– خيرني البابا شنودة ما بين الاستمرار في الأنبا بيشوي أو العودة للسريان .. فكان شوقي لدير العذراء كي أبدأ الطريق
” لم أترهبن بعد , أود أن ابدأ من جديد كي أتعلم أكثر و آخذ من خبرات الماضي لتكون مصاحبة معي في المستقبل الذي هو في يد الله , كما أود أن أستمع لحكمة آبائنا الشيوخ القديسين في البراري و أن أصل في درجاتي الروحية إلى حد الاتحاد بالمسيح و الانحلال عن الكل حبًا في الله و الاكتفاء به كنصيب أبدي.. بهذه الكلمات المتضعة قالها نيافة الحبر الجليل الأنبا مارتيروس في ذكرى مرور 20 عام على سيامته أسقفًا عامًا على كنائس شرق السكة الحديد لتعد و كأنها طيب مسكوب على قدمي الرب كي نغوص بها في بحر الحب الإلهي المنسكب في حياة الراهب و المكرس و البتول .
مشوار رهباني عمره 30 عامًا مليء بالخبرات الروحية و التحديات , و لعله بدأ من قبله عبر سنوات حينما قرر وضع قلبه على طريقه و من ثم تكريس حياته للمسيح دون ان يدع مشغوليات العالم تثنيه عن ميوله للحياة الرهبانية و حلمه بسكني البراري والمغائر وسط رمال الصحراء ليتتلمذ على يد آباء شيوخ عظام داخل ديري الأنبا بيشوي و العذراء السريان و يتعلم منهم كم تكون الحياة الرهبانية الحقة مجتازا كل أنواع الاختبارات الشديدة و الصعبة في امتحان مدى إصراره على سلك طريق الفقر الاختياري بإرادته و الابتعاد عن العالم و مشغولياته ليبدأ المشوار مع الاحتفاظ بروح الراهب داخله في حياته و في التزامه بقوانينه الروحية حتى بعد اختيار عناية الله له لتحمل مسئوليات جديدة خارج أسوار الدير .
لمعرفة حياة نيافة الأنبا مارتيروس عن قرب وقت أن كان علمانيًا , و كيف بدأ طريق الرهبنة , و ما التحديات التي واجهته , و كواليس سيامته , و ظروف ترشيحه أسقفًا , و حجم الإنجازات التي تحققت طيلة 20 عام داخل نطاق خدمته , كان لـ”وطني” لقاء مع نيافة الحبر الجليل الأنبا مارتيروس أسقف عام كنائس شرق السكه الحديد , فكان هذا الحوار …
النشأة والحياة العملية
+ حدثنا عن نيافة الأنبا مارتيروس وتفاصيل حياتك وقت أن كنت علمانيًا ؟
++ نشأت في جو ريفي داخل قرية صغيرة تدعى “الطود” تابعة لمركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة , و كان تعداد الأسر المسيحية داخلها 10 أسر فقط، منهم أسرتي المكونة من والد و والدة و 6 أبناء ( 5 بنين و ابنة ) و كثيرًا ما أعتز بنشأتي الريفية وسط العائلات المسلمة التي كانت تربطنا بهم علاقة وطيدة و طيبة .. ولدت في 14 يناير عام 1964 و كان اسمي قبل الرهبنة هو سمير عزيز عطا الله و كان ترتيبي بين أخواتي قبل الأخير , و بطبيعة الحال كنا نستقي تعاليمنا الروحية من خلال وعاظ يترددوا على القرية بتكليف من نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة لخدمتنا إلى جانب حضورنا القداسات في كنيسة مركز الدلنجات و كوم حمادة بالبحيرة .
اضطرت العائلة للانتقال لمركز كوم حمادة عام 2197 لالتحاق إخوتي بالمدارس الثانوية، نظرًا لأن قرية “الطود” لم يكن بها مدارس مخصصة لهذه المرحلة , فكانت أسرتي تهتم كثيرًا باستكمال دراساتنا بجانب تعاليمنا الروحية .
