يوصي بولس الرسول الأغنياء قائلا:أن يصنعوا الخير فيغتنوا بالأعمال الصالحة, ويحسنوا بطيبة نفس ويشاركوا غيرهم في خير فيكنزوا لأنفسهم في الآخر رأس مال حسنا ينالون به الحياة الحقيقية(1تيموتاوس6:18-19).ما أجمل قلب الإنسان حينما تمسه الرحمة وتعزف علي أوتاره الحساسة, لأنه سيصبح ينبوعا فياضا بالشفقة والعطف والروح الإنسانية, ولن تقف أمامه عراقيل أو صعوبات في إيجاد شتي الطرق ليعبر بها عن سخائه نحو المحتاج,لكن إذا تحجر قلبه فلن يجد الفرصة ليساعد بها أو يعطف علي من في العوز, كما أن الغني البخيل يعد أفقر من الفقير وأتعس منه. ذات يوم جاء فلاح فقير إلي ثري ليدفع له إيجار أرضه التي استأجرها منه, وكان هذا الغني مشهورا بالبخل وتعلقه بالمال, وبعد أن دفع له المبلغ المطلوب, قال له الفقير:أريد منك خدمة, فقال الثري :ماهي؟ فرد الفقير:أعطيك مبلغا مضاعفا بشرط أن تريني خزائن أموالك وممتلكاتك فقال الغني:أعطني هذا المبلغ. ثم أخذه إلي الغرفة السرية التي يضع فيها كل ماله حيث أكوام الذهب والفضة موضوعة في صناديق محكمة الغلق وأراه إياها جميعا فبدأ الرجل البسيط يحملق فيها, ثم التفت إلي صاحبها قائلا:الآن ياسيدي أنا أصبحت غنيا مثلك بالتمام بدون أي فرق فتعجب الغني من هذا الكلام وسأله:كيف يمكن أن يكون هذا الأمر وأنت رجل فقير؟ فأجابه:كلا ياسيدي لست الآن فقيرا بل أصبحت غنيا مثلك, فإننا لانستعمل هذه الأموال والمجرهرات بل ننظر إليها من حين لآخر كما تفعل أنت كل يوم,وبهذا نكون متساويين, أنت تتمتع برؤيتها فقط وأنا تمتعت بها مثلك, فأي فرق بيننا؟ كم من المتعبدين للمال من البشر يصل بهم الحال لبيع الدين بالدنيا, في سبيل الحصول عليه وجمعه والإكثار منه, ولا يشبعون من السعي وراءه حتي أنهم لايتذوقون معني الحياة.مما لاشك فيه أن المال يمنحنا مظاهر الأشياء فقط, وكما يقول الكاتب المسرحي النرويجيHenrik Ibsen :إنه يمنحنا الطعام لا الشهية, والدواء لا الصحة, والمعارف لا الأصدقاء الأوفياء, والخدم المنتفعين لا المخلصين, والمرح لا السعادة يا لها من خسارة فادحة للذين يعبدون المال,لأنه لايكتفي بحرمانهم من هناء الدنيا وسعادتها,لكنه يقودهم أيضا إلي فقدان الحياة الأخري إذا ما الحل؟أن نعي جيدا بأننا لسنا ملاكا لخيرات الله, بل وكلاء وموزعين,لأن كل ما نملكه هو ملك لله وبركة منه وهو قادر علي أن يحرمنا منه إن كان قلبنا قاسيا, فالله يرزقنا عندما نسعي ونكد بشرط أن نقوم بمساعدة المحتاجين والفقراء لأنهم إخوة لنا, ويجب أن نعي جيدا بأن المال الذي نملكه, وهو وديعة الله للفقراء بين أيدينا. وكما يقول القديس أغسطينوس:ما تحتفظ به, أنت لاتربحه, بل تخسره إذا من منا لايطعم الفقير, سيكون سبب جوعه وشقائه, وعندما نتواني في مساعدة المريض فنحن بذلك نشارك في موته,كما يجب أن نتذكر دائما بأن الصدقة التي يجب نقدمها للمحتاج ليست سخاء منا, بل هي واجب مقدس ومفروض علينا كما أنها دين في أعناقنا نوفيه لصاحبه, لذلك يجب أن نقدم للفقير الشكر عندما نساعده ونعتذر له عن تأخرنا ومماطلتنا معه.كم هو مخجل ومؤسف عندما نعلم أن العالم ينفق مليارات من الدولارات علي برنامج التسلح لقتل البشر وتدمير البشرية, في حين لو استخدمت نصف هذه الميزانية في البناء والغذاء والصحة والتعليم, لن نجد جائعا ولا محتاجا ولا بائسا ولا أميا.متي يفهم البشر أنهم ينفقون خيرات الأرض التي منحنا إياها الله لا لإسعاد البشر, بل لتدمير العالم والقضاء علي الحياة؟ما أكثر الفقراء والمعوزين في أيامنا وهم بحاجة إلي ما يجنبهم الموت جوعا وعطشا,وكم من أمراض أصابتهم نتيجة عدم الطعام والشراب والدواء حتي أن حياتهم تحولت إلي جحيم, في حين أننا نشاهد في المناسبات الكبري ما يخجل العين من أشخاص يأكلون حتي التخمة ويمرضون بسبب كثرة الطعام, ولايفكرون في الملايين الذين يموتون جوعا وكم من المبذرين الذين يدفعون مبالغ طائلة علي أشياء لاقيمة لها ودون الحاجة إليها ولا فائدة منها في حين أن إخوتنا الفقراء والمحتاجين لايجدون ثمن الدواء الذي يخفف آلامهم ويرفع عنهم كل الأوجاع ونختم بالقول المأثور:إذا بكي الفقراء, أغرقت دموعهم الشباعي.