يستكمل نيافة الحبر الجليل الأنبا مارتيروس حواره ل ” وطنى ” بمناسبة مرور 20 عاما أسقفا على كنائس شرق السكة الحديد ويكشف كواليس سيامته أسقفا وظروف اختياره وخدمته داخل المنطقة وتريب أولوياته بمجرد توليه المسئولية، والغرض من مركز بى لمباس ورؤيته بشأن الخدمة “اون لاين” وغيرها من التساؤلات يكشفها لأول مرة.. فالى الحوار..
الرهبنة.. كما تكون
+ مشوار طويل للرهبنة وحياة مليئة بالخبرات الروحية .. ما الذي تعلمه سيدنا داخل أسوار الدير واستفاد منه في حياته بخروجه للعالم ثانية لرعاية شعبه ؟
++ تعلمت فضيلة الاحتمال وطول الأناة وأيضًا إنكار الذات وأن أقدم وأخدم وأبذل بحب دون انتظار المقابل حتى وإن كان شكر.. إلى جانب إعطاء المجد لله في كل ما يتم من أعمال وما يتحقق من إنجازات مع العلم بأن كل ما هو أمامي لم يعد ملكي وإنما هو ملك لله سواء أموال أو مباني. فضلًا عن السير بمنهج فكر الإنجيل وتعاليم المسيح ووصاياه. كما قال “مهما فعلتم فقولوا أننا عبيد بطالون ”
فترة اختبار قبل الأسقفية
+ ماذا عن كواليس اختيارك لتصبح أسقفًا.. ومن الذي فكر في ذلك الترشح.. ورد فعل نيافتك بشأن هذا القرار ؟
++ قضيت نحو 12 عامًا راهبًا داخل أسوار الدير، بعدها فوجئت في عام 2000 طلب قداسة البابا شنوده من الأنبا متاؤس نزولي لمنطقة الخصوص ومساعدة الأنبا صموئيل في خدمته خلال فترة مرضه باعتباري صديقًا له داخل الدير. لم أكن مرحبًا بذلك القرار لكنني ذهبت من أجل الطاعة، وبالفعل قضيت فترة قصيرة حوالي 11 شهر وبعدها اعتذرت عن الخدمة، وقتها انتهزت فرصة وجود قداسة البابا في الدير لتطييب جسد الأنبا يحنس كاما وأعطيته ورقة بالاعتذار وعليه استكملت طريقي الرهباني داخل الدير.
بعد فترة فوجئت بطلب البابا شنوده بذهابي لمقابلته في الكاتدرائية، وهناك طلب مني الخدمة في منطقة شرق كنائس السكة الحديد، ودعاني لرتبة القمصية سريعًا لسيامتي أسقفا على المنطقة. لم يكن لدي أي مجال للاعتذار حرصًا على مساعدته وعدم مضايقته، ولعل فترة خدمة منطقة الخصوص كانت بمثابة مرحلة اختبار وتأهيل لما كان يدور في مخيلة قداسة البابا، فكانت السيامة في 3 يونيو عام 2001 .
+ ما التحديات التي واجهتك بعد السيامة كأسقف عام كنائس شرق السكه الحديد وكيفية التغلب عليها ؟
++ التحديات تمثلت في طبيعة العشوائيات ذاتها، وعليه ظللت مدة لا تقل عن 3 سنوات أدرس وأبحث كي أتفهم طبيعة المنطقة وأبلور فكر كامل عن كيفية إدارتها والتعامل معها ومعرفة حالات المخدومين ووضعهم وظروفهم. ومن ثم أدركت أن المناطق العشوائية لها طبيعة خاصة في خدمتها نظرًا لوجود الفقر الذي يُعد سببًا لكل المشاكل، لذا تواصلت مع الخدام وعقدنا اجتماعات عديدة أتعرف عليهم وأستمع إليهم في المقابل يتعرفون على ويعرفون ما أفكر فيه وما أود من تحقيقه، ونتبادل سوياً الخبرات وقدمنا أفكار ومع التجربة نقيم مدى نجاحها من عدمه وطول الوقت نسعى للتطوير من أنفسنا للوصول لشكل خدمة أفضل .
