* روي هيرودوت اليوناني زعيم المؤرخين القدماء أن مصر تمتعت بسعادة ورخاء منقطعي النظير في عصرالملك أحمس الثاني من فراعنة العصر الصاوي وازدهرت المدن المصرية في زمانه حتي بلغت نحوا من عشرين ألف مدينة وكان من بين القوانين التي سنها للبلاد أنه حتم علي كل مواطن لديه أن يبلغ حاكم منطقته سنويا عن الطريقة التي يكسب منها معاشه فكان أول من ابتدع فكرة قانون من أين لك هذا ولما زار مصر وقتئذ سولون المشرع الإغريقي الذائع الصيت أعجب بالقانون المذكور وصمم علي إدخاله في أثينا.
الإسكندر الأكبر الذي شمل ملكه أعظم إمبراطورية عرفها التاريخ بحيث لا تغيب عنها الشمس ودانت له أعظم عروش الأرض وطأطأت أمامه جبابرة قواد الأمم المختلقة إجلالا لبطولته الخارقة حتي بلغ من المحول والسلطان ما لم يبلغه أي إنسان من قبل أو من بعد, كان شديد الإعجاب بالعلماء والفلاسفة فلم ينس بعد أن دانت له بلاد اليونان بأسرها وأثناء وجوده فيها انتهاز الفرصة والتوجه إلي مدينة كورنث لرؤية فيلسوفها المشهور ديوجين. ولما زاره وجده متقشفا ولم يملك من حطام الدنيا سوي برميل بلا قعر اتخذه مسكنا له وكان حوله مريدوه وبعض كلاب ضالة. دهش الإسكندر من ذلك المنظر فخطا نحو يوجين وقال له هل من حاجة فأقضيها لك فأجابه تنح ولا تحجب أشعة الشمس عني عندئذ قال الإسكندر كلمته المشهورة لو لم أكن الإسكندر لوددت أن أكون ديوجين. كما عرف عن الإسكندر أيضا عظم تقديره لأعمال الجرأة والبسالة ما أظهره عندما مثلت أمامه أخت الجنرال تياجين وقد اتهمت بقتل أحد ضباطه سألها الإسكندر من أنت أجابته بكل جرأة أنا أخت الذي قاتل أباك في سبيل حرية بلاده اليونان وقاتلك أنت أيضا في إحدي الوقائع وقتل. فإعجابا بشجاعتها وتقديرا بصراحتها عفا عنها ورد إليها مالها وأولادها.
* الإمبراطور الروماني تراجان الذي كان اسمه مهابا من جميع الشعوب ومن أشد المعجبين بالإسكندر الأكبر واتخذه مثلا أعلي له في حروبه وسياسته اشتهر بالعدالة والإخلاص الشديد لرعاياه لا يعمل إلا لخيرهم وكان يردد دائما أريد أن أعامل رعاياي كما كنت أريد أن أعامل لو كنت واحدا منهم ولعدالته أقام له الشعب عمودا فخما في أحد ميادينروما, سموه عمود تراجان تخليدا لذكراه. وما زال هذا العمود قائما حتي الآن شاهدا علي حب رعيته له وتقديرا لما قدمه إليهم من وعندما قلد محافظ روما أمر المدينة وسلمه السيف التقليدي قال له استعمل السيف دفاعا عني إذا أحسنت لبلادي واستعمله ضدي إذا اسأت إليها.
* اشتهر الإمبراطور تيودوسيس الصغير من بين أباطرة الرومان بحبه الشديد إلي القبط وعلي الأخص البطريرك كيرلس الكبير الذي كان يعيش في عصره وكثيرا ما كان يطلب المتبرك منه, وكان قديسا نقيا حتي عرف عنه إنه لم يحدث أنه وافق علي إعدام شخص في عهده, وعندما سئل في ذلك قال في عبارته المشهورة: ليت لي قدرة السيد المسيح علي إحياء الموتي.
