ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
لا تحتقروا النبوات
لا تحتقروا النبوات (1تس5:20) أي لا تحتقروا الوصايا, لأن كل ما كتب في الكتاب المقدس, كتب بوحي من الروح القدس: كل الكتاب هو موحي به من الله, ونافع للتعليم والتوبيخ, للتقويم والتأديب الذي في البر (2تي3:16).
وكما نصلي في قانون الإيمان ونقول: نؤمن بالروح القدس الناطق في الأنبياء.
توجد خطية تنتشر بين الناس وهي خطية إهمال كلمة الله, وهذا الإهمال قد يأخذ صورا عديدة ومتنوعة, ولكن من أشد هذه الصور, هي صورة احتقار كلمة الله, والاحتقار هنا يعني الاستهانة بكلمة الله, فالبعض يهمل الكلمة, والبعض الآخر لا يحترمها, وهناك من يحتقرها ويستهين بها, أو لا يصدقها أو لا يستخدمها. وكلمة الله هي أغلي شيء يقدمه الله للإنسان علي الأرض, حيث إنه يقدم نفسه في هذه الكلمة كلمة الله من خلال الوصايا المتعددة, تكون موضع استهتار أو استهانة, وهنا يقع الإنسان ليس في خطية واحدة بل في خطايا متعددة.
يعلمنا سفر الأمثال قائلا: من ازدري بالكلمة يخرب نفسه ومن خشي الوصية يكافأ (أم13:13), وكلمة يخرب تعني يجعل نفسه خرابا, أما عبارة: ومن خشي الوصية فهي تعني من جعل الوصية مخافته, فإن الله يعطيه من نعمه الكثيرة.
ويقول القديس أوغسطينوس: الكتاب المقدس له قدسية خاصة به, وبسبب هذه الميزة القائمة في كل الأسفار المقدسة فنحن ملتزمون أن نقبل كل ما تقدمه لنا أقوال الأسفار القانونية, سواء كانت بفم نبي أو إنجيلي.
كما يقول أيضا: لنحترم كلمة الله, ونكرم الأسفار الإلهية حتي ولو كانت غير واضحة…
ومن العبارات المشهورة للزعيم غاندي: الكتاب المقدس هو تاج الكتب, والعظة علي الجبل هي درة هذا التاج, بمعني أن العظة علي الجبل جوهرة أو لؤلؤة الكتاب المقدس, ورغم أن غاندي كان هندوسيا, إلا أنه كان يحب المسيحية ويحترمها كثيرا.
السيد المسيح نفسه كان يهتم بتنفيذ الوصية ويعتمد عليها كحجة قاطعة, كما رأيناه في رده علي الشيطان وعلي الكتبة والفريسيين.
لذلك اسأل نفسك, ما هو موقفك أمام الوصية وأمام كلمة الله؟
رغم تمسك السيد المسيح بوصايا العهد القديم, إلا أنه استطاع في نفس الوقت أن يمتد بالتعليم إلي حقائق روحية جديدة وهي وصايا العهد الجديد, لقد ذكر لنا السيد المسيح هذه العبارة المهمة في بداية خدمته الجهارية فقال: ما جئت لأنقض بل لأكمل (مت5:17), هذه الآية تعتبر بمثابة الجسر الذي يربط بين العهدين القديم والجديد.
فالسيد المسيح ما جاء لينقض العهد القديم, بل جاء لكي ما يكمل لنا فهم الوصية, ويوضح لنا المعني الروحي الذي وراء هذه الوصية, ولهذا الكتاب المقدس في كنيستنا يضم العهدين القديم والجديد.
يوجد سفران في الكتاب المقدس, هما ملخص لكل عهد, بمعني أن سفر إشعياء في العهد القديم, هو بمثابة مفتاح للعهد الجديد, ويسمي إشعياء النبي في بعض الأحيان بالنبي الإنجيلي بالرغم من أن كلمة إنجيلي تطلق علي كتاب العهد الجديد فقط.
ورسالة العبرانيين في العهد الجديد, هي بمثابة سفر خاص يشرح العهد القديم, وكأن العهد القديم به مفتاح للعهد الجديد وهو سفر إشعياء, والعهد الجديد به مفتاح للعهد القديم وهو رسالة العبرانيين.
لذلك قال السيد المسيح: ما جئت لأنقض بل لأكمل, ومثال لذلك في العهد القديم يوجد وصية تقول: لا تقتل (تث5:17), وهذه الوصية ترتبط بالفعل الظاهري, بمعني شخص يعتدي علي حياة إنسان, أما في العهد الجديد فتوجد وصية لا تغضب وأما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضا الكل: الغضب, السخط (كو3:8).
والغضب هو شيء بداخل الإنسان ومنه يأتي الفعل وكسر وصية لا تقتل, ففي هذا المثال ينطبق قول السيد المسيح: ما جئت لأنقض بل لأكمل, بمعني أن السيد المسيح جاء ليكمل الفهم في وصية لا تقتل مثلا, بمعني أنه واضح أن فعل القتل يبدأ في الداخل عندما تسيطر علي الإنسان حالة من الغضب والانتقام.
ومن الأشياء المهمة في الوصية أن ربنا يسوع المسيح تكلم كثيرا مع تلاميذه وقال لهم: وصية جديدة أنا أعطيكم: أن تحبوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضا بعضكم بعضا. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حب بعضا لبعض (يو13:34-35).
وكلمة جديدة ليس المقصود بها أنها وصية جديدة في أيام السيد المسيح, لكن المقصود بها أن هذه الوصية يجب أن تكون جديدة في كل يوم, وهذه الوصية هي وصية المحبة, ولذلك هذه الوصية لا تكون قديمة أبدا, فهي وصية مستمرة وجديدة في كل يوم, وهي الوصية الرئيسية في العهد الجديد, وفي حياة الإنسان المسيحي يمكن الربط بين ثلاث كلمات: الوصية الجديدة, المحبة, والتلميذ, وكلمة تلميذ ليس المقصود بها تلاميذ المسيح الذين كانوا في أيامه فقط, لكن المقصود بها أي شخص منا يمكنه أن يصير تلميذا للسيد المسيح, وهذه العلامة هي علامة المحبة تماما كما نري شخصا يرتدي زيا عسكريا, فنعلم أن هذا الشخص ينتمي إلي الجيش.
وهكذا عندما نري شخصا يقدم المحبة, نعلم أن هذه المحبة هي علامة انتمائه وتلمذته للسيد المسيح, فالوصية التي قدمها لنا المسيح: لا تحتقروا النبوات هي وصية مقدمة للجميع.
ولكن نجد البعض يعتقد أن هذه الوصية كانت أيام السيد المسيح فقط لكي ما يبرروا لذواتهم اعتداءهم علي الوصية, في حين أن المسيح يصف الوصية ويقول: لأن نيري هين وحملي خفيف (مت11:30).
ووصايا الله تعم جميع البشر, لم يعف منها أحد, كانت مع آدم في الفردوس, ومع نوح في بناء الفلك, ومع إبراهيم ومع موسي, هي مع كل إنسان آت إلي هذا العالم ترافقه من ميلاده وحتي موته, وهي في كل مكان وفي كل زمان قبل مجيء المسيح وبعده.