و لعله كان تدبيرًا إلهيًا أن ننتقل لحياة جديدة داخل مكان قريب من الكنيسة و بالتالي سريعًا ما اندمجت داخل الكنيسة و التحقت بفريق الشمامسة و رسمت “ابصالتيس” على يد الأنبا باخوميوس , وعليه كبرت داخل الكنيسة وفي مدارس “كوم حمادة” و ربما بدأت الخدمة مبكرًا في إعدادي بتفاعلي مع الأطفال من شدة حبي للخدمة , فكانت الخدمة محور اهتماماتي و لا تشغلني أمور العالم أو الدراسة عن هدفي الأساسي و عليه استكملت دراستي و حصلت على بكالوريوس التجارة قسم إدارة الأعمال جامعة الإسكندرية في أبريل عام 1986 و كان اختياري لهذا القسم تحديدًا بهدف الاستفادة منه في الخدمة و كنت متفوقًا و من أوائل القسم وأخذت شهادة تقدير في سنة رابعة , و كانت تربطني علاقة طيبة بأساتذتي و زملائي و كانت اهتماماتنا و حديثنا عن الخدمة لتبادل الخبرات أيضًا لنا زيارات لكنائس بالإسكندرية أو المشاركة في ليلة عيد قديس ما بهدف التبرك.
كما أنني خلال تلك الفترة تسلمت المزمور الادريبى في أسبوع الآلام والذي من خلاله يمكن تركيب لحن “كى ايبرتو” على أي مزمور على يد المعلم يونان بكنيسة مارجرجس و الأنبا انطونيوس بمحرم بك , و خادم في كنيسة العذراء بمحرم بك ” .. فكانت فترة إعداد وتأهيل لاختياري طريق الفقر الاختياري .
بعد تخرجي مباشرة قضيت الخدمة العسكرية العامة في الإسكندرية , و بعدها فكرت جديا في العمل و البحث عن وظيفة سريعًا لما أشار علي به الآباء الرهبان خلال فترة ترددي على الدير بضرورة اختبار ذاتي و إعطائي الفرصة للتفكير جديًا بعد العمل و قبض المرتب و معرفة أي من الطريق سأختار و عليه عملت بشركة ثم في مكتب محاسب قانوني في مدة عام و 4 أشهر و كانت الحياة في هذه الفترة و كأنها “خيالات أمامي” لم يعد لي أي ارتباط بالعالم و ظل فكري ثابتًا و ميولي نحو الحياة الرهبانية و حلمي بالبرية و رمال الصحراء و عيشي المغائر يزداد في داخلي .
تكوين الأسرة
+ كيف كان دور الأسرة واضحًا و مؤثرًا في اتخاذك قرار سلك طريق الفقر الاختياري ؟
++ أتذكر بالخير أسرتي، اهتمام والدي و والدتي بالأمور الروحية , فكانت الكنيسة بالنسبة لنا بمثابة حياتنا بما يدعني القول أن حياتنا كانت داخل أسوار الكنيسة من حضور القداسات يومي الجمعة و الأحد من كل أسبوع مع الاهتمام بحضورنا مدارس الأحد و مشاركتنا الإيجابية في أنشطة الكنيسة إلى جانب تشجعينا على حفظ الألحان وترديدها .
كما كانت الأسرة توفر الجو الروحي بشكل عام , فدائمًا ما كنا نستضيف في منزلنا الآباء الكهنة القادمين للمركز للخدمة و ندعوهم للزيارة و المباركة و ربما نقضي الليل كله في التسابيح و الألحان , وإذا ما كان أب راهب كثيرًا، ولكنه كان يتحدث عن الرهبنة و الحياة الرهبانية و كنت بشكل شخصي أستقبل تلك الأمور بتشوق و كثيرًا ما كنت أطرح تساؤلات لما كنت أفكر فيه في داخلي من ناحية الرهبنة.. و من هنا كان لأسرتي دور مؤثر في تكويني و تشكيلي و وضعي على أول الطريق .
