساتذة الكبار الذين تخرجوا من هذه الجامعة, لأن هؤلاء العمال هم من تعبوا في إنشاء هذه الجامعة.
لذلك هناك نظرية تقول: جيل يبني وجيل يجني, فمثلا من حوالي مائة عام, قام آلاف من العمال بحفر قناة السويس, ولكن نحن الآن الذين نجني ثمرة هذا العمل حيث إن قناة السويس هي أحد مصادر الدخل المصري.
وبذلك يمكننا ملاحظة أن:
+ هناك أعمال روحية وأعمال جسدانية.
+ هناك إنسان يعمل بحسب مشيئة الله, وإنسان لا يعمل بحسب مشيئته.
+ هناك إنسان يعمل لمجد نفسه وإرضاء لكبريائه ولسيطرته علي الآخرين.
+ أيضا البداية في العمل ليست كل شيء إنما الاستمرارية.
هذا يجعلنا ندرك أن كل عمل له قيمته وفائدته, ومعلمنا بولس الرسول يحدثنا بكل الحزن عن تلميذه ديماس الذي بدأ العمل معه بحماس وحب وتضحية, لكن يقول عنه بعد ذلك: لأن ديماس قد تركني إذ أحب العالم الحاضر (2تي4:10).
+ اسأل نفسك, هل تحترم العمل الذي تقوم به وتقدره؟ هل تقوم بعملك بكل أمانة؟ هل تؤدي خدمتك كما يجب حتي إن كانت هذه الخدمة في قرية بسيطة أو بعيدة؟
فالإنسان في عمله يحتاج الأمانة, وطول الأناة, والصبر والتضحية, وكأنه في عمله أو خدمته يتاجر بوزناته بدون أنين أو تذمر.
فإذا كنت طبيبا أو مدرسا أو محاميا أو خادما في الكنيسة, فاعمل كل ما تعمله بالصدق, واحذر الغش واللهوجة.
وهناك مثل لطيف يقول: مسمار ينقذ حدوة, وحدوة تنقذ حصان, وحصان ينقذ فارس, وفارس ينقذ أمة, فالعامل الذي يثبت المسمار في حدوة الحصان, يجب أن يؤدي عمله بكل أمانة حتي لا يقع الفارس من فوق ظهر الحصان, وحتي تنتصر الأمة, وهذا يبين لنا مدي أهمية عمل هذا العامل البسيط في إنقاذ شعب.
+ العمل مهما كان صغيرا يكون له قيمته, والأمين في عمله لا يقبل الحرام علي نفسه ولا علي بيته, فيجب أن يكون سلوكك ونقاوتك واضحة, فامتحن نفسك في عملك واسأل نفسك: هل عملك يرضي الله أم لا؟ وهل الله يفرح بعملك هذا؟
رابعا: امتحان ممارسة سر التناول
إن سر التناول (الإفخارستيا), هو قمة أسرارنا, وكنائسنا مليئة بالقداسات, فهل تتقدم للتناول وأنت تشعر برهبة هذا السر؟
فيقول معلمنا بولس الرسول: ولكن ليمتحن الإنسان نفسه, وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس. لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب (1كو11:28-29).
الأب الكاهن في بداية صلوات القداس يصلي ويقول: أنت يا سيد تعلم إني غير مستحق, ولا مستعد ولا مستوجب, لهذه الخدمة المقدسة التي لك.
ثم بعد التقديس يقول: اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا, فهل يهتز كيانك كأب كاهن لهذه الكلمات وأنت مقبل علي رفع جسد الرب ودمه؟
إن الاستعداد الصحيح للتناول هو التوبة والاعتراف, والتناول باستحقاق هو التقدم برهبة وخشوع وتقدير لعظمة هذا السر, مع الشعور بعدم الاستحقاق, لأنه من يجرؤ أن يقول إنه مستحق للتناول.. هل لك طهارة أحشاء العذراء مريم التي حملته في بطنها؟!
من يظن أنه مستحق فهو غير مستعد, ولكن من يقر أنه غير مستحق, فهو يكون مستعدا, فالهدف الحقيقي للاستتعداد هو أن تشعر بعدم الاستحقاق.
والاستحقاق لا يعني البر الذاتي للشخص, فلا يوجد أي مخلوق مهما كانت روحياته وفضائله مستحقا للتناول من جسد الرب ودمه.
إذا الاستحقاق هو الشعور بعدم الاستحقاق مع ممارسة التوبة والاعتراف. والتناول عطية محبة لكل نفس تائبة معترف بخطاياها.