في عودة بعد انتظار.. نظمت، مساء أمس الأربعاء، رابطة السيدات المسيحية لمكافحة المسكرات والمخدرات والإدمان، ندوة بعنوان “من التجربة إلى الإدمان الطريق أقصر مما تظن!”، بالكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة تحدث خلال الندوة الدكتور ماهر صموئيل، الخادم الانجيلي، والاستاذة الدكتورة مها عشم رئيسة الرابطة، وتخلل الندوة صلوات للقس يوسف سمير، راعي الكنيسة، وترانيم روحية للمرنمة نهلة.
سميرة غالي..”جبارة البأس”
في البداية أعرب الدكتور ماهر صموئيل عن شعوره بالسعادة والامتياز لأنه يشارك اليوم في مناقشة قضية الإدمان، وكذلك في تكريم السيدة الفاضلة سميرة غالي، الرئيسة السابقة للرابطة، وأوضح أنها استمرت في هذا المكان لمدة 40 سنة، مؤكداً على دورها الفعال وإنجازاتها الكبيرة في هذا المجال وتمثيلها المشرف لمصر في المحافل الدولية، وأنها امرأة مسيحية إنجيلية مهمومة بقضايا مجتمعها شغوفة بمعاناة شعبها، وأنها استطاعت الخروج خارج حدود خدمة بيتها، والاهتمام بأخرين، وأضاف “صموئيل” أن ما يزيد احترامي لتلك السيدة أنها بدأت هذه الخدمة سنة 79 بمدينة أسيوط، مشيرا إلى أحوال أسيوط في هذا الوقت، وكيف لأمراة إنجيلية تقتحم مجال العمل العام، وتبدأ عملا عظيما كهذا، يقدره المحافظ والمجتمع المدني وقتها، متمنياً أن تكون السيدة سميرة نموذجا يحتذى به من قبل بناتنا، ووصفها “بجبارة البأس” أي المرأة القوية التي تجيد التعامل مع غير المعتاد وغير المألوف.
كما أشار إلى حسن تربيتها لأولاها وأنهم أصبحوا مواطنين صالحين وناجحين، فهم الثلاثة يخدمون الرب في مواقع مختلفة وفي أكثر المناطق المؤثرة، هم الدكتور عماد عشم، والدكتور ماهر عشم، والدكتورة مها عشم، ثم بعد ذلك قدم “صموئيل” الأستاذة الدكتورة، مها عشم، ابنة السيدة سميرة غالي والرئيسة الحالية للرابطة، لتقدم نبذة عن الرابطة وتتحدث بدورها عن قضية الإدمان وطريقه القصير.
تاريخ مشرف
ثم تحدثت الأستاذة الدكتورة مها عشم، رئيسة الرابطة، و شكرت الله في بداية كلمتها على هذه الفرصة التي طال انتظارها والتي تم تأجيلها بسبب الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا، كما قدمت الشكر للدكتور ماهر صموئيل، والقس يوسف راعي الكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة، واستعرضت “عشم” في البداية نبذة عن تاريخ الجمعية، في مصر والشرق الأوسط وقالت، إن البداية كانت في مدينة أسيوط بصعيد مصر في عام 1921 حيث أسست الرابطة السيدة لوريتا هايمان الأمريكية زوجة المهندس المعني ببناء مدرسة الأمريكان بأسيوط، كما تعد السيدة ألس عازر جبران، أول سيدة مصرية تتولى رئاسة الرابطة في أسيوط سنة 1935 و هي زوجة المحامي عازر جيران عضو البرلمان والمجلس الملي، وخدمت بجانب السيدة لوريتا هايمان بأسيوط السيدة مارتل غالي جرجس، والتي انخرطت منذ حداثتها في نشاطات الرابطة، و تولت السيدة مارتل غالي جرجس منصب سكرتير أول للشرق الأوسط سنة 1935 ثم تسلمت رئاسة الجمعية بعد انتقال السيدة أليس جيران، حيث ازدهرت نشاطات الجمعية بمدينة أسيوط وصعيد مصر في عهد السيدة مارتل غالي، واستمرت رئاستها حتى 1979.