الفقر الاختيارى
+ متى بدأت التفكير في الرهبنة , و مدى ترحاب الأسرة بذلك القرار ؟
++ بدأت التفكير في الرهبنة منذ أن كنت بالمرحلة الإعدادية بعد زيارتي لدير الأنبا بيشوي في رحلة مع الكنيسة , وقتها رأيت نيافة الأنبا صرابامون رئيس الدير و مجموعة آباء رهبان و كم رأيت فيه الهدوء الشديد و الحكمة و الوقار و الهيبة إلى جانب تأملي جسد الأنبا بيشوي داخل الكنيسة الأثرية و الأيقونات , و هنا تأثرت بالحياة الرهبانية و التكوين الأثري للدير بما أثر في نفسي .. و لعل تنشئتي الريفية أوجدت في شىء من حب التأمل في الطبيعة و كل ما حولي , فكانت الظروف المحيطة بي تجعلني متشوقًا أن أسلك ذات طريق .
كنت أحتفظ بهذه الأمور لنفسي دون الإفصاح عنها لتخوفي من معارضة أسرتي؛ نظرًا لتعلقهم بي إلى أن جاء التصريح المباشر في عام 1987 في آخر سنة عمل في الوظيفة , و حدث ما توقعته من تأثر والدتي وإخوتى بهذا القرار من منطلق عاطفي في المقابل يشهد لوالدي موقفه المختلف و لا أنسى ما قاله لي وقتها “مادام يا ابني شايف إن الطريق ده هيريحك و أنت عاوزه.. أنا موافق ” و هنا حاولت تخفيف الألم عن أسرتي.. و كانت أول خطوة في طريقي للرهبنة.
خطاب تزكية
+ من شجعك على هذا القرار خارج محيط الأسرة .. و لمن توجهت لمساعدتك في الالتحاق بالدير ؟
++ شجعني أب اعترافي القس يوحنا حنين و كان دائما ما ينصحني بالانتظار لفترة لحين التأكد من قراري, فكان له دور قوي في إرشادي و اتخاذي القرار بتروي و حين ما اكتملت الفكرة لدى و إصراري على سلك طريق الرهبنة , باركني و وقتها طلبت من أخي الأكبر الذهاب معي لنيافة الأنبا باخوميوس لأحصل منه على خطاب تزكية لدير السيدة العذراء السريان العامر بغرض الرهبنة .
بداية المشوار
+ كيف قضيت فترة الاختبار .. و لماذا أشار عليك قداسة البابا شنودة في بداية مشوارك الرهباني الذهاب لدير الأنبا بيشوي و قضاء فترة هناك ؟
++ قضيت فترة الاختبار في مدة استغرقت عامين و نصف جمعت ما بين ديري الأنبا بيشوي و السريان بدأت بدخولي دير السريان في 25 فبراير عام 1988 كان حينها نيافة الأنبا ثاؤفيلس رئيس الدير مريضًا، و حينما ذهبت للسريان في ذلك الوقت كان لم ينتهِ من بناء قلالي للرهبان، حيث كان يتم بناء عمارة جديدة خارج أسوار الدير الأثري.
و كان ربيتة الدير وقتها لم يكتفِ بخطاب التزكية من قبل الأنبا باخوميوس فقط و إنما طلب مني الحصول على إذن من قداسة البابا شنوده لدخولي الدير , و هنا بالمصادفة كان قداسة البابا في طريقه لدير الأنبا بيشوي , فطلبت من نيافة الأنبا صرابامون رئيس دير الأنبا بيشوي إتاحة الفرصة لإعطائه الخطاب، فأشار علي بمقابلته في ذات اليوم و بالفعل بمقابلته أشار علي الانتظار لفترة في الأنبا بيشوي لحين الانتهاء من بناء القلالي في دير السريان و بالتأكيد وافقت , و عليه أمر ببقائي في الأنبا بيشوي لفترة لعلها استغرقت مدة 4 أشهر و نصف بانتهاء بناء قلالي السريان و حينها خيرني قداسة البابا ما بين الاستمرار في دير الأنبا بيشوي أو الذهاب للسريان , و لأن شوقي كان لدير العذراء السريان طرقت أبوابه و استكملت فترة الاختبار داخله لحين ما تمت سيامتي راهبًا.. و لا أنسى مقابلة البابا لي و ترحابه و ضحكه معي و احتضانه و احتوائه لي و دوره الروحي و الرهباني في حياتي .