* من مآثر الخليفة عمر بن الخطاب أنه كان يحصي علي ولاته ما كانوا يملكونه من الأموال قبل توليتهم, فإذا زادت أموالهم بعد ذلك صادر الزيادة وادخلها بيت المال. ومما يروي عنه أنه كان ولي عتبه بن أبي سفيان علي كنانة فلما عاد إلي المدينة بثروة كبيرة سأله عمر: بعثتك واليا ولم ابعثك تاجرا, إن التجارة والولاية لا يتفقان أجعل هذا المال في بيت مال المسلمين.
كذلك قيل إن أبا موسي الأشعري أعطي ولدي عمر بن الخطاب عبدالله وعبيد الله شيئا من أموال الصدقات ليتاجرا فيها لم يرداه إلي أبيهما في المدينة ليضعه في بيت المال فلما وصلا إلي أبيهما وانتهيا إليه ناقشهما الحساب قائلا: هل أعطي غيركما من المسلمين؟ فقالا لا, وحينئذ أدرك أنها المحاباة والمحسوبية والاستثناء في المعاملة ـ فقال ادفعا إلي المال والربح فدفعا إليه كل ذلك فضمه إلي بيت مال المسلمين وعنف أبا موسي الأشعري وبهذا تتحقق المثل العليا للإنسانية والعدالة الاجتماعية الحقيقية.
* قيل عن كونراد الثالث إمبراطور ألمانيا منذ منتصف القرن الثاني عشر تقريبا إنه حاصر مدينة بتسبرج الشهيرة مدة طويلة حتي تمكن من فتحها علي الرغم من استبسال أهلها في الدفاع عنها. ولما انتصر صمم أن ينزل بالمدينة أشد العقاب فأباح لجنوده السلب والنهب ولكن أخذته الشفقة علي النساء الضعيفات اللواتي لا سلاح لهن فأذن لهن في الخروج من المدينة سالمات وسمح لهن بأن يحملن معهن أثمن ما لديهن. وما أعظم ما كانت دهشته عندما رأي كل امرأة قد حملت زوجها علي ظهرها وهي خارجة من المدينة. فسأل عن جلية الأمر, فأجبن كلهن بصوت واحد: لقد سمح لنا جلالة الإمبراطور أن نأخذ أثمن ما عندنا وليس عندنا أثمن من رجالنا فعفا عن المدينة نساء ورجالا.
* كان لملك فرنسا لويس الرابع عشر الذي شبهوه بالشمس وزير مالية يدعي كولبير اعتبره المؤرخون من أفذاذ الرجال الذين ساسوا البلاد بالعدل والحكمة البالغة وقد أدار شئون مالية الدولة بيد من حديد وقد جمع بين الشح والسخاء. يضن بأموال الدولة إذا رأي أنها ستنفق فيما لا خير فيه للدولة أو الشعب. ويسخو بأموال الدولة إذا ما أيقن بأنها ستصرف فيما فيه خير للدولة أو الشعب, وكان جبارا في حكمه وعدله ونزاهته لا يحابي أحدا ولا يهاب أحدا ولا يقبل شفاعة ولا وساطة مهما كان مصدرها مادامت الشفاعة أو الوساطة تمس نزاهة الحكم أو عفة النفس. عرف ذات يوم أن الملك بما كان له من جبروت وسلطان لا حد لهما يسفر في انفاق مال الدولة وكذلك أسرته فأرسل إليه كتابا لا يزال المؤرخون يطرونه إطراء كبيرا حتي اليوم قال فيه: ياصاحب الجلالة لا تنفق خمسة فرنكات فيما لا ينفع الناس وانفق الملايين فيما ينفع. إن انفاق ثلاثة آلاف فرنك في غداء أو عشاء حرام. وإنفاق القناطير المقنطرة من الذهب والفضة فيما ينفع الناس حلال.