1ـ أحيانا لا نشكر, لأننا لا ننظر إلي النقط المضيئة في حياتنا, بل نركز في المتاعب وحدها.
تركيزنا في المناصب, يجلب لنا الحزن والقلق والتذمر والتشاؤم… وكل هذا لا يعطي طبعا أي مجال للشكر..
وأنا أريدكم أن تبدأوا عامكم الجديد بفرح وبشاشة, لذلك تذكروا كل الأشياء المفرحة التي مرت بكم, واشكروا عليها.
2ـ ونحن أحيانا لا نشكر لأننا ننسب الأشياء المفرحة في حياتنا لغير الله.
إذا نجحنا ننسب ذلك إلي ذكائنا, أو إلي مجهود مدرسينا أو إلي سهولة الامتحان. وتختفي معونة الله في كل ذلك.
وكذلك إن شفينا, ننسب ذلك إلي الأطباء. وإن وفقنا في عملنا, ننسب ذلك إلي قدراتنا وكفاءتنا, وإن نجونا من حادثة نرجع ذلك إلي مهارة السائق وبالتالي يختفي الله من أسباب أفراحنا, فلا نشكره علي شيء.
3ـ وأحيانا لا نشكر علي شيء, إلا إذا فقدناه أو حرمنا منه.
لا نحس النعمة التي نحن فيها, إلا إذا ضاعت منا, فلا نشكر الله علي وجود الوالدين ولا نشعر ببركتهما, إلا إذا توفي أحدهما. ولا نشكر علي ما نحن فيه من صحة, ولا نعرف قيمتها إلا إذا مرضنا. بل لا نشعر ببركة وجود النور في الحجرة, إلا إذا انقطع التيار الكهربائي.
4ـ وأحيانا لا نشكر, لأن الأمر أصغر من أن نشكر عليه, أو هكذا نراه.
وهنا نتذكر قول أحد الآباء الروحيين الذي لا يشكر علي القليل, كاذب هو إن قال إنه يشكر علي الكثير.
أو من الجائز أنه أمر طبيعي أو عادي, لا يستحق الشكر: ولماذا لا نشكر علي الأمور الطبيعية الجميلة.
لماذا لا نشكر الله علي الطبيعة الجميلة؟
لماذا لا نشكره علي الجو إن كان صحوا! هل ننتظر إلي أن يكفهر الجو, ثم نشعر أننا فقدنا شيئا؟وهنا وأقول في غوائق الشكر:
5ـ إننا كثيرا ما نفرح بالنعمة ونكتفي بالفرح دون أن نشكر..
نفرح بالخير الذي نحن فيه, دون أن نشكر علي هذا الخير. كتلميذ يفرح بنجاحه, أو فتاة تفرح بخطبتها, أو موقف يفرح, دون أن يتقدم أحد هؤلاء بالشكر لله…
إن الله ليس محتاجا إلي شكرنا, ولكننا نحن نحتاج إلي ذلك. لماذا؟
لأننا بالشكر نتذكر إحسانات الله إلينا ومحبته لنا, فتزداد رابطتنا له عمقا ونحبه, وهذا مفيد لنا روحيا, كذلك ندل بهذا الشكر علي نقاوة قلوبنا, لأن عدم الشكر فيه عدم عرفان بالجميل, وعدم تقدير من أحبنا.
6ـ وأحيانا نحن لا نشكر, لأننا لم نعتد ذلك في حياتنا.
إن كنا لا نشكر إخوتنا البشر علي خدماتهم لنا, فطبيعي أننا قد لا نشكر الله أيضا. وكما قال الرسول: إن كنت لا تحب أخاك الذي تراه, فكيف تحب الله الذي لا تراه؟ (يو 4:20) ونفس الكلام نقوله عن الشكر.
لذلك عود نفسك أن تشكر غيرك علي كل أمر يعمله من أجلك مهما كان ضئيلا, ثم بعد ذلك قل لي في داخل نفسك:
أشكرك يارب لانك أرسلت لي من يساعدني, ومنحت هذا الإنسان قدرة علي أن يخدمني.
وهكذا تشكر الله والناس في نفس الوقت. تشكر أخاك الإنسان لأنه كان العامل المباشر المرئي, وتشكر الله لأنه مهد كل هذا بطريقة غير مرئية لك.
7ـ وأحيانا نحن لا نشكر, بسبب أنانيتنا..
لا نفكر إلا في ذاتنا, فإن أخذت, تكون قد اكتفيت, لا تفكر في اليد التي أعطتها. كإنسان جائع, يوضع أمامه طعام, فيأخذ في النهامة, دون أن يفكر يمن قدمه له, أو في شكره علي ذلك.
كذلك نحن ننشغل بذواتنا في أخذها, دون أن نتطلع إلي وجه المعطي.
كإنسان فتح له الله أبواب الرزق, فتراه ينشغل بالرزق, وبجمعه وتكويمه وإنمائه, ولا يتفرغ ولو لحظة لكي يشكر من وهبه الرزق.
8ـ ونحن أحيانا لا نشكر, لأننا ننسي:
نفس العطية ونفس المعطي, وننسي الشكر. ولو دربنا أنفسنا علي الشكر, لكان هذا التدريب يحفر في ذاكرتنا أشياء لا ننساها:
منها أن كل خير نعيش فيه هو عطية من الله: الحياة, والصحة, والعمل, والمال وكل شيء.. ومادام هو عطية إذن فلنشكر معطيها.
9ـ وأحيانا لا نشكر بحجة أن ما نشكر عليه هو من الأمور الذاتية الشخصية..
