ساعة من الزمن لإقناع زوجتى لكى أحجز لها تذكرة دخول لمعرض الكتاب معي ومع بناتي قبل بدء المعرض بخمسة أيام .. فهى لا تريد الذهاب لخبراتها السابقة بمعرض الكتاب في أرض المعارض بمدينة نصر والشعور بالزحام والحر والباعة الجائلين والسلوكيات السيئة التي عاشها جيلنا طوال فترة التسعينات وما بعدها .. وبالرغم من أن المعرض قد انتقل لمكانه الجديد بالتجمع بجانب مسجد المشير منذ عامين إلا أننا لم نتخذ خطوة الذهاب إلى المعرض من قبل، وكان بالطبع لأسباب أهمها انتشار كوفيد-١٩ الخوف من الاختلاط بالناس، ولكن ما شجعنا هذا العام النظام والاعداد المحددة التي يُسمح لها بالدخول في اليوم الواحد، والأجمل هو انعقاد معرض الكتاب في شهر يوليو لأول مرة، بعد إنتهاء العام الدراسى لكثير من تلاميذ وطلاب المدارس والجامعات.
دخلت على الموقع الذي سبق وأعلنت عنه الهيئة المنظمة لمعرض الكتاب وقمت بتسجيل رقم هاتفي وحددت اليوم الذي أود الذهاب فيه للمعرض، ولكنى فوجئت أنه لا يوجد ما يحدد عدد التذاكر التى أريدها، وأيضاً لم أجد مكان أدخل فيه رقم بطاقة الائتمان لكي أدفع ثمن التذاكر التي أريدها، فشككت في الأمر وقلت أكيد هناك خدعة، فعدت لأقرأ شروط وطريقة حجز التذاكر، فوجدت أن لكل رقم هاتف أربعة تذاكر فقط طوال فترة المعرض وبدون أى مقابل، في الحقيقة سعدت جدا، وخاصة أنه لا يوجد شئ بدون مقابل هذه الأيام، وهذا معناه أن هيئة الكتاب تشجع الناس لحضور مثل هذه الاحتفالية الغير تقليدية، المهم قمت بحجز تذكرة ولم أجد مكان لحجز عدد معين فبدأت بحجز أول تذكرة وفعلا بعد لحظات وجدت رقم وعليه شعار الهيئة العامة للكتاب يرسل لى التذكرة الإلكترونية عبر تطبيق الواتساب، والتذكرة محدد عليها التاريخ الذي سبق وحددته، والبوابة التي يجب أن أدخل منها أرض المعرض، وكود إلكتروني معروف بأسم QRCode ليتم مسحه ببرنامج معين أثناء الدخول ليسمحوا لي بالعبور، وعدت العملية ثلاث مرات بعدد أفراد أسرتى وبالفعل بعد كل مرة لحظات ويتم إرسال التذكرة الإلكترونية، وبهذا كل شئ أصبح على أتم أستعداد لليوم المعهود.
كانت ابنتي ليلة الذهاب إلى المعرض في حالة من السعادة لذهابهم للمعرض أول مرة في حياتهم، ويقترحون على ما يشترونه من كتب وهدايا من المعرض، حتى أن جدتهم قررت أن تعطيهم مبلغ من المال بشرط أن يشتروا به كتب هذا بالطبع بخلاف ما وعدتهم بشرائه لهم، بالطبع الصور التى قد بدأت بالنزول على مواقع التواصل الاجتماعي كان لها الفضل في عملية التشويق والتحفيز لزيارة المعرض، بخلاف أغلفة الكتب الكثيرة التي شاهدوها وتمنوا الحصول عليها.
في صباح اليوم المعهود وجدتهم وقد أستيقظوا مبكرا وكأنهم ذاهبون إلى البحر، الشوق يملؤهم وإشراقة رائعة على وجوههم، واستعدوا بكامل ملابسهم في وقت أقل مما اعتادوا عليه، والطريف أنهم استمعوا لنصائحي فاستعدوا بالملابس المريحة وحقائب الظهر ليحتفظوا فيها بالكتب التي يشترونها وزجاجات المياه المثلجة، وكأنهم خارجون لرحلة خلوية كشفية، فهي أول رحلة مفيدة يخرجون إليها بعد فترة انعزال طويلة بسبب فيروس كورونا اللعين.