وأضافت “عشم” أن السيدة سميرة غالي جرجس، حملت المشعل بعد ذلك، حيث تسلمت رئاسة الجمعية حتى انتقالها في ٥ أكتوبر سنة 2019 ، وهي من أسست فروع للرابطة في المنيا والقاهرة و الإسكندرية وسوهاج، ولم تكل محاولات السيدة سميرة غالي لنشر رسالة مكافحة الإدمان لبلاد الشرق الأوسط فقط، بل كلل الرب مثابرتها عبر السنين لامتداد العمل إلى لبنان و الأردن والعراق، وفي الوقت الحالي تعمل الرابطة في أكثر من ٣٢ دولة في أمريكا وأوربا وآسيا وأفريقيا وأستراليا والشرق الأوسط، وأوضحت “عشم” أن للرابطة رمز في جميع أنحاء العالم وهو “الشريط الأبيض” تعبيرا عن الطهارة ورباط المحبة إلى جانب اتخاذه رمزا لعضوية الرابطة.
لماذا الأطفال والشباب بالتحديد
وفي بداية حديثها عن الإدمان ذكرتنا رئيسة الرابطة، بآيات من الكتاب المقدس وهي: “كل الأشياء تحل لي لكن ليست كل الأشياء توافق”..و”كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط على شئ”، ثم استعرضت الهرم السكاني في مصر موضحة أن القاعدة العريضة هم الشباب الذين تبلغ أعمارهم أقل من 24 سنة، حيث يمثلون أكثر 52 % من سكان مصر، مشيرة إلى أن المروجون للإدمانات يستهدفون الأطفال والشباب بسهولة، وهذا يرجع إلى عدم إكتمال مركز تقدير المسئولية والإحساس بالخطر قبل سن العشرين من العمر، واحتياجهم للشعور بالقيمة والأهمية والحب، وشعورهم بالفراغ وفقدان الهوية.
الطريق أقصر مما تظن
وأوضحت “عشم”، أن مراحل السقوط في الإدمان تبدأ بالفضول وحب الاستطلاع ثم التجربة، يلي ذلك احتياج مستمر للمزيد، وبعدها ينشغل المراهق بالإدمان أكثر من إحتياجاته الأساسية، ثم يقع في أسره ولا يستطيع العيش بدونه ويفقد السيطرة على نفسه، فهو طريق يبدأ بسيط ثم يوسع، مؤكدة أن أفضل الطرق هو الوقاية .
إحصائيات مرعبة
وقدمت رئيسة الرابطة، بعض الإحصائيات فبينت أن الشخص المدخن ينفق أكثر من 6 آلاف جنيه سنوياً على التدخين بحسب إحصائيات أجريت العام الجاري بمصر، وأن نسبة الأسر التي بها شخص مدخن على الأقل ، تمثل أكثر من 41% من الأسر المصرية، كما يوجد 24 مليون شخص غير مدخن بمصر ولكن عرضه للتدخين السلبي بسبب وجود فرد مدخن في الأسرة، وأوضحت أن التبغ به 7000 مادة ضارة مثل الاسيتون، والنفتالين، والقار، منها 69 مادة تسبب السرطان، مشيرة إلى أن الفتيات يقبلن على تدخين الشيشة أكثر من السجائر، على الرغم من ضرر الشيشة البالغ حيث أن 200 “نفس شيشة” يعادل تدخين 100 سيجارة.
إدمان الإنترنت
وعن إدمان الإنترنت أعلنت “عشم” أنه حالياً صنف رسمياً بأنه مرض مثل القلب والسكر، وذكرت أن 96 % من المصريين لديهم هواتف محمولة، وأكثر من 60 % منهم تصل هواتفهم بالإنترنت، وتتضمن هذه النسبة بالطبع الأطفال، مشيرة إلى أن عدد الصفحات الإباحية قفز من 14 مليون صفحة سنة 1998 إلى 260 مليون صفحة سنة 2003 ، وأن النتائج الخاصة بنمو الجهاز العصبي لدى الأطفال أظهرت أن التعرض للجنس والعنف قبل سن 14 سنة يؤدي إلى أضرار بالغة، كما حذرت من خطورة ألعاب “الإفيتار” التي تجعل الأطفال يعيشون في عالم افتراضي غير واقعي، موضحة أعراض اضطرابات إدمان الإنترنت مثل تشتت الذهن، وفقدان الحواجز النفسية والاجتماعية الطبيعة تدريجياً، والتعلق بعلاقات نفسية أو جسدية أو جنسية مع مستخدمين أخرين لشبكة الإنترنت.
