توفي إلى رحمة الله تعالى، صباح اليوم الثلاثاء 21 سبتمبر 2021، المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع السابق قائد المجلس العسكري بعد تنحي الرئيس الأسبق مبارك، والذي تولى حكم البلاد في فترة من أصعب المراحل التي مرت مصر في تاريخها الحديث، وهي منذ
تنحي مبارك وحتى وصول الإخوان إلى حكم مصر بعد انحياز الجيش إلى الشعب في ثورة 25 يناير.
ولد محمد حسين طنطاوي سليمان في 31 أكتوبر 1935 في شارع عبد العزيز جاويش، بحي عابدين بالقاهرة، لأب موظف بسيط نوبي من قبيلة الفدكة بقرية أبو سمبل، أسوان.
حصل محمد حسين طنطاوي على بكالوريوس في العلوم العسكرية، من الكلية الحربية، عام 1956، وهو متزوج، وله ابنين.
مناصب تولاها المشير طنطاوي
المشير محمد حسين طنطاوي سليمان (و. 31 أكتوبر، 1935)، هو وزير الدفاع والإنتاج الحربي المصري، والقائد العام للقوات المسلحة وعضو مجلس الوزراء، منذ 4 أبريل 1993، حتى إقالته في 12 أغسطس 2012 وتعيينه مستشاراً لرئيس الجمهورية.
شغل المشير طنطاوي منصب رئيس الجمهورية بالإنابة بصفته رئيس المجلس العسكري، في 11 فبراير 2011، على إثر الثورة المصرية وتخلي حسني مبارك عن رئاسة الجمهورية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
ويعتبر المشير محمد حسين طنطاوي أحد أهم أركان الجهاز العسكري المصري خلال السنوات الماضية، استطاع خلالها المحافظة على هيبة الدولة المصرية واحترامها من قبل أعدائها قبل أصحابها، وإلى جانب قيادته القوات المسلحة منذ 20 عاماً كوزير للدفاع والإنتاج الحربي، أصبح يرأس الآن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي أوكل إليه الرئيس السابق محمد حسني مبارك مهمة إدارة شئون البلاد بعد تنحيه عن السلطة.
ورغم إيمانه بأن مصر دولة تؤمن بالسلام وتعرف جيدًا أنه ليس لها عدائيات مباشرة، إلا أنه اتبع استراتيجية تؤكد أن القوات المسلحة تمتلك الجاهزية الدائمة للدفاع عن أرضها في أي وقت، فأصبح الحفاظ على أمن مصر القومي بمفهومه الشامل وسلامة وقدسية أراضيها ومصالح شعبها هو المهمة الرئيسية للقوات المسلحة.
ودائما ما كان يرى أن مصر مستهدفة، لذلك كان حريصًا على أن تتحلى القوات المسلحة في عهده بأعلى درجات اليقظة من خلال الاحتفاظ بأعلى درجات الكفاءة والاستعداد القتالي، وإدراك ما يدور حولها من أحداث ومتغيرات.
المشير طنطاوي: ” نمت في حرب أكتوبر”
خلال الاحتفال بذكرى نصر 6 أكتوبر 1973، أذاع التليفزيون المصري الرسمي مقطع فيديو نادر للمشير محمد حسين طنطاوي، وهو يتحدث عن بطولات الحرب التي قدمتها الكتيبة 16- مشاة، وهي من أولى الكتائب التي قامت بعملية العبور.
كان طنطاوي، وقتها برتبة عميد أركان حرب، رأس تلك الكتيبة وروى خلال الفيديو صورًا من المعارك التي خاضها أبناء الكتيبة، وذكر أسماء عدد من الذين استشهدوا منذ اندلاع الحرب في السادس من أكتوبر وحتى قرار وقف إطلاق النار.
رئيس المجلس العسكري السابق، أكد أن كتيبته قامت بعبور قناة السويس في توقيت قياسي قبل الموعد المحدد للعبور من خلال الدفع بالدبابات، كما كانت أحد العناصر التي رفعت علم مصر في الضفة الشرقية قبل عبور القوات الرئيسية.
