ومحبة الله تدعو إلي الصلاة والتسبيح والتأمل وقراءة الكتاب..
وكل هذه إيجابيات, وهي في نفس الوقت تقوي قلب الإنسان وتطهره, وتزيده نفورا من الخطية, وتحصن قلبه ضدها.
وهي أيضا تشعل محبة الله في القلب بالأكثر. وتكون سببا ونتيجة..
محبة الله تدعو الإنسان إلي الصلاة, والصلاة تسبب محبة الله.
ونفس الوضع بالنسبة إلي الترتيل والتسبيح والألحان والهذيذ والتأمل وكل ألوان القراءات الروحية وكل وسائط النعمة المتعددة.
وفي حياة القداسة لا يغصب الإنسان نفسه علي الروحيات, إنما يمارسها بحب وشوق ولذة.
الإنسان المبتدئ في الحياة مع الله الذي لم يتسع قلبه بعد في ممارسة العشرة الإلهية, قد يمارس هذه الروحيات في حدود معينة لا يتخطاها, وقد يدركه الملل إذا طالت صلاته إلي حد هو فوق قامته الروحية, وفوق مستوي حبه لله, وفوق ما منحه الله من نعمة..
ومن هنا تتصف حياة القداسة بدوام النمو..
الله يتعهد الإنسان, ويوسع قلبه. وكلما عملت النعمة فيه اشتاق إلي الله بالأكثر وهكذا تأخذ روحياته حرارة أكثر وفي محبته الله يود أن يلتصق به علي الدوام. وكلما سار خطوة إلي الأمام, يشعر أن الطريق مازال ممتدا أمامه, فيظل يتقدم ويتقدم إلي غير حدود.
إن بولس الرسول الذي وصل إلي درجات روحية عالية, وتعب في الخدمة أكثر من جميع الرسل, ومنحه الله مواهب عديدة واستعلانات, يقول عن هذا النمو أيها الإخوة, أنا لست أحسب نفسي أني قد أدركت. ولكني أفعل شيئا واحدا, إذ أنا أنسي ما هو وراء, وأمتد إلي ما هو قدام.
أسعي لعلي أدرك الذي لأجله أدركني أيضا المسيح يسوع (في 3:13).
في القداسة إذن يسعي الإنسان نحو الكمال..
لقد خلق الإنسان علي صورة الله ومثاله والله غير محدود. ولا يمكن للإنسان أن يصير غير محدود, لأن هذه صفة خاصة بالله وحده.. إنما في الإنسان اشتياق إلي غير المحدود ومنه ينتج طموح الإنسان. وكما أن الإنسان الدنيوي طموحه في أمور دنيوية مهما أخذ منها لا يكتفي, كذلك فإن الإنسان الروحي طموحه في أمور روحية مهما أخذ منها لا يكتفي.
والله يدعونا إلي هذا الكمال, فقد قال السيد المسيح.
كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل.
الكمال المطلق هو لله وحده.
أما نحن البشر, فالمطلوب منا هو الكمال النسبي أي ما يناسب قامتنا الروحية ويناسب مقدار النعمة الممنوحة لنا من الله.
وكلما وصلنا إلي درجة من درجات الكمال, تشتاق قلوبنا إلي درجة أعلي وهكذا تقتادنا النعمة من سمو إلي سمو ومن حب لله والناس إلي حب أعمق وأعمق.. إلي غير حد..
والله لا يكشف لنا كل هذه الكمالات مرة واحدة..
وذلك حتي لا نقع في اليأس أو في صغر النفس, وحتي لا نستصعب الطريق الروحي فنبعد عنه, ونري أنه فوق طاقة بشريتنا..
الله إذن يكشف لنا خطوة روحية نمتد إليها, فإن وصلنا يكشف لنا غيرها وهكذا يقودنا في موكب نصرته خطوة خطوة.
وما أصدق قول الرسول الذي قال لتلاميذه في طفولتهم الروحية سقيتكم لبنا لا طعاما. لأنكم لا تحتملون.
إن كان الطريق هكذا فأية مرحلة منه تراك قد قطعتها؟
هل أنت في مرحلة التوبة؟
أم تدرجت من التوبة إلي النقاوة؟
أم بدأت حياة القداسة؟
أم أنت تنمو في القداسة يوما بعد يوم, ساعيا نحو الكمال؟
أم أنت تتخطي مراحل من الكمال النسبي, إلي مراحل أبعد, مقتربا إلي الصورة الإلهية التي خلقت بها, والتي حينما فقدتها أعادها الرب لك؟
أم أنت يا أخي مازلت في الخطية لم تتب بعد ولم تصطلح بعد مع الله؟!
إن كنت هكذا, فليتك تبدأ.
ليتك تصطلح مع الله, وتطلب منه قوة تسير بها في الطريق.
وإن كان المنهج الروحي هكذا طويلا, فلا تضيع الوقت إذن. استمع إلي قول الرسول مفتدين الوقت, لأن الأيام شريرة.
وثق أن الله, كما فعل مع قديسين كثيرين, اجتذبهم إليه بسرعة.
إن مراحل القداسة والنمو ليست هي مراحل زمن إنما هي مراحل حالات..
والله قادر أن يفعل الكثير من أجلك, إن سلمته حياتك.