+ إلى هذا الحد كان الطريق صعبًا و لم يكُن مؤهلًا لبداية حياة رهبانية ؟
++ بالتأكيد كانت الحياة الرهبانية في بدايتها , طريقًا لم يكُن سهلًا فكانت حياة بسيطة و مختلفة , كل راهب في قلايته و ديره وسط الصحراء بعيدًا عن العالم و مشغولياته , حاليًا الأمور أفضل كثيرًا عن فترات سابقة بوجود مزارع و مشروعات خدمية بما يدعنا القول أنه تم تعمير الصحراء إلى مزارع خضراء بما انعكس بشكل أفضل على وضع الدير .
ذكريات لا تنسى فى الأنبا بيشوى
+ استضافك نيافة الأنبا صرابامون في دير الأنبا بيشوي.. ما الذي تستدعيه ذاكرتك من مواقف عنه لاتنسى و ماذا عن تلك الفترة ؟
++ كانت فترة روحية كبيرة للغاية , كنت خلالها من آن لآخر أتردد على سيدنا للاعتراف و الاسترشاد ببعض الأمور الرهبانية، و كان عملي وقتها داخل الدير في بيت الخلوة مع أبونا رويس الأنبا بيشوي “نيافة الأنبا سلوانس” , و حبي للخدمة كنت استغل أي وقت فراغ لمساعدة أبونا بيمن الأنبا بيشوي في ورشة الخياطة، و من ثم حياكة “بياضات” الوسادات الخاصة ببيت الخلوة أو جلباب أحد الأخوة أو ري الأشجار .
تعرفت على آباء شيوخ قدامي تعلمت منهم الكثير , و كان أبونا سمعان الأنبا بيشوي واحدًا منهم فكان قديسا له بصيرة روحية و راهب ناسك تباركت بمعرفتي به في بداية مشوار الرهباني، وهو الذي تنبأ بأحداث أبو قرصاص في المنيا عامي 1994 و 1995 .
و لا أنسى بشرى الأنبا صرابامون و إبلاغي رسالة البابا لي بانتهاء بناء القلالي في السريان، و من ثم بإمكاني البقاء أو العودة حسب رغبتي, فكان دخولي دير السريان في يوم 12 يوليو عام 1988 و هو ما كان يوافق عيد مارافرام السرياني بما اعتبرته بركة و علامة إلهية .
بداية التعارف على البابا تواضروس
+ قضيت 4 أشهر و نصف في دير الأنبا بيشوي الذي كان واحدًا من أبنائه قداسة البابا تواضروس الثاني.. هل من مواقف جمعتكما معا خلال تلك الفترة ؟
++ بالطبع تقابلنا سويًا و كانت لي مواقف معه لا تُنسى , فحينما تقابلت مع قداسة البابا شنوده في دير الأنبا بيشوي و أشار لي البقاء فترة في الدير على الفور اتصل تليفونيًا بأبونا ثيؤدور الأنبا بيشوي ” البابا تواضروس الثاني ” و أبلغه بأن الأخ “سمير” سيقيم عندك في القصر لحين مقابلة نيافة الأنبا صرابامون , و بالفعل ذهبت إليه و استقبلني بابتسامته المعهودة و روحه الطيبة و بالفعل أقمت في القصر ليلة و في الغد تقابلت مع الأنبا صرابامون و وجهني لتولي الخدمة داخل الدير في بيت الخلوة .
وجدت في أبونا “ثيؤدور” الذي قصد دير الأنبا بيشوي في بداية عام 1987 الهدوء الشديد والصمت أيضًا تمتعه بحب القراءة للكتب، نظرًا لعمله داخل قصر دير الأنبا بيشوي إلى جانب التزامه الرهيب بالمواعيد في الصلوات و القداسات, و كثيرًا ما كنت أقصده و أتحدث معه و دائما ما كان ينصحني بنصائح مفيدة، و منها “اخدم في صمت” .. “اهتم بقوانينك الرهبانية التي قالها لك سيدنا” . “اشغل وقتك بالقراءة ” .. “التزم بنظام الدير ” .
