ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
امتحنوا كل شيء
صاحب الإيمان القويم لا يشترك في أي أعمال ظلمة مهما كانت صغيرة, لذلك يجب أن تحقق إيمانك لتعلم ما هو معدن إيمانك؟ وهل هو إيمان صحيح أم ماذا؟..
مجالات امتحان النفس:
هناك خمس مجالات نستطيع أن نمتحنها في حياتنا, وهي:
أولا: امتحان الإيمان
الإيمان هو الذي يكون العقيدة التي تعيش فيها, ويكون سلوكك الروحي وسلوكك العام في الحياة, يقول معلمنا بولس الرسول: جربوا أنفسكم, هل أنتم في الإيمان؟ امتحنوا أنفسكم (2كو13:5).
كثير ما نميل لأن نخدع نفوسنا ونعتقد أن مجرد الاعتراف باسم المسيح يعني الإيمان به, فراجع نفسك دائما, واسألها هل أنت في الإيمان؟ واحذر أن يكون إيمانك شكليا أو نظريا, فالإيمان حياة.
فالإيمان ليس هو مجرد الاعتراف باسم المسيح, أو هو مجرد لحظة, الإيمان هو حياة.
اسأل نفسك, هل إيمانك بالمسيح هو محور حياتك كلها؟ وهل إيمانك بالمسيح يعني أنه هو السيد والحاكم لحياتك, وهو الذي يدير عمرك؟ وهل إيمانك بالمسيح هو المنظم لحياتك؟
هل تعيش في المسيح؟ هل المسيح يحيا فيك؟ هل تسلك بحسب وصاياه؟ هل تلتزم بكل تعاليمه؟ هل تفعل ما يرضيه؟
ولكن تمتحن إيمانك..
+ يجب أن يكون إيمانك صحيحا مبنيا علي التعاليم والعقائد التي تسلمتها الكنيسة عبر تاريخها الطويل من ربنا يسوع المسيح مرورا بالتلاميذ والآباء الرسل, إلي انتهاء الدهور ومجيء ربنا يسوع المسيح.
ومعلمنا بولس الرسول يقول لتلميذه تيطس: وأما أنت فتكلم بما يليق بالتعليم الصحيح (تي2:1).
لذلك الذي يعلم يجب أن يعلم تعليما صحيحا, والألفاظ والمصطلحات يجب أن تكون دقيقة للغاية, فالإيمان ليس مجرد لاهوت, وهناك عبارة لطيفة تقول: إنه فيما يتجادل دارسو اللاهوت في العقائد ويختلفون, يتسلل البسطاء إلي الملكوت.
+ يجب أن يكون الإيمان مرتبطا بالحياة الطاهرة, فالإيمان ليس شكلا ولكنه فعل, والأمثلة علي ذلك كثيرة في الكتاب المقدس وسير القديسين.
+ أن يكون إيمانك مقرونا بالاهتمام بالآخرين, فالإيمان ليس ملك الإنسان أي بداخله فقط, ولكنه يترجم إلي اهتمام بالآخرين, كما يعلمنا بولس الرسول: الإيمان العامل بالمحبة (غل5:6), وأيضا يقول: وإن كان أحد لا يعتني بخاصته, ولاسيما أهل بيته, فقد أنكر الإيمان, وهو شر من غير المؤمن (1تي5:8).
+ يجب أن يكون الإيمان بلا رياء, ومعلمنا يعقوب يقول: أرني إيمانك بدون أعمالك, وأنا أريك بأعمالي إيماني (يع2:18), فالأعمال هي التي تكشف قوة ونقاوة الإيمان.
+ يجب أن يحفظ المؤمن نفسه من الاشتراك في أعمال الظلمة, فالإنسان المؤمن لا يستطيع أن يكذب, أو ينظر نظرة شريرة, أو يدخل في صداقة رديئة.. إلخ لأنه أية خلطة للبر والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ (2كو6:14).
ثانيا: امتحان الأقوال
إن أكثر نشاط يقوم به الإنسان كل يوم هو الكلام, سواء عن طريق الكلام المباشر, أو عن طريق التليفون, أو عن طريق الكتابة, أو عن طريق القراءة.. وغيره من طرق التواصل.
