يذهلني تسخير أغلب البشر لكل الأمور والمعطيات والأحداث التي تمر بهم في طريق حياتهم طوع رغباتهم وأهدافهم.
فعلي سبيل المثال لا الحصر حين يصاب شخص ما بمرض صعب ستجد فورا الناس المحيطين به ينقسمون إلي فريقين, فريق يري أن المؤمن مجرب وأن الله لا يبتلي إلا من يحبه, وفريق آخر مقتنع أن ما حدث له ما هو إلا عقاب عما اقترف من ذنوب في حياته.
والغريب في الأمر أن كلا الفريقين يستندان إلي آيات من الكتب المقدسة لخدمة وتوثيق وجهة نظرهم, أما الأكثر غرابة أن الرأيين المتضادين بدعائمهما المتناقضة يخصان نفس الشخص.
تلك الظاهرة الكوميدية تنتشر بصفة خاصة جدا في المجتمعات المتخلفة وتتفشي في تجمعات الجهل ـ وأكرر دائما أن الجهل ليس له أي علاقة بالشهادات العلمية (فكم من متعلم جاهل وكم من محدود علم ثري الثقافة واسع المعرفة ومكتمل النضوج) العلقي والذهني والنفسي.
ومن أكثر العبارات المتكررة التي تعكس هذا الفكر المطاطي (الله لا يحرم الإنسان من شيء إلا لصالحه/ منح الله نعمة ومنعه رحمة/ لو كان فيه خيرا لما زال ورحل).
عبارات إن صدقناها في المجمل المطلق فنحن نعبث عبثا رهيبا والخطر أننا لا نعبث إلا بعقولنا ولا نخدر إلا وعينا.
الله منحه نعمة ومنعه رحمة فقط لمن أرضت مسالكه قلب (الله) من وجهة نظر (الله) فصار (الله) حسبه وحاميه بقرار منه هو (الله) وليس من وجهة نظر الشخص وتمنياته وأحلامه الوردية.
لا يعقل أبدا أن يكون منع الله لشاب سيئ القلب من الارتباط بفتاة طيبة ـ يرضي عنها (الله) ويحميها ويكفيها شر ما في الغيب ـ لا يعقل أن يكون هذا المنع رحمة لهذا الشاب وخصوصا حين تتكشف الحقائق بعد فترة وأن هذا الشخص قد نبذ من أفضل الفضليات.
هذا منع الرحمة للفتاة لأن الله بسابق علمه يعلم الخفي وغير المعلن, أما للشاب فهذا المنع هو نقمة لأن الله يعلم جيدا أنه لا يستحقها حتي لو كان ظاهره مملوءا بالتقوي والورع ويجيد إحكام أقنعة المثالية بمهارة تخدع السذج والبسطاء ويرونه لوهلة أفضل منها.
منع رزق أو إغلاق باب عمل قد يكون نعمة إذا كان فيه شر أو خطر, ويكون هذا المنع لعنة ونقمة إذا كان تسديدا لحساب وجب عليك سداده يوم حاولت أن تغلق باب رزق علي شخص آخر أو تضره في عمله ومستقبله.
إغلاق رحم امرأة قد يكون نعمة لأن الله يعلم ما في الغيب وأن طفلها سيكون مريضا أو معوقا أو مشوها أو أنها لن تستطيع رعايته لسبب أو لآخر, وقد يكون لعنة ونقمة وتسوية حساب قديم يوم كانت تلك المرأة سببا في أذية أن في طفلها بصورة أو بأخري.
في يوم تنفيذ حكم الإعدام علي شخص دخل عليه رجل دين ليؤاذره بالصلاة في تلك اللحظة العصيبة.
وطلب من القاتل الاعتراف أمام الله بجريمته وطلبه المغفرة وتقديم توبة عساه يغفر له قبل تنفيذ الحكم فالإنكار لا جدوي منه وهي مسألة دقائق وسيكون بين يدي الله.
فرد المحكوم عليه بإصرار إنه فعلا لم يقتل هذا الرجل ولكن كل الأدلة جاءت ضده ولا يمكن الإفلات من الحكم لكنه يعلم أنه يستحقه لأنه قتل بالفعل في الماضي واستطاع الإفلات ولم يتم إدانته.
كفانا توظيف كل شيء وكل حدث وكل أمر بالصورة التي تخدم نفسياتنا وتريحها وتخدرها وتجعلنا دائما في وضع المثالية.
ليس كل منع رحمة فربما منع الله عنك خيرا لأنك ببساطة لا تستحقه وربما أغلق عنك رزقا لأنك حاولت إضرار شخص في يوم من الأيام ـ حتي لو كنت تساعد الآلاف ـ فأنت تنسي ولكن هيهات أن ينسي الله.