اختبارات الأنبا ثاؤفيلس
+ ماذا عن بداية مشوارك الرهباني بدير السريان العامر؟
++ استكملت فترة الاختبار في دير السريان بالزي الأزرق كأي طالب رهبنة و ادعى ” الأخ سمير ” , وقتها استدعاني الأنبا ثاؤفيلس رئيس الدير و كان أبائنا الشيوخ قائلين لنا كأخوة طالبين الرهبنة “أي حاجة يقولها لكم , قول حاضر و اخطئت و تضرب مطانية ” و كان دائم الاختبار لنا باختبارات شديدة و صعبة و كثيرًا ما كان يقول لنا “أيه اللي جابك هنا , ما تروح دير تاني” , “اشمعنى الدير ده ” و غيرها بهدف اختبار قوة القرار و مدى الإصرارعلى استكمال المشوار من عدمه , كنا من واقع خبرات آبائنا الشيوخ نجاوب الأنبا ثاؤفيلس باجابات مقتضبة بجملة أو جملتين , و بنجاح الاختبار الأول قال لي:”أنت يا ابني نخليك تلبس الجلابية البيضاء و يبقى اسمك ابرام ” و استمريت في الزي الأبيض باسم ” ابرام ” لمدة عام كبداية أولى في مشواري الرهباني .
كانت بحق أجمل أيام و أجمل حياة , و كان عملى داخل دير السريان في مجمع الدير، كما كنت أخدم مباشرة نيافة الأنبا ثاؤفيلس رئيس الدير خلال فترة مرضه في مدة استغرقت عام من وقت ذهابي للدير حتى يوم نياحته في 5 ديسمبر عام 1990 .
+ كيف كانت التلمذة على يد الأنبا ثاؤفيلس رئيس الدير خاصة و أنه كان يُعرف عنه أنه شديد الطباع ؟
++ على الرغم من امتحاناته الصعبة لنا كأخوة إلا أنني أجده نقل خبرة الشيوخ القدامى في الاختبارات و التعاملات مع أي طالب رهبنة للتأكد من موقفه.
كما أنه كان يختبر بطريقة يجرح و يعصب و هو أمر طبيعيا لكونه تربى على يد آباء شيوخ في سلكه طريق الرهبنة عام 2619 و من ثم نقل تجاربه مع الآباء الشيوخ في امتحان كل طالب رهبنة لذا كان يتمتع بالخبرة الرهبانية الشديدة.. يشهد للانبا ثاؤفيلس الذي تم اختياره اسقفا على الدير عام 1947 أنه كان أب حاضر الذهن لآخر لحظة , يتمتع بالذكاء الشديد , و لعلي أعتز بتلمذتي على يديه فتعلمت منه الإخلاص الشديد للرهبنة و للحياة الرهبانية أيضًا حب القلاية القوي فكان دائما يقول لنا ” القلاية يا ابني تعلمك كل حاجة ” .
كواليس السيامة .. واختيار الأسم
+ كيف كان حال الحياة الرهبانية في بداية مشوارك داخل دير السريان إلى أن تمت السيامة ؟
++ كان مجمع الرهبان في عام 1988 حوالي 54 راهبًا , و كانت الزيارات للدير يومي الجمعة و الأحد، و كان يتم استقبالهم في قصر الضيافة.
و كانت الحياة طبيعية داخل أي دير مقتصرة على الصلوات و القداسات , و أتذكر أنه نظرًا لقلة عدد الرهبان كنت تقريبًا يوميًا أصلي القداس مع أبونا الكاهن و أرد المردات معه , و يبدأ كل راهب العمل في الساعة التاسعة صباحًا وفقا للمسئولية التي اُسندت إليه .
خلال تلك الفترة كان لي اهتمام بمكتبة الدير و القراء ة عن التاريخ السرياني و سبب تسمية الدير باسم العذراء، وأيضًا البحث عن سير قديسين يحملون اسم ” ابرام”.