+ أول مهمة قمت بتحقيقها داخل منطقة شرق السكه الحديد بمجرد توليك المسؤولية.. وحجم الإنجازات التي تمت على أرض الواقع عبر 02 عامًا ؟
++ بعد معرفة طبيعة المنطقة، أدركت أنه من الأولويات الاهتمام بسيامة آباء كهنة جدد لخدمة الأهالي على كافة المستويات، وبالفعل تسلمت المنطقة بحوالي ٥٤ كاهن وصلنا حاليًا إلى ٧٢ كاهنًا (بعد نياحة ٥ كهنة بـ “كورونا “) أيضا زيادة عدد الكنائس بعدما كانت ٩ كنائس أصبحت حاليًا بنعمة ربنا ١٨ كنيسة.
هذا بجانب الاهتمام بإنشاء مراكز خدمية أخرى داخل المناطق المختلفة، نتيجة لتزايد الكثافة المسيحية في المنطقة بطريقة كبيرة بما يستوجب منا الاعتناء بالفقراء وتحديدًا بالأطفال وتكثيف خدماتنا على مستوى الكنائس لصالح الطفل بالأساس – نفسيًا و اقتصاديًا ومعيشيًا وصحيًا وروحيًا وتعليميًا – من خلال إعداد مجموعة خدام مهمتها الاستذكار مع الأطفال ومساعدتهم في دروسهم مع الاهتمام بالنواحي الترفيهية بإقامة رحلات ومصايف مجانية. لهذا الغرض أنشأنا بيوت للمؤتمرات مجانية في أبو سلطان والخطاطبة والبيت ثالث مازال تحت الإنشاء في منطقة العبور .
كما بدأنا إعداد خدمات بعيدة عن الخدمة الكنسية لأخوة الرب ، تضمنت إعداد وجبات مأكولات لكبار السن الذين لم يكن لديهم أحد لخدمتهم، إضافة إلى مجموعات “لعازر المسكين” لزيارة الحالات في منازلها وقضاء وقت من يومهم بجانبهم.
ومن ضمن الخدمات التي كانت أساسية، تخصيص اجتماع للمتزوجين، وآخر للحرفيين الشباب بعيدًا عن اجتماع الكبار..
وسط كل تلك الخدمات، حرصنا على الاهتمام بتثبيت العقيدة الأرثوذكسية لدى أهالي المنطقة لمواجهة الأفكار المغايرة للعقيدة الأرثوذكسية وعليه نشأ “مركز نيقية” داخل كل كنيسة لدراسة العقيدة بشكل سليم .
كما اهتمينا بتخصيص عيادات طبية داخل كافة المباني التابعة للكنائس الجديدة، لخدمة أهالي المنطقة بشكل عام، إلى جانب إقامة دور للأيتام بكنيسة العذراء بمهمشة وآخر بمدينة النور في الزاوية الحمراء وإتاحتهم مجانا .
+ كيف استطعت التواصل مع الأهالي والتقارب معهم ومعرفة مشاكلهم لتصبح واحدًا منهم وتنال كم ذلك الحب من أبنائك ؟
++ كان لابد من التواصل مع الأهالي باستمرار لمعرفة أحوالهم وظروفهم ومشاكلهم.. نتعامل معهم بكل محبة وتواضع دون تمييز أحد، فالجميع أبنائي ولا أُفرق بين واحد وآخر وأشاركهم أحزانهم وأفراحهم.. أيضًا أقوم باعداد جدول لزيارة الكنائس بانتظام وحضور الاجتماعات ومشاركة أبنائي في كل شىء، كما أخصص يوم الجمعة لحضور مدارس الأحد مع الأطفال، جميعها أمور هدفها التقارب والتواصل وكسر أي حاجز مع الأهالي.. ودائما بابي مفتوح للجميع ونعمل على حل المشاكل .
الأسقفية أصعب
+ كيف ترى مهمة “ربيتة الدير” بعد مسئولية الأسقفية.. وأيهما أصعب في رأي نيافتك ؟
++ بالطبع مهمة الأسقفية أصعب مقارنة بمسئولية “ربيتة الدير” والسبب يرجع للكثافة العالية المكلف بخدمتها ممثلة في 9 أحياء، داخل الحي الواحد حوالي 3 الآف أسرة باستثناء حيين يبلغ تعداد الأسر المسيحية داخلهم ألف ونصف، وهو ما يعد مسئولية كبيرة يفترض معها الخدمة الجماعية والعمل بروح الجماعة لخدمة تلك النفوس، بخلاف وضع الدير كانت المهمة محدودة تنحسر في تدبير أمور حوالي 100 راهب .