وأكد “طنطاوي” أنه خلال الحرب الدائرة، مر عليه يومان وهو مستيقظ، وقرر أن ينام لبضع ساعات، وشدد على الضباط أن يوقظوه إذا حدث شيء، وبعد نصف ساعة كانت عناصر من القوات الإسرائيلية تحاول اختراق حقول الألغام في المواجهة، فاستيقظ على الفور وقرر قيادة الكتيبة للتعامل معهم.
“طنطاوي” وحرب المزرعة الصينية
ومن أكثر معارك العبور بسالة وهي »معركة المزرعة الصينية« التي كان بطلها وقتذاك المقدم حسين طنطاوي قائد الكتيبة 16 على جبهة القتال وتعرضت مع الكتيبة 18 لهجوم شرس من القوات الإسرائيلية في 15 أكتوبر بعد تطوير الهجوم على محور الطاسة- الدفرسوار في مواجهة منطقة تسمى بالمزرعة الصينية، غير أن المقاومة المصرية كانت أشد شراسة فأوقعت في صفوف القوات الصهيونية خسائر فادحة، حيث خسر القائد الإسرائيلي » عوزي مائير« 70 من أكفأ رجاله لقوا حتفهم، بينما أصيب ضعف هذا العدد على يد المصريين .
محطات وقرارات في ظروف صعبة
في تسارع للأحداث إبان ثورة يناير وتحت الضغط الشعبي والإعلامي، قرر المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تشكيل لجنة قضائية تختص باتخاذ كل الإجراءات القضائية والقانونية ضد الرئيس السابق حسني مبارك وأفراد عائلته, المتعلقة بتضخم ثرواتهم، التأكد من المعلومات المنشورة بشأن تملك مبارك وعائلته عقارات ومنقولات وحسابات مصرفية خارج مصر، وأن يخضع مبارك وأفراد عائلته للسؤال القضائي، والتحقيق معهم بمعرفة إدارة الكسب غير المشروع.
وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أعلن عن قرار المشير، الذي تضمن استصدار الإجراءات التحفظية اللازمة؛ لمنع مبارك وعائلته من التصرف فيما قد يتبين وجوده من أموال عقارية أو منقولة، أو حسابات مصرفية خارج البلاد، ومتابعة تنفيذ ما صدر من أوامر بتجميد هذه الأموال في الدول الموجودة بها، واتخاذ إجراءات كشف السرية طبقًا للقوانين الداخلية لهذه الدول.
كما تقرر اتخاذ الإجراءات القضائية والقانونية اللازمة لاستصدار أحكام قضائية بأحقية مصر في استرداد العقارات والمنقولات وكل الأموال الموجودة في الخارج، في حال ثبوت حصول الرئيس السابق، أو أي من أفراد عائلته عليها بطريق غير مشروع، وكذلك استصدار الأحكام القضائية بإلزامهم بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بالدولة من جراء ذلك في الداخل أو الخارج.
لم نسلم الدولة للإخوان
في حوار أجراه المشير مع صحيفة المصري اليوم وعندما تم سؤاله “لماذا قمتم بتسليم الدولة للإخوان أجاب: “الشعب الذي سلم الدولة للإخوان في ذلك الوقت، أنا اجتمعت بجميع العناصر والجهات المختلفة وكان الناس في ذلك الوقت عايزين الديمقراطية والجيش لا يحكم البلاد لمدة طويلة وقمنا بعمل انتخابات والشعب اختا”.
ويقول الكاتب الصحفىيمصطفى بكري في كتابه لُغز المشير
لغز المشير طنطاوي يكمن في الوصول بمصر إلى بر الأمان، إنه ليس فقط في تحمل مسؤولية البلاد وتسليمها لقيادتها وسط الأخطارمنذ ما بعد عصر يوم 28 يناير 2011 فعليًا، ورسميًا بعد غروب شمس يوم 11 فبراير من العام نفسه، بل في هذه القدرة الجبارة على تحمل ما تنوء بحمله الجبال – كما وصفه الرئيس السيسي -.