هذه أول مرة لى فى أرض المعارض الجديدة بالتجمع، ولهذا لم أكن أقل انبهارا منهم، مكان لركن السيارة، مداخل مؤمنة، وشباب واقف أمام البوابات ليسجل التذاكر الإلكترونية ويتأكد من صلاحيتها، وآخرين لقياس درجة الحرارة للتأكد من سلامتنا، وبعدها كأن أبواب السعادة قد فتحت على مصراعيها، نحن والكتب فقط، مجتمع راقى من حولك، كل الحاضرين في أبهى صورهم والإبتسامة مرسومة على الوجوه، والجميع يركض تجاه القاعات المخصصة لعرض الكتب، لا لكي يتسابقوا في الدخول ولكن في أشتياق ليس له مثيل.
كانت بوابة الدخول المحددة لنا أمام القاعة رقم ٤ ولأنهم أربع قاعات قررنا أن نبدأ بالقاعة الرابعة وننتهي بالقاعة رقم ١ على أن نأخذ راحة بعد قاعتين فمن الخارج القاعات شكلها جديد ومنمق ونظيفة، والعمال كل واحد في موقعه ليحافظ على نظافة وجمال المعرض من الداخل والخارج، وعند دخولنا القاعة سعدت بوجود جناح جريدة الأهرام أقدم صحيفة في مصر، فتوجهت مباشرة وجذب انتباهي الجزء الخاص بعروض الميكروفيلم ومشاهدة الأعداد القديمة لجريدة الأهرام وخاصة تلك الصفحات الملكية التى تحتفي بالملك فاروق وزوجته والملفات التي أعدها فريق الميكروفيلم مثل ملفات الإعلانات القديمة و أفيشات الأفلام، وغيرها من الأفكار والموضوعات التي تجذب القارئ النهم، هذا بالطبع بجانب أن مؤسسة الأهرام تعتبر من أكبر الموزعين للكتب الأجنبية والعربية والمصرية في الوطن العربي، وقبل أن نتحرك بعيدا عن جناح الأهرام وجدت بناتى ملاذهم في الكتب الأجنبية فقاموا بشراء مجموعة من الكتب الممتعة و المناسبة لسنهم، في الحقيقة لم أتدخل إلا قليلاً في عملية اختيار الكتب وذلك لإعطائهم الحرية والإحساس بأنهم المسؤولون عن اختياراتهم وبالطبع هذا لتشجيعهم على القراءة الورقية بعد أن أحتل التليفون المحمول عقول الكبار قبل الصغار.
بالطبع أهم شئ قبل الإتجاه لمعرض الكتاب هو تحديد ميزانية محددة للكتب، حتى لا تخرج مديون وخاصة أن ما يميز عمليات الشراء والبيع في هذا المعرض بشكله الجديد توافر ماكينات الفيزا، فأصبح كل شئ سهل وبسيط فيمكنك شراء الكثير دون حساب، فيجب أن تكون حريصًا كل الحرص فالمغريات كثيرة، ولو تركت نفسك سيكون الأمر عسير.. فكما تكتب ورقة بالمشتريات التي تحتاجها من السوبرماركت، أكتب لنفسك ورقة بأسماء الكتب التي ستشتريها وأمامها أرقام القاعات وأرقام دور النشر حتى يتسنى عليك الوصول إليها وحاول ألا تحيد عن تلك القائمة إلا قليلاً فكما قلت لك المغريات فوق ما تتخيل.