وهنا نخلط بين الذاتي والمواهب. فأنت تفكر حسنا, ولا تشكر علي موهبة التفكير التي وهبها لك الله أيضا.. حقا أنك ذكي وتفهم. ولكنك لا تقول مع المرتل مبارك الله الذي أفهمني.
لا تظن أن الذكاء شيء ذاتي. إنه موهبة من الله تحتاج إلي الشكر. وكذلك موهبة أخري كالشعر والموسيقي والجمال والقوة..
وكذلك كل حياتك الروحية….
10ـ وأحيانا لا نشكر, لأننا لا ندرك حكمة الله…
أمور كثيرة تمر بنا, ولانشكر عليها, بل علي العكس قد نتضايق منها, أو نتذمر بسببها. وكل ذلك لأننا لا ندرك حكمة الله فيها. ولو أدركناها لشكرنا الله كثيرا.
العيب فينا إذن. لنا عيون ولكنها لا تبصر الخير في كل ما يمر بنا من أحداث ومن أمور..
إن بيع يوسف الصديق وإلقاءه في السجن, كان وراءه خير, ربما لم يره يوسف في ذلك الحين ولم يشكر عليه, إلا بعد أن تم…
11ـ وأحيانا نحن لا نشكر علي خير, بسبب المقارنة..!
لا نشكر علي ما أعطانا الله, لأننا نري أن غيرنا عنده أكثر منا, أو ماهو أفضل.. أو لأن غيرنا أخذ مثلنا وهو لا يستحق..
مثال ذلك: موظف في شركة يتقاضي مرتبا ما كان يحلم به, وهو أضعاف أضعاف مرتبات بعض زملائه في وظائف عادية. ومع ذلك تراه لا يشكر الشركة, لأن بعض موظفيها يأخذون مرتبات أكثر منه…! وبالتالي لا يشكر الله…
قارن نفسك بمن هو أقل منك, فتشكر الله. ولا تقارن نفسك بمن هو أعلي, لئلا تتذمر..
كإنسان مليونير ولا يشكر الله, لأن هناك من هو أكثر في الملايين, كلما قارن نفسه به, يتضايق, ويشعر أن ما عنده قليل وتافه, ولا يستحق الشكر إطلاقا. وهذا يقودنا إلي نقطة مشابهة وهي:
12ـ هناك من لا يشكر, بسبب الطموح.
باستمرار له تطلعات أعلي من مستواه, وله رغبات أكثر مما في يديه, وكلما اتجه إلي هذا الطموح, استصغر ما عنده, وأصبح لا يشكر عليه.
والطموح في حدود الاعتدال وفي عدم شهوة العالم ليس هو خطية. ولكن…
ولكن الطموح لا يمنع الشكر. اشكر الله علي ما معك, فيعطيك أكثر.
كذلك لا يجوز أن الطموح يجعلك تحتقر ما وهبك الله إياه.. فإن كانت تطمح أن تكون أستاذا في الجامعة, ليس معني هذا أنك لا تشكر الله الذي جعلك في هيئة التدريس, وساعدك علي الوصول إلي درجة أستاذ مساعد…
كثيرون هم ضحايا الطموح الخاطئ وبسببه ينسون إحسانات الله, ويعيشون في حزن وتذمر؟
أما الطموح الروحي فليس له ضحايا, إن عاش أصحابه في حياة الاتضاع, شاكرين الله, وراغبين في الامتلاء من حبه…
13ـ وأحيانا البعض لا يشكر لأن من طباعه التذمر, أو الجشع, أو محبة العالم…
وهؤلاء يعيشون في الخطية, وليست لهم صلة بالله, ولا يعترفون بفضله عليهم. إنما كل همهم هو متعة العالم. وكما قال الكتاب كل الأنهار تجري إلي البحر. والبحر ليس بملآن (جا 1:7).
افرح بما في يديك, واشكر الله. ولا تقل: ملء يدي لا يكفي, أريد أيضا إمتلاء جيوبي وخزائني:
إن الطمع, يمنع الشكر, بلا شك وإن لم يعتد الإنسان حياة القناعة, فمن الصعب عليه أن يصل إلي حياة الشكر…
14ـ وأحيانا يكون عدم الشكر, بسبب ضعف الحياة الروحية كلها.
فهذا الإنسان لا يشكر الله مثلا لأنه لا علاقة له بالله إطلاقا فلا شكر كما أنه لا صلاة, ولا قراءة كتاب, ولا حضور اجتماعات روحية, ولا شركة مع الله في شيء.
ويحتاج هولاء إلي أن يدخلوا في الحياة مع الله. وحينئذ, حينما يشكرون الله الذي أعطاهم فضل معرفته, سيشكرونه علي باقي الأمور.
فضائل تتعلق بالشكر..
إن الفضائل ترتبط بعضها بالبعض الآخر, كما أن الخطايا ترتبط ببعضها البعض.
فالشكر يرتبط بالقناعة, والذين يعيشون في القناعة دائما يشكرون.
والشكر يرتبط بالتواضع, فالإنسان المتواضع يشعر أنه لا يستحق شيئا, لذلك يشكر علي كل شيء مهما كان قليلا.
والشكر يرتبط بالإيمان, فالإنسان بالإيمان يثق أن الله حافظ ومعين ومحب, وأنه يحول كل شيء إلي خير, لذلك يشكر علي كل شيء.
والشكر يرتبط بالفرح والسلام. إنهما وليدان له. فكلما يشكر يمتلئ قلبه سلاما وفرحا, وكذلك إن كان في قلبه سلام وفرح, فحينئذ سيشكر.
والإنسان الشاكر, بالشكر ينجو من أمراض ومشاكل كثيرة تحيط بالمتذمرين غير الشاكرين.