كان داود النبي يناجي الله قائلا:يارب, من يحل في خيمتك؟ ومن يقيم في جبل قداستك؟ نزيه المسلك وفاعل البر والمتكلم بالحق في قلبه.
الذي لايغتاب لسانه ولا يفعل بصاحبه شرا, ولاينزل بقريبه عارا(مزمور14:1-3).
لماذا نتأثر من كلام الناس عنا؟ لدرجة أن الكثيرين يتوقفون عن مبادرات الخير نتيجة آراء الذين يعادونهم ويحقدون عليهم.
يحكي أن فنانا قام برسم لوحة في غاية الجمال, حتي أنه اعتبرها الأفضل علي الإطلاق بدون منافسة, وأراد أن يتحدي بها الجميع,فوضعها في مكان عام وكتب عليها هذه العبارة:من يلاحظ عيبا أو خللا بسيطا, فليضع فوقه علامة باللون الأحمر ثم عاد في المساء وأصيب بصدمة عندما وجد اللوحة مشوهة تماما بالعلامات الحمراء التي تدل علي الخلل والعيوب فيها,مما جعل اللوحة الأصلية تختفي تماما.
فذهب إلي أستاذه ليعلن له عن اعتزاله الرسم لعدم كفاءته في هذا المجال.
فطلب منه المعلم أن يغير صيغة العبارة فقط مع الاحتفاظ بنفس الرسم.
فقام بإعادتها بالملامح ذاتها كما كانت من قبل دون أي تغيير, واضعا إياها في المكان نفسه,ثم وضع ألوانا وريشة وكتب تحتها هذه العبارة:من رأي خللا أو عيبا فليمسك الريشة والألوان ليصلحه.
فلم يقترب أحد من اللوحة حتي غروب الشمس, وتركها علي هذه الحالة لعدة أيام ولم يشاهد أي علامة عليها.
فقال له المعلم:كثيرون الذين يرون العيوب والخلل في كل شيء, ولكن المصلحين قليلون.
إنه واقع الحاقدين الذي يرون الأخطاء فقط في كل ما يفعله الغير, علاوة علي ذلك فإنهم يتفننون في اختراعها, وما أكثر الذين يعشقون انتقاد الناس والكلام عنهم بالسوء وتشويه سمعتهم بالكذب! لذلك يجب علينا ألا نتأثر من كلام الناس عنا, لأن الشخص المستقيم والواثق من نفسه نتيجة أعماله الحسنة والجيدة, لا يهتم بآراء الحاقدين, لأن قيمته ليست في أفواه الناس, بل في حسن تصرفاته, وشهاده ضميره, وأعماله الصالحة, وكلماته المهذبة, لماذا تضطرب قلوبنا إن ظن بعض الناس فينا سوءا أو قالوا عنا ما لايرضينا؟لماذا نتأثر بكلام يطير في مهب الريح؟ فمهما قالوا عنا خيرا أو شرا, فلن نكون غير ما نحن عليه.
لذلك يجب علينا أن نتكل علي الله تعالي ولا نخاف من أحكام الناس.
لأن البعض من ضعاف الشخصية, لايجدون أمام عيوبهم أفضل من أن يبحثوا في حياة الغير عن مواطن الضعف والنقص,ليجدوا فيها مايعزيهم, ويخدر تقريع ضميرهم, ويتلمس لهم الأعذار عما يقومون به من تصرفات مشينة.والإنسان المعيب لديه سلاح واحد وهو ذم أهل الفضيلة,والسخرية منهم وتوجيه الاتهامات لهم, وهدفه الأول والأخير تشويه سمعتهم أمام الجميع, كما أنه لايكتفي بهذا فقط, بل يسعي لدعوة الناس إلي فقدان الثقة فيهم وعدم التعامل معهم بينما الإنسان الناضج والمحب لايتسرع في الحكم علي تصرفات الأشخاص, ولا يظن السوء فيهم.
لأنه في حالة انعدام المحبة نصبح علي أتم الاستعداد لاكتشاف أتفه العيوب والنقائص في الآخرين,ثم يتخيل كل واحد منا نفسه ديانا للآخرين ويبدأ في الحكم علي الغير متمنيا لو كان في استطاعته, أن يضع لوحة كبيرة مكتوب عليها عيوب وهفوات الناس ليراها الجميع.
بينما المحبة الصادقة تصبح كالنار التي تمحو الشوائب العالقة فوق المعادن الثمينة لتعطيها بريقا أفضل.
من منا بدون عيوب أو نقائص؟فالبعض يعميه الكبرياء ويظن نفسه أنه أكثر الناس كمالا واستقامة, والذي يهمل النقائص الموجودة فيه, يسعي إلي تشويه معالم شخصيته, لذلك يجب علي كل واحد منا أن يصلح من عيوبه ولا يستهين بها أو يهملها, لأنه إذا استمر فيها دون إصلاحها تكررت وتفشت في حياته لذلك يجب علينا أن نساعد أنفسنا والآخرين للتخلص من عيوبنا الماضية لنبدأ من جديد ونفتح صفحة ناصعة البياض,كما يجب علينا ألا نحتقر أي شخص مهما كانت عيوبه ومسائه,لأن أكثر الناس شرا يحمل بين طيات نفسه, نورا إلهيا من الممكن أن يضيء في أي لحظة, ولاندين أو نحتقر أعمال وتصرفات الغير,لأننا كثيرا ما نجهل الدوافع التي جعلته يفعل هذا, ولا نعلم النتائج البعيدة التي تستخلصها العناية الإلهية الساهرة.
ونختم بالقول المأثور للقديس فرنسيس دي ساليس:إن الأشخاص الذين يتسامحون مع أنفسهم عندما يخطئون نجدهم في أشد القسوة مع الآخرين.