بعد أن أنتهينا من القاعة الرابعة توجهنا إلى القاعة الثالثة وهنا لفت انتباهنا أن القاعة لها مدخلان المدخل الأول للقاعة الكبيرة والمدخل الثانى لقاعة مخصصة لكتب الأطفال، فتوجهت بأبنتى دون تفكير لزيارة الجزء المخصص لكتب الأطفال، وهو شئ لم يكن موجود في المعرض القديم بمدينة نصر، القاعة مبهرة ومليئة بالألوان والحياة وقصص الأطفال على كل شاكلة ولون وبكل اللغات التى تخطر على ذهنك، وبالطبع ابنتى الصغرى أصبحت مثل الطفل الذي دخل محل لعب وتشتت لدرجة أنها لم تعرف من أىن تبدأ ولكنى استطعت السيطرة على الموقف وأمسكت يدها وأقنعتها أن ليس كل ما هو معروض يناسبها، نصيحة سأعطيها لك أيها القارئ العزيز تعامل مع هذا الجزء المخصص للأطفال مثلما تتعامل مع محلات لعب الأطفال، ولو كان ابنك أو أبنتك من النوع الذى يصرخ لعدم حصوله على شئ لا تذهب إلى هناك نهائيا .. حقيقي الموضوع هيكون صعب .. الكتب كثيرة وجاذبة للكبار قبل الصغار وهدايا كثيرة والوان و برامج كمبيوتر تعليمية وترفيهية وعوالم كثيرة لا يمكن تتجاهلها، وقبل أن تخرج من القسم المخصص للأطفال سيقابلك بيت الحكمة أو المركز الثقافى الصينى وقد عرض قصص مترجمة من اللغة الصينية وبالطبع الكثير من الهدايا التى يمكن أن تشتريها كفواصل الكتب وقواعد الكتب وألعاب صينية تساعد على التركيز والإبهار وكذلك الزينة الورقية التي كنا نشتريها من المكتبات في الماضي، كلها أشياء تبهر الكبار قبل الصغار هذا بالطبع بجانب الكتب المتاحة باللغة الصينية.
من داخل القسم الخاص بالأطفال يمكن أن تدخل القاعة الثالثة الرئيسية والتى تم تخصيصها للمراكز الثقافية العاملة بمصر وكذلك الهيئات المصرية المختلفة التي كان من أولوياتها مشاركة الشعب المصري في هذه الاحتفالية الرائعة، وكان من ضمن هذه الهيئات والجهات وزارة الدفاع ووزارة الداخلية وكذلك هيئة الاستشعار عن بعد بالأقمار الصناعية بالإضافة إلى مكتبة مركز دعم واتخاذ القرار التي قدمت ولأول مرة أطلس المحافظات المصرية والذى يهدف إلى معرفة حجم الاستثمارات في مختلف المحافظات وعملت على تقديمه للمواطن العادي بكل سهولة لمعرفة حجم الإنجازات التي تمت على أرض الواقع خلال السنوات الثمانية الماضية، أما من أكثر المراكز الثقافية التى ظهرت تفاعلها أثناء زيارتنا للمعرض المركز الثقافى الكورى واليابانى وإريتريا واليمن وصربيا واليونان، وأخذنا صور في كل منهم وكأننا كنا فى رحلة حول العالم استطعنا من خلالها معرفة حضارة وثقافات الشعوب الصديقة التي سعدنا بوجودهم بيننا، فمصر هى الحضارة التى تجمع الكل تحت علمها.
بعد أن أنتهينا من القاعة الثالثة كان اليوم قد انتصف وأرهق الجميع فقررنا قضاء بعض من الوقت في الاستراحة المعدة لذلك، أستراحة في الهواء الطلق بجانب أكشاك الطعام، وهذا جانب آخر من الجوانب الرائعة في المعرض الجديد، فهذه الأكشاك تقدم مختلف أنواع الطعام، فكل زائر سيجد ما يفضله من طعام بجودة عالية وطعم لذيذ ونظافة أكيدة تشجعك على طلب المزيد من الطعام، كل هذا وبسعر مناسب جدا بالنسبة للأسعار المتعارف عليها في المطاعم المثيلة في القاهرة الكبرى. بعد أن قضينا ما يقرب من الساعة ما بين الإنتهاء من الطعام وإعادة مشاهدة ما تحصلنا عليه من كتب وإعادة تقييم ما اشتريناه إلى ذلك الوقت، قررنا إعادة التحرك لتكملة القاعتين المتبقيتين بعد أن تأكدنا من أن الجميع حصل على القسط الوافى من الراحة.
