يعد الفرد نتاجا حقيقيا, صادقا وأمينا, للمجتمع الذي يعيش فيه, يتفاعل مع مختلف مؤسساته وأفراده, عبر تعاملات الحياة اليومية, سواء تلك التفاعلات المنظمة والممنهجة, مثلا في المؤسسات التعليمية, أو التفاعلات غير المنظمة وغير الممنهجة, مثلا مع الأهل والأصدقاء والجيران وغيرهم, حيث يتمثل الفرد بقيم المجتمع ونمط الحياة السائد فيه, مع الأخذ في الاعتبار تفاعل تلك المؤسسات مع بعضها بعضا, بالإضافة إلي وجود مؤثرات خارجية تتمثل في العالم من حولنا.
هنا تنبغي الإشارة إلي عملية التنشئة الاجتماعية (Socialization), التي تمثل, حسب أساتذة وباحثي علم الاجتماع, العملية المسئولة عن إكساب الفرد/ الإنسان/ المواطن ة مجموعة قيم وأنماط سلوكية تساعده علي التكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه, ومن ثم فهي عملية تطبيع اجتماعي للإنسان, حيث تحول الإنسان من كائن بيولوجي إلي كائن اجتماعي, يعيش ويتفاعل مع الآخرين ويشاركهم أعمالهم وأنشتطهم ويندمج معهم, ومن ثم تقوم مؤسسات التنشئة الاجتماعية بتكوين الشخصية وتشكيل الهوية وبناء الوعي بالذات وبالآخرين من حوله.
تتعدد مؤسسات التنشئة الاجتماعية, التي تتفاعل مع بعضها بعضا في علاقة تبادلية تقوم علي التأثير والتأثر, وهي تشمل المؤسسات التالية:
الأسرة, حيث الأب والأم, والإخوة والأخوات, هؤلاء يشكلون الأسرة التي تعد المعلم الأول الذي يستقبل الطفل, وتتولي تربيته, وتغرس فيه الكثير من المعارف والقيم والمهارات,التي يتم ترجمتها إلي سلوكيات, إلي الحد الذي يمكننا من القول معه إن الأسرة هي البوابة الأولي التي يمر الطفل من خلالها إلي العالم الخارجي, ومن خلالها يكتشف هذا العالم ويعرف الكثير من أموره وأسراره.
المؤسسة الدينية, حيث الجامع والكنيسة والمعبد, بما تحتويه من خطاب ديني وأنشطة متنوعة, ولا شك أن للخطاب الديني والأنشطة المختلفة التي تقوم بها المؤسسات الدينية دورا كبيرا في حياة الأطفال والشباب وكبار السن, ويشمل الخطاب الديني العظات داخل المؤسسة الدينية, والمقالات المكتوبة في الصحف, والبرامج المسموعة التي تقدم من خلال الإذاعة, والبرامج المرئية التي تقدم من خلال التليفزيون, ويتضمن الخطاب الديني: النصيحة والقيمة والسلوك الحسن والخبرات الروحية.. إلخ, وهو يستشهد بالشخصيات البارزة ويقدمها لأتباع الدين للاستفادة من حياتها والتمثل بها.
المؤسسات التعليمية, التي تتعدد وتتدرج من مرحلة إلي أخري, حيث تشمل دور الحضانة والمدارس والمعاهد والكليات, وتضم مكونات العملية التعليمية كلا من المعلمين والطلاب والمناهج والأنشطة والبيئة التعليمية, ومن خلال المؤسسات التعليمية يكتسب المواطن ة الكثير من المعارف والقيم والمهارات, عبر المناهج الدراسية والأنشطة المختلفة, وكافة التفاعلات التي تحدث بين مكونات العملية التعليمية.
المؤسسات الثقافية, وتشمل كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تعمل في مجال نشر الثقافة والمعرفة, عبر إقامة معارض الكبت وتأسيس مكتبات الاطلاع, وتنظيم الندوات وعقد المؤتمرات, وإقامة المهرجانات ذات الطبيعة الثقافية.
الأعمال الفنية, التي تقدمها شركات الإنتاج والمؤسسات الرسمية والخاصة, حيث تتنوع الأعمال الفنية, لتشمل الدراما السينمائية والمسرحية والإذاعية والتليفزيونية وعزف الموسيقي والغناء والطرب والرقص, والفنون التشكيلية مثل النحت والرسم وفنون التصميم.. إلخ وإذا كان كل عمل فني يتضمن رسالة ما أو مجموعة من الرسائل, فإن كل عمل فني يحتوي في حقيقة الأمر علي قيمة ما أو مجموعة من القيم, هنا يمكن استثمار الفن في دعم وترسيخ منظومة القيم الإيجابية, بالإضافة إلي الأعمال الأدبية التي يقدمها الأدباء مثل الروايات والقصص والأشعار والأزجال.
المؤسسات الرياضية, ومنها الأندية ومراكز الشباب, حيث يعد مجال الرياضة من المجالات الجاذبة للأطفال والشبا, ما يزيد من قدرة المؤسسات الرياضية علي أن تغرس في قطاع كبير من الجمهور قيم التسامح والتعاون وروح الفريق, وغيرها من قيم إيجابية مطلوبة ومرغوبة.
المؤسسات الإعلامية, التقليدية والحديثة, التي تقوم بمجموعة من الوظائف والأدوار المهمة مثل نشر الأخبار والأنباء والمعلومات, متابعة ومراقبة البيئة, التوعية والتنمية والتثقيف والنقل الثقافي للقيم والقواعد والسلوكيات والأخلاقيات العامة والأعراف, التأثير في الرأي العام, الإعلان والتسويق للسلع والخدمات, التسلية والترفيه, كما أنها تعتبر مصدرا مهما للتاريخ والتوثيق.
منظمات المجتمع المدني, وتشمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية التي تقوم بالعديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية, وهي تؤدي دورا مهما داخل المجتمع, حيث لا تستطيع المؤسسات الحكومية وحدها تأدية كافة الخدمات بمفردها, ومن ثم تشارك منظمات المجتمع المدني في تقديم الكثير من الخدمات لمختلف أعضاء الأسرة ومختلف مكونات المجتمع.
المؤسسات التشريعية, التي تقوم بدور رئيس يتمثل في تشريع وسن القوانين, التي تنظم العلاقة بين المواطنين بعضهم بعضا, بالإضافة إلي دورها في مراقبة أعمال الحكومة, وإقرار الميزانية العامة للدولة.
كما تشمل مؤسسات التنشئة الاجتماعية أيضا كلا من الأقارب والأصدقاء والجيران وجماعة الأقران وزملاء العمل.
وإذا كنا نتطلع إلي تأكيد مكانة المرأة في المجتمع, وكيف أنها تتساوي مع الرجل ولا تقل شأنا عنه, مثلما لا تزيد عليه, وأن كليهما نافع ومفيد للمجتمع, ما يعني أن قضية المرأة هي قضية المجتمع بأكمله وليست قضية المرأة وحدها, فإن الأمر يتطلب برنامجا وخطة عمل في إطار من الشراكة التشبيك والتعاون والتنسيق بين مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أجل واقع أفضل للمرأة المصرية والمجتمع ككل.
د. رامي عطا صديق
[email protected]