+ كيف تحافظ على روح الراهب وسط مشغوليات العالم.. وهل مازالت مرتبطًا بالدير؟
++ لا شك أشتاق كثيرًا للقلاية داخل الدير، وأحافظ على روح الراهب داخلي بحب السكينة والهدوء، وقضاء أوقات الفراغ في البحث والقراءة والكتابة وإعداد دراسات ومحاضرات.
مركز تنويرى
+ الغرض من مركز بي لمباس.. وتطلعاتكم لانتشاره بشكل أكبر ؟
++ بعد حصولي على درجة الماجيستير في أيقونات الشهداء الفرسان عام 2012 والدكتوراه عام 2017 في فن المخطوطات القبطية، فكرت في إنشاء مركز متخصص في الدراسات القبطية والقبطولوجي يقدم محتوى عن الفن والآثار والتاريخ واللغة والأدب القبطي والتقويم القبطي، إلى جانب ما يقدمه مركز نيافة الأنبا رافائيل في الليتورجيا والآبائيات أيضًا مدرسة تيرانس في الإسكندرية للتعليم اللاهوتي والليتورجيا.
بالفعل تم افتتاحه منذ عام ونصف ويتم تقديم محاضرات شهرية على يد متخصصين بهدف التنوير وتقديم محتوى يليق بفكر “القبطولوجي” والدراسات القبطية، ولعل الأمر يتضح من تسميته “بي لمباس ” فكلمة ” لمباس ” باليوناني تعنى مسرجة أو لمبة أو النور، أما ” بي ” فهي أداة تعريف ومن ثم يصبح المعنى “مركز النور” .
حاليًا أُفكر جديًا في توسيع نشاطه لوصول الخدمة لأكبر عدد ممكن ونأمل في توفير أماكن لعقد ندوات ومحاضرات بما يتيح إعداد ورش عمل .
الأرشيدياكون حبيب جرجس
+ ما دورك في نقل رفات الأرشيدياكون حبيب جرجس وعودته لكنيسته بمهمشة ؟
++ كان مقترح للقس أنطونيوس إيليا كاهن كنيسة العذراء عياد بك، الذي أعد ماجيستير بشأنه وبالتالي يُعد أول من نادي بنقل جسده وعمل متحف خاص بمقتنياته، وكان ذلك في لقاء مع البابا شنوده عام 1989
حينما تمت سيامتي أسقفًا وجئت لكنيسة العذراء بمهمشة في 21 سبتمبر عام 2001 وهي كنيسة الأرشيدياكون التي خدم بها، فكرت جديًا في إحياء الفكرة فقدمت عريضة لسيدنا البابا في عام 2009 ووقتها أشار علي بتقديمها لنيافة الأنبا بيشوي؛ لمناقشتها في المجمع المقدس، وقتها كانت فترة مرض البابا شنودة وحينها قال الانبا بيشوي ” الأمر حساس لكون البابا تلميذ للأرشيدياكون حبيب جرجس وبالتالي لم يكن في الصالح هو من يسعى للاعتراف بقداسته ” و هنا اضطريت الانتظار لإرادة الله ..
وبتولي نيافة الأنبا باخوميوس مسئولية القائم مقام للكنيسة عرضت عليه الموضوع، فأشار على بالانتظار لحين تنصيب بابا جديد، وقد كان، عرضت على البابا تواضروس في عام 2013 بعد تجليسه وتم بحث الأمر في لجنة الإيمان والتعليم والجميع أقر بدوره، ومن ثم الاعتراف به في 12 يونيو عام 2013 وبعدها تم نقل جسده كاملاً من مدفنه الخاص في الجبل الأحمر إلى كنيسته بمهمشة.
وكان برفقتي نيافة الأنبا مكاريوس أسقف المنيا وأبو قرقاص في 4 أغسطس 2013 ، وكان يوم احتفال مهيب .
كما تم إعداد متحف خاص له في مهمشة عام 2015 يحتوي على صور له والبطرشيل الذي كان يرتديه في مدفنه إلى جانب عدد من الوثائق القديمة، والصندوق الذي كان يحوي جسده، وحاليًا يتم تطييب جسده في عشية نياحته يوم 20 أغسطس من كل عام لكونه تنيح في يوم عيد العذراء في 21 أغسطس عام 1951 .