الخروج إلى المجتمع
وخلال كلمته عن قضية الإدمان أعرب الدكتور ماهر صموئيل، عن ألمه عند رؤية عائلات المدمنين، لأن في أحيان كثيرة تكون معاناة العائلة أقسى من معاناة المدمن نفسه، فعندما يكون هناك شخص مدمن، علينا أن نضرب الرقم في خمسة على الأقل حيث الألم والذل والهوان يلحق بالعائلة كلها، قائلا: “الأطفال هم أكثر فئة تدمي قلبي، عندما يكون الأب أو الأم سقطوا في الإدمان”.
وعبر “صموئيل” عن إنزعاجه من استئجار من يتاجروا في المخدرات أو الاباحيات علماء في علم النفس من أجل نشر الإدمان وتدمير سلامة الناس، ويرى “صموئيل”، أنه من العار أن تقف الكنيسة مكتوفة الأيدي، وأن نكتفي كمؤمنين بالتجمع في الكنائس لكي نسبح ونفرح ثم نستمع لعظة ونرحل، وشدد “علينا أن نخرج إلى المجتمع، ونحاول أن نعمل أي شئ”.
هل الإدمان مرض جسدي؟
ثم طرح “صموئيل” فكرة النموذج المرضي للإدمان المقدم من الدراسات العلمية، وهو نموذج يحاول أن يقول أن الإدمان هو مرض عضوي مثله مثل أي مرض آخر، فهو يسبب تأثير على كيمياء المخ، مما يجعل الشخص غير قادر على التحكم في تصرفاته فيصبح منجذبا إلى تعاطي المادة التي أعتاد أن يأخذها، وبعدها يحدث التكرار ثم الاعتياد، وبعد ذلك يحاول المدمن أن يزيد من هذه المادة، فلا يشك “صموئيل” أن هذا له تأثير في كيمياء المخ، ولكنه يجد أن الطرح غير كافي و غير دقيق، مؤكداً أن هناك دراسات أجريت على مادة “الدوبامين” الموجودة في المخ وعلاقتها بالمادة التي يدمنها الشخص، وقد أثبتت أن المادة المخدرة غير مسئولة عن زيادة إفراز “الدوبامين”، بل العملية نفسها التي يقوم بها الشخص أثناء سعيه للحصول على المخدر . مشيرا إلى دور البرامج الدينية الروحية المسجلة والمعترف بها التي استطاعت أن تنجح في إيقاف الكثير من المدمنين والتي تؤكد أن الإدمان لا يمكن أن يقال عنه أنه مرض عضوي فقط.
أبعاد أخرى
وأوضح “صموئيل” أن لمرض الإدمان أبعاد أخرى، وإذا قدمنا نموذج طبي عضوي مرضي يحاول تفسير ظاهرة الإدمان سيكون الأمر غير كافي، مشيرا أن هذه الأبعاد يجب أن تقدم من خلال طرح فلسفي وطرح نفسي وطرح روحي .
الطرح الفلسفي
وعن الطرح الفلسفي قال “صموئيل” إنه سيصيغه تحت عبارة “المدمن في الأصل هو مثلي ومثل أي إنسان على الأرض يبحث عن شئ مفقود”، وقد وجد الفلاسفة أن السعادة من الأشياء التي يبحث عنها الإنسان، والسعادة شئ جميل ولكنه نادر في هذه الحياة، لأن الوضع العام يسيطر عليه الحزن والقلق والتوتر والخوف واليأس والإحباط. ووصف السعادة طبقاً لآراء علماء السعادة وقال عنها “إنها من الممكن أن تصادفنا، ولكن لا نستطيع أن نجعلها هدفا نصل إليه”، فالبعض ذكر أن أقصر طريق للاكتئاب هو أن تجعل غرضك في الحياة الحصول على السعادة، مؤكدا أن السعادة ليست غرض بل إنها تتحقق عند الحصول على الغرض، وأشار أن الأمر الثاني الذي يميز السعادة هو أننا ليس لنا سلطان عليها أي لو وجد الإنسان السعادة وتمتع بها لا يستطيع الاحتفاظ بها، بل تأتيه عندما ترغب وتفارقه عندما تريد.
