ثم نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم في الرب وينذرونكم, وأن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم. سالموا بعضكم بعضا. ونطلب إليكم أيها الإخوة: أنذروا الذين بلا ترتيب. شجعوا صغار النفوس, أسندوا الضعفاء. تأنوا علي الجميع. انظروا أن لا يجازي أحد أحدا عن شر بشر, بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء, لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر
(الرسالة الأولي إلي تسالونيكي 5:12-22)
لا تطفئوا الروح
لا تطفئوا الروح (1تس5:19)
الكتاب المقدس مملوء برموز عن الروح القدس, فرمز إليه مرة بالحمامة, ومرة بالزيت, وأخري بالماء أو النار. وتأمل اليوم لا تطفئوا الروح المقصود به رمز النار.
وقد دخل الروح القدس منذ تأسيس الكنيسة يوم الخمسين بطبيعة نارية, فقد حل علي التلاميذ كمثل ألسنة نار..
ويعلمنا القديس يوحنا المعمدان قائلا: أنا أعمدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوي مني الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه, هو سيعمدكم بالروح القدس ونار (لو3:16) فنوالنا سري المعمودية والميرون, وبفعل الروح القدس الذي يعمل فينا يحول قلب الإنسان إلي نار حارة.
فالروح القدس أدخل عالمنا الإنساني نارا تلهب الروح, وتلهب الضمير والوجدان, وتشعل المحبة وتنير البصيرة.
وكل من تدخل هذه النار إلي قلبه يصبح حارا في الروح (رو12:11), وإذا اشتعلت ناره في القلب لا يستطيع أحد إطفاءها.
وعبارة لا تطفئوا الروح المقصود بالروح هنا الروح الذي لله, والذي ولدنا به في المعمودية الولادة الجديدة من الماء والروح, وهذا الروح الذي أخذناه, أخذناه روحا متوهجا يعمل متوهجا يعمل فينا, فنوالنا سري المعمودية والميرون, وبفعل الروح القدس الذي يعمل فينا يحول قلب الإنسان إلي نار حارة.
قد نسمع هذه العبارة: فلان حار في الروح والعكس صحيح ومن طبيعة النار أنها تعطي نورا في الظلام واستنارة في النفس, كما أنها تعطي راحة ودفئا للقلب, ونلاحظ في هذه الكلمات الثلاث تكوين كلمة نار, فإن أخذنا الحرف الأول من الكلمات الثلاث: نور واستنارة وراحة, نجد أنها تكون كلمة نار.
والقديس جيروم شرح هذا الأمر بعبارة بسيطة جدا فقال: إن للنار طبيعة مزدوجة, تعطي نورا وتحرق, إن كنا خطاة تحرق خطايانا, وإن كنا أبرارا تضيء الطريق لنا.
إن قوة نار الروح القدس التي ألقاها السيد المسيح علي الأرض نشبت في طبيعة صيادي السمك وحولتهم إلي رسل وأنبياء ومبشرين وأطهار وقديسين بلا عيب ولا لوم.
بقوة نار الروح القدس استطاعوا أن ينشروا المسيحية في بقاع كثيرة من العالم, بولس الرسول كان الروح القدس مشتعلا فيه, فلذا كان يبشر ويكتب, يكتب رسائل حتي وهو في السجن.
والإنسان الذي يعمل فيه روح الله تجده حارا في صلاته, حارا في توبته, حارا في خدمته.. بل حراراته وناره تنتقل لمن حوله.
وللقديس الأنبا أنطونيوس هذه العبارة الجميلة: بسبب هذه النار يشن الشيطان هجمات كثيرة, لعله يحرمها منكم, وهو يعرف أنه لا غلبة له عليكم مادام لكم هذه النار, وهذا يعني أن النار وسيلة دفاعية, فطالما قلب الإنسان يلتهب بنار الروح القدس فهو يستطيع أن يطرد الشيطان وهجماته.
انطفاء روح الله
نتساءل ما هي النتائج المترتبة علي انطفاء روح الله داخل الإنسان؟
يوجد ثلاث علامات لشكل الإنسان الذي انطفأت به روح الله, وهي:
أولا: ظلام العقل
أحيانا نتقابل مع شخص يكون ذا عقل مظلم, وليس هذا معناه أنه إنسان قليل التعليم أو الدراسة, بل علي العكس قد يكون حاصلا علي أعلي الشهادات العلمية ومع هذا يكون له هذا العقل المظلم.
