فقالت مريم :تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي, لأنه نظر إلي تواضع أمته…كشف عن شدة ساعده فشتت المتكبرين في قلوبهم.
أنزل الأقوياء عن العروش ورفع المتواضعين(لوقا1:46-52).
الكبرياء رذيلة مدمرة لصاحبها! مما لاشك فيه أن كل شخص منا يحمل بذرة الكبرياء في قلبه منذ الطفولة, ولكن لماذا يتعالي الإنسان علي غيره ويحتقره؟ ماذا يملك في هذه الدنيا الفانية يستطيع به أن يطأ الآخرين؟هل يقدر أن يتفاخر بعلمه وذكائه ودهائه وماله؟ من يستطيع أن يتباهي بقامته وجماله, أليس أدني أذي يشوه هذا الجمال ويفسده؟ والذي يظن نفسه أفضل من الجميع, فقد يكون أشر منهم في نظر الله فاحص القلوب والكلي.
يصف الكاتب الإيطالي Luigi Santucci في أحد أشعاره المتكبر هكذا: أنه مثل الدودة الحلزون (يطلقون عليها البصاقة) التي تتباهي بذاتها, عندما صعدت إحدي المسلات الفرعونية, ونظرت إلي سيل لعابها قالت:بكل تأكيد سأترك بصمة في التاريخ.
فالمتكبر هو شخص معجب بذاته سواء مدحه الناس, أو لم يمدحوه لمواهب يمتلكها أو لخير قام به, فيحاول أن يعوض بنفسه عن تجاهل الناس له,فيسعي إلي الزهور والافتخار بشخصه أمام الجميع.
يحكي أن رجلا وابنه كانا يسيران في الطريق, وعندما وصلا أحد الحقول قال الابن لأبيه:انظر يا أبي تلك السنابل الشامخة إلي العلاء التي تتهادي مع النسيم, مما لاشك فيه أنها تعتز بكثرة ثمارها وتفتخر بجمال سنابلها,ولكن تلك المنحنية التي تميل برأسها منكسة إياها نحو الأرض, فهي في شدة الخجل من قلة ثمارها! فأجابه والده:إن الأمر عكس ما تعتقد تماما, لأن السنابل الشامخة, لم ترتفع بسبب ما تحمل من ثمار, ولكن لأنها خفيفة فارغة جوفاء لاثمر فيها, بخلاف تلك المنحنية نحو الأرض فهي مثقلة بالحنطة الكثيرة.
فقيمة الإنسان ليست في إعجابه بذاته أو مديح الناس له بالتملق, بل فيما يأتيه من أعمال صالحة وفاضلة وخيرة.
من ينكر أن الكبرياء هو أصل كل بلاء وشقاء لأنه يدفع صاحبه إلي ارتكاب الشرور, وكل من يصاب بهذا الداء يتعامل مع الآخرين بالافتراء والطغيان, حتي أنه يتباهي بفرض سلطانه وجبروته وقوته علي الآخرين.
والإنسان المتعالي فارغ يحدث ضجيجا كالإناء الخاوي من كل شيء, ويحيط نفسه بهالة كاذبة متخيلا ذاته الأمر والناهي, متناسيا أن كل حياتنا بيد الله خالقها وواهبها وحاميها.
والمتكبر يتصور أنه مانح العطايا لمن يشاء ومانعها عن غيره حسبما يتراءي له,كما أنه يتلذذ باستعباد الناس وخضوعهم له.
والإنسان المتعالي يثير الضحك فينا, لأنه يعتقد أن العالم كله سيخسر كثيرا إن لم يستمع لنظرياته وآرائه ويعمل بها, أو أن العالم لايقدر أعماله, والويل لمن يعترضه أو لم يعجب بقدراته.
ذات يوم كان عازف البيانو والمؤلف الموسيقي الشهيرMoritz Moszrowski يسير في شوارع فيينا مع صديقه الروسي ألكسندر جلازنوف وعندما وصلا لمنزل الموسيقار النابغة فرانز شوبرت, شاهدا لوحة تذكارية باسمه لتخلد تاريخه فقال جلازنوف لصديقه عازف البيانو:هل تعتقد أنهم بعد موتي سيضعون لوحة تذكارية مشابهة علي باب شقتي؟ أجابه الموسيقار:طبعا! فسأله:وماذا سيكتبون عليها؟ أجاب عازف البيانو:شقة للبيع إذا نتعلم من هذا الموقف معرفة قدر ذواتنا,وهذا يتطلب منا شجاعة أدبية, من منا لايشعر بالسعادة والرضا عندما يمدحه الناس؟! لكن الغالبية العظمي لا تهتم إن كان هذا المديح في مكانه أم لا, أو إذا كان صادقا يعبر عن واقع ملموس أو مجرد مجاملة ساخرة وتملق فاضح, كما أن البعض الآخر بالرغم علمهم الواضح بأنهم لا يستحقون هذا المديح الذي يقال فيهم, إلا أنهم يقبلونه معتبرين إياه سلاحا وحجة لإخفاء عيوبهم والتغاضي عن نقائصهم ويرضون عن ذواتهم, ويصل بهم الحال إلي العمي الكامل عن أخطائهم, بينما المتوضع يعلم جيدا ما بداخله خيرا كان أم شرا.
وفي هذا الصدد يقول أحد آباء الكنيسة:إن كنت مغرورا فأنت شيطان, وإن كنت حزينا فأنت ابنه, وإن كنت مهتما بأمور كثيرة فأنت خادمه فالإنسان يستطيع أن يرتفع بنفسه ويرفع رأسه إذا تحلي بالأخلاق, ولايفقد وداعته ولا يخسر روح تواضعه وينحني لله الذي وهبه كل ما يملك شاكرا له جزيل نعمه ونختم بقول الكاتب الإنجليزي جورج أليوت الذي يصف فيه المتكبر هكذا:لقد خيل له الغرور ما تخيله الديك حينما أشرقت الشمس فظن أنها تشرق كل يوم لتطرب من صياحه.