بالطبع اعتراف المجمع المقدس بقدسيته أعطى الأرشيدياكون حبيب جرجس حقه من التكريم كرائد ومؤسس لمدارس الأحد.
أيضًا نعتز كثيرًا بإطلاق اسمه على بعض الكنائس ومنها كنيسة في أبو قير بالإسكندرية منذ 5 سنوات وفي مهمشة أيضًا وأخرى في سيدني بأستراليا. وكذلك بدأ وجود هياكل باسمه ولا ننسى إدراج اسمه ضمن مجمع القديسين في القداس الإلهي .
+ ماذا عن أهم مؤلفاتكم طيلة 20 عامًا ؟
++ منذ صغري أحب قراءة القصص وكتب الألغاز وسير قديسين وغيرها في الثقافة العامة، فصارت منهج حياتي، وهو ما انعكس فيما بعد في حبي للبحث والدراسة، ومن ثم كتابة حوالي 30 كتيب صغير، من بينهم كتاب حول تاريخ دير الأنبا يوحنا كاما وسيرته باللغة القبطية. أيضًا كتبت عن تاريخ الأرمن في مصر، إلى جانب كتيبات عن الرهبنة القبطية أم الرهبانيات في العالم، وكتاب آخر عن أعياد الميلاد والقيامة وأيقونة الميلاد وأيقونة القيامة . فضلًا عن مشاركتي في مؤتمرات عديدة بالخارج وإعداد محاضرات في هولندا وباريس وإيطاليا وأمريكا .
الخدمة .. و كورونا
+ كيف ترى الخدمة “أون لاين” في ظل جائحة كورونا.. ولأي مدى نجحت الكنائس في اجتياز التجربة بنجاح في استمرار الخدمة وتواصلها مع أبنائها اثناء فترة الغلق ؟
++ بالتأكيد الكنيسة نجحت بامتياز في تعاملها مع أزمة ” كورونا ” بابتكارها أفكار جديدة ووسائل جديدة وتحويل خدمتها لـ”اون لاين” من باب التواصل مع أبنائها وتقديم المحتوى الروحي في شكل مختلف. وبالطبع التكنولوجيا ساعدت في ذلك؛ فمن خلال تقنية “الزووم” كان بالإمكان عقد لقاءات مع المخدومين أو مشاركة في اجتماعات أو تواصل خدام مع مخدوميهم بالصوت والصورة.
كما كان بالإمكان إلقاء كلمة عظة وغيرها من الأشكال التي ساعدتنا في استمرار الخدمة لحين ما تعاود الحياة مرة أخرى وعودة التعليم التفاعلي المباشر داخل الكنيسة .
لجنة المصنفات الفنية بالمجمع المقدس
+ باعتبارك مقرر لجنة المصنفات الفنية بالمجمع المقدس .. كيف ترى الأعمال الدينية المقدمة.. وما الذي قدمته اللجنة منذ إنشائها في عام 2003 ؟
++ مهمة اللجنة متابعة أي عمل درامي يتعرض للحياة الاجتماعية المسيحية، وحتى الآن صدر حوالي 95 فيلمًا بعد موافقتنا عليه منذ إنشاء اللجنة في عام 2003 في المقابل تم رفض أكثر من 50 فيلم لأسباب تتعلق بضعف السيناريو بدرجة كبيرة أو وجود أخطاء عقائدية وإيمانية لا نقبلها، منها رفض سيناريو حول العائلة المقدسة لما كان يتضمنه من مغالطات. كذلك فيلم كان يتعرض لشخصية البابا شنوده خلال الفترة الأخيرة، و أعلنا موقفنا الرافض لهذا العمل من خلال الصحافة لكونه يظهر البابا بأنه رجل سياسة وهو ما يخالف الحقيقة.
+ ماذا عن لجنة التعليم والإيمان بالمجمع المقدس ؟
++ تعد من أهم اللجان داخل المجمع المقدس لحرصها على سلامة الإيمان في الكنيسة القبطية وتثبيت الفكر الإيماني والعقيدة الأرثوذكسية.
لذا دائمًا ما تنعقد اللجنة لمحاربة كل فكر يشوه العقيدة الأرثوذكسية، ومن ثم التعليق عليه.
هذه مسئولية كبيرة على عاتق نيافة الأنبا بنيامين مطران المنوفية ودائمًا ما يقدم الكثير لتثبيت العقيدة والفكر الأرثوذكسي .
لمتابعة الحلقة الاولى من الحوار