في القاعة الثانية كانت توجد دور النشر المصرية الكبير منها والصغير، الكل يعمل على قدم وساق لكي يحقق أكبر قدر من الأرباح بعد توقف دام كثيرا نتيجة فيروس كورونا، هي مناسبة جيدة لتبادل الأفكار ومقابلة الكتاب والأصدقاء، الكل يجمعهم حب الكتاب والمعرفة والثقافة، وبالطبع نادرا ما تجد من يخرج وليس معه سوى كتاب واحد. القاعة الثانية بحجم القاعتين السابقتين، ولكن التفاصيل فيها كثيرة، وأخذت بعض من الوقت للوصول إلى دور النشر التى كنت قررت مسبقاً للحصول على كتب منها، وبالطبع كنت أتمنى أن أحصل على لقاء مع أحد المؤلفين ولكن لم يحدث ذلك لأني كنت في زيارة المعرض في وسط الأسبوع وهو بالطبع لا يوافق كثير من الكتاب والمؤلفين الذين يحبون تواجدهم مع القراء في إجازة نهاية الأسبوع.
بعد انتهائي من القاعة الثانية وشرائي لكثير من الكتب توجهت إلى القاعة الأولى وهى تلك القاعة الخاصة ببعض الناشرين المصريين وأهمهم بالأكثر والعارض في مساحة كبيرة وزارة الثقافة متمثلة في الهيئة العامة للكتاب والمركز القومى للترجمة والنشر، وغيرها من المنابر الثقافية التابعة لوزارة الثقافة، في الحقيقة كنت أبحث عن كتاب لصديقة عزيزة و زميلة مبدعة في مجال الترجمة، وظللت أبحث عنه بين العارضين التابعين لوزارة الثقافة حتى توصلت لمكانه ووجدت الكتاب فيما يقرب لشكل المعجم في عدد صفحاته، فأخذت الكتاب وتوقعت أني سأدفع مبلغاً كبير فيه، ولكن هذا الكتاب كان على القائمة الخاصة بي، ونظرت في الخلف لأجد ثمنه سبعة عشر جنيها، فتعجبت وذهبت لسؤال البائع عن سعره فأكد لى الثمن الذى في خلف الكتاب فقررت أن أنظر في بقية الكتب لعلي أجد ما يفيدني وخاصة أن أسعار الكتب في متناول اليد حتى ولو كانت من خارج القائمة التي سبق و أعددتها، وبالفعل وجدت عناوين الكتب مغرية جدا لدرجة أنى قمت شراء عشر كتب من خارج القائمة، ألم أقل لكم أن الموضوع قد يكون أسوأ لو لم تكن هناك قائمة، وزوجتى هى التي جعلتني أتوقف عن اختيار الكتب بتذكيري أنه ليس هناك مكان بالمنزل لحفظ الكتب، قررت التوقف واختيار الطريق السلمي حتى أضمن دخولي للمنزل.
بعد انتهاء جولتنا حاملين كل ما لذ وطاب من شجر المعرفة والثقافة، خرجنا من المعرض نجر في أرجلنا بعد تلك الجولة الرائعة التى لا يمكن أن تنساها بناتى كأول مرة يذهبن فيها لأرض المعارض الجديدة بالتجمع .. وسيتذكرن بعد مرور السنين كيف كان ذلك المعرض في منتهى الجمال والنظافة، إلا إذا أستمرت الصيانة والنظافة لتكون أفضل وناجحة حتى بعد مرور السنين .. ولكن ما يسعدني فعلا أنهم لن ينسوا أنهم حضروا معى للمعرض في دورته ال52 عام 2021.