والتحمل جاء في مواجهة مخطط واضح الملامح ومعلن عنه لإغراق المنطقة في الفوضى وتدخل فج في أدق الشئون الداخلية للبلاد من جانب قوى عالمية كبرى وإقليمية صغري، مع تحمل ما هو أخطر من ذلك في مواجهة فيالق من المتآمرين من الداخل كانت مهمتهم الأساسية هي تنفيذ المخطط مع إشاعة الفوضى.
اللُغز أيضا يتجلى في القدرة الخارقة للمشير على تحمل الحرب النفسية التي استهدفت القوات المسلحة المصرية، فقد كان يعرف منذ اللحظة الأولى أن استفزاز الجيش لجره للصدام مع قطاعات مع الشعب، هو الهدف الأول وهو الخطر الأول، فلم يكف عن إصدار تعليمات بضبط النفس تجاه أي استفزاز، كما أمر بسحب الذخيرة الحية من قوات الحرس الجمهوري واستخدام طلقات فشنك.
واجه “طنطاوي”، الكثير من التخريب والتدمير والفتن، لعل أخطرها أنه للمرة الأولى في تاريخ حضارة وادي النيل أولى حضارات الإنسانية وصاحبة أول جيش منظم في تاريخ البشرية، أن يرتفع هتاف ضد هذا الجيش من جانب قلة حمقاء مدفوعة من قوى غامضة وتكتب على الجدران ما يسيء للجيش والمشير شخصيا، فيتلقاها بصبر وتحكم في الأعصاب وهو يؤكد أن الهتاف سيخفت ـ وأن الكتابات ستمحي من تلقاء نفسها.
وقد سبق أن قال “طنطاوي”، وكأنه يستشرف ما سيحدث؛ في كلمة ألقاها بين جنود وضباط القوات المسلحة قبيل ثورة 25 يناير كما ذكر بكري في صفحة 30 من الكتاب:”إنه لا يهتم كثيرا بأعداء الخارج لأنهم معروفون جيدًا ولكن المصيبة في عملاء الداخل لأن هؤلاء الأشد خطرا على مصر”.
كان يعرف أن هناك استهدافًا لمصر لأنها قلب المنطقة, وما العراق وأفغانستان ببعيد عنا، فالمخطط الخبيث للشرق الأوسط الجديد »المعلن وغير القابل للجدال« حذرت المخابرات الحربية من أنه سوف يستغل الرفض الشعبي لممارسات النظام في مصر في تفجير الأوضاع ونشر الفوضى في البلاد والعمل على إسقاط الدولة بزعم تغيير النظام.
وقال “طنطاوي”: مبارك نفسه كان يدرك ذلك لكنه استهان وأخطأ في حساباته، فلقي ما لقي، لذلك عندما تفجرت الأوضاع إبان ثورة 25 يناير، كانت القوات المسلحة المصرية جاهزة لتحمل المسئولية رغم جسامتها وهولها، فلماذا كان جزاء من تحمل المسئولية ككرة من نار – كما وصفها هو شخصيًا – أن يلقي كل هذا العنت والكثير من النكران؟.. حدث في حملة خبيثة غامضة استهدفته – ومازالت حتى بعد خفوتها – وصبت عليه نيرانها محاولة إدخاله في صراعات ليس له بها شأن، لكن الحملة فشلت، فلم تنجح سوى في استخدام البذاءات والبلطجة اللفظية التي لا تقوم إلا على الرفض الحانق دون منطق أو وعي.