اسأل نفسك هل تستطيع أن تفرز ما تسمعه من كلمات, إن كانت جيدة أم رديئة؟ أفليست الأذن تمتحن الأقوال كما أن الحنك يستطعم طعامه؟ (أي12:11). وهل أذنك تستطيع أن تميز ما تسمع؟ وتقوم بعملية تنقية لما تسمعه, فمثلا الإنسان عند ركوبه الطائرة قد يستخدم سدادة للأذن, لكي لا يستمع إلي صوت الضوضاء, ولكن هناك أيضا كلمات أصعب من هذه الضوضاء, فهل لك القدرة علي حفظ أذنك من بعض هذه الكلمات؟
وهنا نسأل ما هي الكلمات التي يجب أن نحذر منها؟
+ احذر من اللسان الواشي أي الإنسان الذي يشي, فاللأسف يوجد بعض الناس يستمتعون بعمل الوشايات ضد الآخرين.
مثال.. مردخاي وهامان الشرير
وشي هامان للملك أحشويروش بكلام شرير عن شعب اليهود, وكيف أنهم لا يطيعونه ولا يخضعون له, لدرجة أن هذا الشريرأخذ تفويضا من الملك, لإبادة كل شعب اليهود.
وأرسلت الكتابات بيد السعاة إلي كل بلدان الملك لإهلاك وقتل وإبادة جميع اليهود من الغلام إلي الشيخ والأطفال والنساء في يوم واحد (أس3:13), أما مردخاي فقد أراد هامان أن ينتقم منه انتقاما خاصا نظرا لعدم سجوده له, فصنع له صليبا كبيرا لكي ما يقوم بصلبه عليه: فليعملوا خشبة ارتفاعها خمسون ذراعا وفي الصباح قل للملك أن يصلبوا مردخاي عليها (أس5:14), ولكن الله الذي يدبر حياتنا ويضبط هذا الكون غير كل هذه الأحداث وأنقذ شعب اليهود.
+ انتبه من الشخص الذي يتملقك, فالتملق إحدي الآفات الضارة جدا وخصوصا في الخدمة.
والتملق هو الجرعات الزائدة من المديح, فالمديح المعتدل شيء مقبول ومشجع, أما إن زاد فيضر, تماما كجرعة الدواء الزائدة تسبب أضرارا تصل إلي التسمم.
لهذا احذر من الذي يتملقك, حذرك من لدغة الحية سامة, فهناك إنسان يستمتع بكلام المديح, وهذا قمة الخطايا, لأن هذا يغذي ذاته وداخله, ويبعد مجد المسيح من القلب.
يقول معلمنا بولس في هذا: لئلا يخدعكم أحد بكلام ملق (كو2:4), فانتبه وامتحن نفسك.
ويقول أحد الفلاسفة: إن الله خلق للإنسان أذنين, علي امتداد واحد, لكي نسمع من واحدة, ونخرج الكلام غير المناسب, أو غير اللائق من الأذن الأخري, وقد وضع الله عقل الإنسان في الوسط بينهما لكي ما يقوم بعملية التقييم.
+ احترس من الخبثاء والمخادعين, ومثل هؤلاء الأشخاص متواجدون في كل مكان وزمان, وفي جميع أنواع المجتمعات, من مجتمعات عامة أو مجتمعات كنسية.. إلخ.
لذلك صل قبل عقد أي مقابلة مهمة, وفي أثناء اللقاء يمكنك أن تصلي في قلبك لكي ما تستمد قوة من الله تستطيع بها أن تفرز هذا الكلام ما إن كان صادقا أم مخادعا, ويقول المزمور: لأنهم لا يتكلمون بالسلام, وعلي الهادئين في الأرض يتفكرون بكلام مكر (مز35:20).
ومعلمنا بولس الرسول يقول: وبالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء (رو16:18).
+ احترس من الإنسان المجادل, فهناك شخص يتناقش ويجادل كثيرا في موضوع, لا ليصل إلي الحقيقة أو له استعداد للاقتناع, ولكن رغبة في النقاش والجدل ولفرض رأيه علي الآخرين والتشكيك فيها.
وبذلك لا يكون فيه روح الله, كما يقول معلمنا يعقوب: ليست هذه الحكمة نازلة من فوق, بل هي أرضية نفسانية شيطانية (يع3:15).