وصاحب العقل المظلم هو إنسان فاقد القدرة علي التمييز والإفراز فالنار تعطي نورا, وبانطفاء النار يغيب النور, وهكذا بانطفاء الروح القدس في الإنسان يفقد استنارة نفسه, ويظلم عقله.
وللقديس يوحنا ذهبي الفم هذه العبارة الجميلة: إن اللصوص عند سلبهم بيتا ما, فإنهم عندما يدخلونه يطفئون السراج الذي فيه, حتي يقدروا أن يحققوا غايتهم, وهكذا فإن عمل الشيطان الرئيسي عند اقتحامه قلب المؤمن هو تحطيم عمل الروح فيه, حتي يسلبه كل حياته.
فاللص عندما يقوم باقتحام أي منزل, فإنه بمجرد دخوله المنزل يقوم بإطفاء الأنوار أولا, وذلك حتي يتمكن من السرقة, بدون أن يشعر به أحد, وهكذا الشيطان فإنه خلال حربه مع الإنسان يحطم عمل الروح فيه أولا, حتي يستطيع أن يسلبه كل حياته.
فليس هناك استنارة للروح, حيث يبدأ الإنسان في الهبوط من سيء إلي أسوأ, ويضل العقل ويفسد القلب.
ثانيا: الفتور الروحي
النار كما تعطي نورا تعطي أيضا حرارة, فبانطفاء الروح في المؤمن تقل معه حرارته الروحية فيفتر, وهذه حالة من حالات الكسل الروحي, ومن الفتور يتطور الأمر إلي برودة روحية, والبرودة تتحول إلي غربة التي بدورها تتحول إلي حالة من حالات العجز الروحي, وهنا تبدأ حرارة الإنسان الروحية في التناقص تدريجيا سواء في وقفة الصلاة أو التسبحة أو الإنجيل, أو جلسة الاعتراف, أو القداس أو أي من وسائط النعمة, ويبدأ الإنسان في أن يتذكر كيف كانت حرارته الروحية قديما, وما وصل إليه الآن من عجز روحي.
لذلك يقول للقديس بولس الرسول: حارين في الروح (رو12:11), ويشبه القديس الأنبا أنطونيوس الإنسان بالطائر من حيث الدفء فيقول: كما أنه بدون تدفئة البيض لا يخرج الفرخ الحي, هكذا أيضا بالنسبة للنفس إذ يحيط الله بها عندما تطيعه, فترتفع في حياتها الروحية.
فالإنسان عندما ينطفئ الروح داخله يعيش في حالة من حالات الفتور الروحي, وهذا الفتور قد يأخذ وقتا قصيرا وينتهي ويعود الإنسان بعدها إلي نشاطه الأول, ولكن إن زاد وقت هذا الفتور قد يصل به إلي حالة من حالات البرودة والغربة والعجز.
ثالثا: الشعور بالتيه
أما الصفة الثالثة لنتائج انطفاء الروح فهي شعور الإنسان بالتيه, بمعني أن حياته تكون غير منظمة أو غير واضحة, فينتقل من مشكلة إلي مشكلة, ومن حكاية إلي حكاية, وإن نصحته بالتروي, يجيب لم انتبه لهذا الأمر أو ذاك, وهذا ما يسميه الآباء بالغفلة, بمعني أن هذا الإنسان لا هو مستيقظ, ولا هو نائم في مسيرة حياته, فمثلا إن بدأ حياة ديرية فبعد سنة أو اثنين ينقلب علي نفسه, وإن بدأ حياة أسرية فبعد سنة أو اثنين ينقلب أيضا علي نفسه, وهكذا إن بدأ مشروعا.. إلخ, فهو دائما ما ينقلب علي نفسه, لأنه شخص لا يضع خطوات أو منهجا محددا لحياته, بمعني أنه لا يوجد هدف واضح لحياته, ومثل هذا الإنسان يجد في النهاية أنه لا يوجد معني لحياته, وقد يتطور هذا الأمر إلي أن ينهي مثل هذا الشخص حياته بيده وينتحر.