كما انغمست في دراسة التاريخ المسيحي وتحديدًا في تاريخ الكنيسة السريانية و الكنيسة القبطية.
كما التحقت في دورة تدريبية مدتها 5 سنوات، أتاحها لنا المتنيح نيافة الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر لدراسة الفن القبطي على يد مجموعة دكاترة من هولندا , و اكتشفت مجموعة آثار مهملة في الدير.
و بدأت في تجميع قطع أثرية من أيقونات من معادن وأخشاب , وأيضًا العثور على عملات بسيطة أثناء الترميم، و من ثم حفظه في متحف متخصص داخل الدير.. و لاهتمامي بالفن و الآثار كلفني نيافة الأنبا متاؤس رئيس الدير فيما بعد بمسئولية ترميم الدير و التعامل مباشرة مع موظفى الآثار .
أتذكر أنه بعد نياحة الأنبا ثاؤفيلس , طلب قداسة البابا شنوده منا كطالبو رهبنة كل واحد باختيار اسما له للسيامة , و كانت حيرتي ما بين الاستمرار باسم ” ابرام “.
كما دعانى الأنبا ثاؤفيلس أم اختيار اسم من آبائنا الشهداء القديسين أمثال بوليكربوس – و وقتها علمت بوجود أب راهب بنفس الاسم – أو كبريانوس , و و سط حيرتي قمت بزيارة الأنبا باخوميوس في قلايته و اخبرته عن رغبتي في اختيار اسم لشهيد، و هنا أشار على بـ”مارتيروس” لكون معناه شهيد و بالفعل عند السيامة اعطيت قداسة البابا ورقة ترشيح بالأسماء أولها مارتيروس ثم كبريانوس ثم ابرام , فكان اختيار البابا شنوده لاسم “مارتيروس”، و تمت السيامة في 72 ديسمبر عام 1990 .
مسئولية كبيرة
+ توليت مسئولية ” ربيتة الدير ” لمدة عامين و نصف و قلت عنها أنها مهمة في غاية الحساسية .. لماذا ؟
++ بالفعل توليت المهمة بعدما أخذت نعمة الكهنوت في 30 يناير عام 1997 , حينها طلب مني نيافة الأنبا متاؤس رئيس الدير مساعدته كربيتة للدير و بدأت الخدمة و عمري 33 سنة و كانت مهمة في غاية الحساسية لما يعرف عن الحياة الرهبانية بأنها مجتمع مغلق يعيش فيه الرهبان داخل أسوار الدير كل بحسب تنشئته الاجتماعية و ثقافة مجتمعه الذي نشأ فيه و عاداته و تقاليده , فبطبيعة الحال من هو من بورسعيد و من سوهاج و من المنيا و أسوان و الأسكندرية و أسيوط و غيرها من القرى و المراكز و المحافظات و بالتالي عادات و ثقافات مختلفة ” و هنا المسئولية حساسة في التعامل بحكمة مع كل راهب بحسب حالته و وضعه و ثقافته و مجتمعه الذي تربي داخله و عاداته التي نشأ عليها طالما أن الأمر لا يخل بقوانين و نظام الدير , و هنا اتخذت منهج مع نفسي فيما يخص شئون الإدارة و هي التعامل بمحبة و بحكمة أولا و بتواضع شديد لاسيما مع وجود آباء شيوخ كبار في البرية بما يحكمنا التعامل معهم بشكل خاص , أيضًا تسير الأمور دون تعقيدها مع عدم شخصنة الإدارة و التعامل مع المشكلة بشكل إنساني دون شخصنة أحد و إنما التعاطف مع صاحب المشكلة و وضع نفسي مكانه و في ظروفه بجانب تدبير الأعمال بشكل سلس من استقبال زوار و متابعة أمور الدير و إقامة الصلوات في مواعيدها , فضلًا عن الاهتمام بحال الآباء و معرفة من بحاجة لمتابعة صحية يتم رعايته و من يستدعى حالته نقله لمستشفى ينقل على الفور و غيرها من الأمور التي يتسم بها ” ” المدير الإنساني ” كما يعرف في علم الإدارة .