تكتظ الذاكرة بحكايات الناس عبر اثني عشر عاما هي عمر باب افتح قلبك, حكايات أوجعتنا, وعلمتنا, هزمتنا أحيانا, وانتصرنا عليها في أحيان أخري, لم نرفع راية الاستسلام ولا مرة واحدة, في كل مرة كنا نصلي في ظلام الليل, ليرسل الله هباته قبل أن يبسط النهار علي خليقته, دائما كان هناك استثناء يشق المنطق العاجز, إلي الإيمان بالمستحيل الممكن, قررنا أن نخلع عقولنا علي أبواب الرجاء, ألا نعتمد علي النبض الإنساني, في حضور النبض السمائي, النبض المانح للرجاء, كم من أرواح تم إنقاذها, وكم من عائلات سترتها أيادي الحب التي تمتد إلينا, وكم من نفوس عاد إليها الأمل في حياة كريمة بعد تمام الشفاء.
تشاركنا الرجاء هذا الأسبوع, أحلام, إنها سيدة في الثلاثينيات من عمرها, ربة منزل, ولديها ابنتان, الصغري في الثالثة من عمرها والكبري تخطت التسع سنوات بشهور, متزوجة بموظف, والأسرة مستورة, فراتب الزوج مع معاش والدته التي تعيش معه, يحميهم بدرجة ما من سؤال الناس لكن الطوارئ لا تخضع للحماية الزجاجية, فلكل منا جدار حماية, البعض جداره من ورق والبعض من طين, والآخر من زجاج, وقلة تتمتع بجدر حماية من الفولاذ وكثيرون في ركن الحياة بلا جدار.
جاءت أحلام تحاول ترميم الجدار الذي انكسر بفعل ضربات القدر المتتالية, تحدث عنها زوجها, أما هي فظلت صامتة تحمل الملاك النائم علي ذراعيها, ابنتها ذات السنوات الثلاث, خوفا من أن تستيقظ علي صوت نبض قلبها المتسارع إذا ما انطلقت الدموع من عينيها المعلقتين بالأمل.
قال الزوج: عمري 39 سنة, أعمل مشرفا للعمال في إحدي الشركات المتعثرة ماليا, أتقاضي نصف راتب, الذي لا يتعدي إجماليه 2600 جنيه, وأضيف إليه معاش والدتي التي تحيا معي وقدره 900 جنيه, فالمطلوب منا أن نحيا أنا وزوجتي وابنتانا ووالدتي ب3500 جنيه, ندفع منها تكلفة الإيجار والمياه والكهرباء والتعليم والعلاج والمعيشة, عشنا هكذا بالفعل, فضلا عن علاجي الدائم الذي تصل تكلفته إلي 900 جنيه شهريا يتحمل العمل نصفها حتي الآن, وهو ما يشجعني علي الاستمرار في موقعي بالشركة رغم أنها تمنحني نصف راتبي.
لكن كيف أحقق المعادلة الصعبة في الستر وأسرتي تتعرض لهزائم صحية متكررة, منذ عامين تعرضت لحادث طريق, وأجريت علي أثره جراحة في ساقي اليمني, تطلبت تركيب شريحة و8 مسامير, بعدها لم أعد كما كنت, والدتي تعاني من الضغط والسكر, والآن زوجتي تتعرض لكارثة إنسانية, إذ ظهرت سحابة زرقاء علي مقلة عينها اليسري, هذه السحابة سوف تفقدها بصرها, والجراحة مكلفة جدا وأنا عاجز عن إنقاذ بصرها, ولا أستطيع الصمت.
قررت أن أصرخ هنا, لديكم, أنقذوا عينها, فابنتانا تحتاجان لبصرها, البصر أغلي كنز عند أي إنسان, لست متقاعسا أن أواصل الليل بالنهار لجمع مبلغ الجراحة لزوجتي. لكنني مصاب بعيب خلقي في أحد شرايين القلب, وغير قادر علي الالتحاق بأي عمل شاق أو إضافي, بسبب حالتي الصحية, ومهما حاولت كيف أجمع هذا المبلغ؟ لا أريد مالا ولا مساعدات, أريد فقط أن يتولي أي شخص إجراء الجراحة لزوجتي.
أنهي الرجل كلامه, وأطلقت أحلام ابتسامة باكية صامتة, دون أن يتفوه بكلمة واحدة, بينما تصرخ ملامحها بكل حروف الوجع المر, أنهيت جلستي معهما وأجريت اتصالا هاتفيا بأحد أطباء العيون, في اليوم التالي استقبلهما مجانا لكن أحلام تحتاج لترقيع قرنية نافذ, ويجب إجراء الجراحة بشكل عاجل, تبلغ التكلفة خمسين ألف جنيه, تنازل الطبيب عن أتعابه, فصارت التكلفة 38 ألفا, المبلغ صادم, كيف يمكنني جمعه لإنقاذ بصرها قبل أن تفقده, ومتي يستجيب الناس الذين نعتمد عليهم كليا في حالات الطوارئ التي باتت تتكرر شهريا بل وأسبوعيا أحيانا.
شلت أفكاري لحظة أن علمت بالتكلفة, لكن الأفكار تنحني أمام الرجاء في نبض السماء, وها أنا أكتب إليكم لنبدأ معا رحلة الرجاء لإنقاذ بصر أحلام, هذه الرحلة التي لن نكل من المسير فيها حتي نجري الجراحة مهما كلفنا الأمر, ففي عيون الناس تسكن أفراحهم وآمالهم, أحزانهم ودموعهم, إرادتهم وأمانهم, العيون حياة الشاب ورداء العجائز, أيقايض أحد عينيه بالمال؟!