مفتاح النجاح في أي مهنة هو التركيز علي تطوير وتحسين أداء أبنائها واستغلال قدراتهم وخبراتهم المتراكمة, فالحياة تتغير بتسارع كبير جدا والشخص الثابت في مكانه لايمكن أن يواكبها ومن لايتغير ويتطور سيتخلف عن ركبها, أما عن مهنة الصحافة فبالحق أقول تخلفت كثيرا عندنا عن ركب الحداثة والتطوير, حتي إن الكثير من المؤسسات الصحفية لا تزال تتمسك بالأنماط القديمة في تقديم الأخبار والموضوعات الصحفية, ففي ظل عزوف نسب كبيرة من شرائح المجتمع عن القراءة نجد الكثير من المؤسسات الصحفية مازالت تقدم موضوعاتها في شكل كتل كلامية ضخمة لايهتم أو يستمتع بقراءتها القاريء العادي إنما قد يهتم بها نسبة ضئيلة جدا من القراء المتخصصين., فعلينا أن نعترف جميعا أن الصحافة التفاعلية أصبحت هي الأكثر جذبا للقارئ عن الصحافة المقروءة حتي أصبحت الموضوعات الصحفية المرئية أو المسموعة من خلال فيديوهات معدة بشكل حرفي لتقديمها للمتلقي هي الأكثر رواجا علي كل المنصات الإخبارية والمواقع الصحفية.
وهناك العديد من التجارب المهنية التي أثبتت نجاحها في هذا الخصوص واستطاعت أن تواكب ركب الحداثة والتطوير في مجال الصحافة والإعلام حتي صنعت من أبنائها جيلا جديدا من مقدمي البرامج والمعلقين الصوتيين والمحاورين والمصورين الذين قد يكونون روادا لصناعة الإعلام في المستقبل القريب.. ولكن يبقي السواد الأعظم من أبناء المهنة الذين تخلفوا عن الركب ومازالوا يؤمنون بالكلمة المكتوبة دون مواكبة العصر تجاه الكلمة المرئية والمسموعة. ففي ظل عزوف نسب كبيرة من القراء عن شراء الصحف- وهذا ما توضحه أرقام توزيع الصحف اليومية وكذلك الأسبوعية- فضلا عن انتشار التطبيقات الإخبارية التي يحملها الجميع علي هواتفهم المحمولة والتي توافينا بأحدث الأخبار لحظة بلحظة, نجد عزوفا جارفا بين أبناء المهنة وشيوخها عن الكتابة الصحفية, وذلك لشعورهم العميق بأن هناك فجوة بين الصحافة المكتوبة والقارئ.
أذكر شعارا كان جليا في فترة التسعينيات وهومهرجان القراءة للجميع لكن توارت مهرجانات القراءة وحلت محلها مهرجانات من نوع آخر مثل مهرجانات حسن شاكوش وعنبة وموزة وغيرها!! وارتفع شعار محدش بقي بيقرا, وبعد أن خيمت حالة من الكساد المهني ألقت بظلالها علي عدد كبير من أبناء المهنة الذين لم يشملهم التطوير كان من المؤسف للغاية أن أصبحت المؤسسات الصحفية القومية عبئا علي الميزانية العامة للدولة, حتي أصبح الحل هو توجه الدولة لضم الإصدارات في المؤسسة الصحفية الواحدة الأمر الذي أضر بأبناء تلك الإصدارات, وأما عن المؤسسات الخاصة فهؤلاء لم يستطيعوا الصمود أمام هذا الكساد والتراجع في نسب التوزيع فكان الحل هو تسريح أعداد من أبناء المؤسسة والاستغناء عنهم وتخفيض مرتبات الباقين لحد قد يصل للنصف ,وبهذا نكون أمام حلول جميعها أضر بأبناء المهنة, حلولا كانت بعيدة كل البعد عن منظور التطوير, فجميعهم اختار الحل الأسهل علي الرغم من أن تطوير مهارات العاملين بأي مؤسسة واستعلال قدراتهم المهنية بالضرورة يؤدي لتطوير المؤسسة وزيادة مواردها, ولكن يبقي سؤال يطرح نفسه: لماذا لم يكن للنقابة دور في هذا الشأن بدعم وحث المؤسسات الصحفية علي تطوير أدائها المهني بما يليق بالآليات ومعطيات المهنة؟.