كان “طنطاوي” يعرف منذ البداية أن هناك أمرًا ما يدبر، فقد كتب بكري في صفحة 52: »كانت المعلومات التي لدى المشير، والتي أفصح عن بعضها قبل الثورة, تقول: إن هناك عاصفة شديدة في الطريق وإن التعامل مع هذه العاصفة بالحكمة والموضوعية هو الذي سيؤدي إلى إنقاذ الوطن وحماية الجيش وتماسكه«.
لكن المخطط نجح في »طرطشة« الدم حتى يمكن اتهام الداخلية بذلك بانتهاز الاحتقان منها؛ بسبب بعض الممارسات المستفزة وهو ما نجح فيه المخطط بداية، وربما أغرى هذا النجاح بمحاولة »جرجرة الجيش« للسيناريو نفسه في أحداث محزنة أورد كثيرا منها مصطفى بكري في كتابه هذا »الذي سيظل أهم وثيقة تنسب للمشير طنطاوي حتى يكتب طنطاوي شهادته بنفسه«.
لكن المشير محمد حسين طنطاوي وزير دفاع مصر ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كان يدرك فشل هذا المخطط مهما بدا من أحداث ومهما يكن حجم المؤامرة، معتمدا على عقيدة القوات المسلحة المصرية الراسخة بعدم الصدام مع الشعب أيا كانت النتائج الناتجة عن تفادي هذا الصدام.
كما أكد طنطاوي في كلمات مباشرة وفي أكثر من مناسبة في حواراته الجانبية مع مصطفي بكري، إيمانه بالشعب المصري وإدراكه بأن الشعب واع وأصيل ولن يتخلى عن قواته المسلحة لأنها من صميمه.
لم يكن كلام المشير عن إيمانه بالشعب كلاما للاستهلاك الإعلامي ولا كان »كلام إنشا«. فقد صدقت الأحداث رؤيته فلم تفلح محاولات بث الفتن في حوادث كثيرة أشهرها أحداث ماسبيرو والعباسية وبورسعيد وغيرها من أحداث لعب بعض النشطاء خلالها أدوارا أقل ما توصف به بالمخزية للإيقاع بين الشعب جيشه ولكنها ذهبت سدى.
تسليم السلطة
كما سرد “بكري”، تفاصيل كثيرة عن دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إنقاذ البلاد من الفوضى، وكذلك تصديه لمؤامرة وضع دستور إخواني عبر أحداث مريرة وتلاعب إخواني وادعاءات كاذبة من رموزهم لا يتورعون عنها وتآمرهم العلني مع المخابرات الأمريكية التي استطاعت استخدامهم ببراعة، إلى درجة أن الإخوان لم يعودوا يخفون صلاتهم بالأمريكان واستقواءهم بالبيت الأبيض في واشنطن والسفارة الأمريكية في القاهرة وقت توليه آن باترسون التي لقبها الشعب المصري بـ”الحيزبون”. ونسي الإخوان أنهم كانوا يتهمون نظام مبارك بالانسياق للولايات المتحدة.
وعند خوض مرشحهم الاحتياطي »محمد مرسي« الانتخابات الرئاسية » رغم وعدهم بعدم ترشح أو دعم مرشح من الجماعة« كان »اللعب على كبير« وكان الكذب والادعاء والنكوص هو سمة عهده.
لقد سلم المشير سلطة الرئاسة إلى الإخوان بعد انتخابات خاض الكتاب في تفاصيلها بما لا مجال لعرضه هنا، مؤمنًا أن الأحداث سوف تحكم في المستقبل.
وانتهى دور “طنطاوي” في 12 أغسطس 2012 بقرار إقالة مفاجئ وغير محسوب العواقب، عقب حادث مذبحة الجنود الصائمين في رفح مع سرد خلفيات مثيرة، وحينئذ ترجل الفارس عن جواده تنفيذًا للأمر الصادر إليه التزامًا بأخلاقيات الجندية التي امتاز بها طنطاوي طيلة حياته تاركًا الحكم للأجيال القادمة لتقدير دوره في أخطر أيام مرت بها مصر والمنطقة العربية في تاريخها المعاصر.