وأكد “صموئيل” أن ما يستطيع أن يفعله الإدمان في الإنسان هو أن يغيب المشكلة عن عقله، فيسعى الإنسان للبحث عن المفقود ويتحمل معاناته لكي يغيب إحساسة بالوجع لساعة أو ساعتين، ولكن المأساة عندما يضيع التأثير ويعود الإنسان للواقع، مما يدفعه ليعود في اليوم التالي في نفس الموعد ليأخذ جرعة أخرى تغيبه عن الواقع ثانية.. إلى أن يصل إلى نهاية المطاف ويقع بين الموت أو السجن أو الجنون، وفي طريقه لإحدى هذه
النهايات يدمر عائلته.
الطرح الروحي
وفي طرح روحي لقضية الإدمان أشار “صموئيل” أن المسيحية تنطلق من حيث انتهت الفلسفة ولكنها تؤكد أن الإنسان المدمن فاقد لنفسه وهو لا يستطيع أن يجد نفسه لكي يحقق بها المعنى في الحياة فتصادفه السعادة، وأن الإنسان يحتاج لمخلص يرجع له نفسه، فالمسيحية لا تقدم الخلاص بل تقدم مخلص، ولا تقدم ديناً ينتهي بالإنسان في النعيم بل تقدم مخلص يرد النفس إلى صاحبها، وعندما ترجع النفس تكون النفس المستردة بصحتها وعافيتها وعندما يخلص يسوع المسيح النفس يجد الإنسان معنى الحياة، وعندما يجد المعنى في الحياة ستصادفه السعادة.
الطرح النفسي
وفي النهاية قدم “صموئيل” طرح نفسي لقضية الإدمان، وأوضح أن هناك سبب هام، يضغط على المراهق نفسيا وهو “رفض الأقران”. فهو يريد أن أن يكون مقبول عندهم بأي ثمن، وغالباً ما يكون هذا الثمن هو أن يتبنى ما يتبنونه، فهم يرون أن صديقهم يجب أن يدخن لكي يكون شاب “كوول” ويشرب مشروبات كحولية لكي يكون رجل، مؤكداً أن ما يدعم هؤلاء المراهقين في هذا الاتجاه الخاطئ أنهم يرون البالغين في أسرهم يتبنون نفس هذا النهج ويفعلون الأمور بعينها، وطرح “صموئيل” سؤالاً على كل شخص.. هل تستطيع أن تكون مختلف وتتحمل ضغط الأقران.. وتظل متمسك بقيمك ومبادئك؟ أم لا ؟ وأوضح أن الناس تحتاج أن تميز بين القبول والتقدير، ولابد أن يسعى الجميع لقبول الشخص لذاته، وليس التقدير لسبب بعينه، فالتقدير من الممكن أن يأتي بسبب امتلاك الشخص لشئ معين أو أنه يبدوا بشكل معين أو أنه يؤمن بشئ معين أو أنه ينجز شئ معين، ولكن القبول الحقيقي هو قبول الشخص لذاته، وتساءل أين نجد هذا المجتمع؟.. ومن أين تأتي الأمكنية لكل شخص أن يقبل الآخر لذاته؟.. مؤكداً أن هذه تعاليم المسيحية حيث مكتوب “اقبلوا بعضكم بعضاً..كما قبلنا المسيح لمجد الله”، وقال “صموئيل”: إن المسيح لم يقبلني بسبب إنجازاتي بل قبلني أنا الخاطي كما أنا.. فإذا وصل الإنسان لهذا الشعور يتمتع بالحرية من ضغط الأقران أو “الشلة” لأن هذا الضغط يمثل 90 % من أسباب الإدمان .
واختتم “صموئيل” كلمته أن الخضوع لضغط الأقران هو أحد أضلاع مثلث الموت في الإيمان المسيحي، ففي رسالة أفسس في الإصحاح الثاني يقول “وأنتم إذ كنتم أمواتا بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلا كأموات حسب دهر هذا العالم” ، ولكن قال أيضاً “الله الذي هو غنيا في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا أحيانا”.
وفي النهاية ختم القس يوسف اللقاء بالصلاة الربانية والبركة الرسولية.