أصدر الباحث أيمن عريان الباحث في التراث والتاريخ القبطي المعاصر كتابه الجديد تحت عنوان “الدم والنار” .. تراث أقباط المنيا بين داعش والإخوان كتاب في جزأين جمع فيه.
بعض التواريخ المعاصرة التي تسجل كفاح أقباط المنيا، وتم تحديد الفترة التي ألقى عليها الباحث الضوء من بعد قيام ثورة 25 يناير 2011م وحتى سقوط حكم الإخوان المسلمين في ثورة 30 يونيو 2013م ثم فض اعتصاماتهم بالنهضة ورابعة العدوية في 14 أغسطس من نفس العام، وبذلك تكون الأحداث المختارة للتوثيق والتأريخ واقعة بين ثورتين للشعب المصرى المصري، والذي دفع الأقباط ثمنًا باهظًا لهذا التغيير السياسي.
صدر الكتاب في جزأين يحتوي مادته العلمية على حدثين كبيرين في حياة مصر والكنيسة، هما “مذبحة الأقباط في ليبيا بيد داعش وذلك في فبراير 2015، وأحداث 14 أغسطس 2013” في مركز بني مزار ومركز ملوي.
و احتوى الجزء الأول للكتاب على ثلاثة أبواب رئيسية
الباب الأول: كما يقول الباحث ايمن عريان فهو يوثق لكفاح أهالي شهداء مذبحة الأقباط بليبيا 2015م (من خطف أبنائهم إلى عودة أجسادهم) ويقع أهمية الحدث من حيث كونه فصل تاريخي كبير أحدث ضجة على المستويين العالمي والمحلي، بخطف وذبح عشرين مسيحيًّا مصريًّا من قرى سمالوط منهم ثلاثة عشر شخصًا من قرية العور والسبعة الباقية من القرى المحيطة بهم.
بدأ ذلك مع أواخر شهر ديسمبر من عام 2014م بخطف سبعة أفراد في المرحلة الأولى كانوا في طريق عودتهم لمصر لقضاء الأعياد الخاصة برأس السنة الميلاديّة وعيد ميلاد المسيح المجيد، ثم القيام بخطف الثلاثة عشر الآخرين من مسكنهم بمدينة سرت في 3 يناير 2015م، وقد أحدث الأمر دويًّا هائلًا في كل أرجاء العالم وتناولته بالتحليل والاهتمام وسائل الإعلام العالميّة والعربيّة والمصريّة، وقد كلل الحدث الجلل بذبح تنظيم داعش للعشرين قبطيًّا ومعهم شاب إفريقي يدعى (ماثيو أريجا) في فيديو مصور شاهده العالم كله، ويعتبر وثيقة تاريخيّة كبيرة على كفاح وبسالة ووطنيّة الأقباط وشهادة علنية على إرهاب الإسلام السياسي، الأمر الذي ترتب عليه غضبة مصرية واسعة التأثير فقامت القوات المسلحة بقذف مواقع ليبية استقرت بها هذه الجماعات الدمويّة فجر يوم 16 فبراير2015م، كما قامت الدولة ببناء كنيسة لهؤلاء الشهداء الأقباط تكريمًا لهم على بسالتهم ووطنيتهم، ورباطة جأشهم في مقابل ذبحهم بهذه الطريقة الهمجيّة ليكون اسم الكنيسة: “شهداء الإيمان والوطن”.
وهذا الباب يرصد كفاح الشعب القبطي خلال فترتي الخطف والذبح، ثم بناء الكنيسة التي تحمل أسماء الشهداء المصريين.
ويحاول الباحث أن يرصد بتركيز شديد المحطات التي مر بها هؤلاء الأبطال وأهلهم من لحظة الخطف بيد داعش وحتى عودة أجسادهم مرة أخرى إلى وطنهم مصر مستقرين بكنيستهم التي بُنيت باسمهم في قرية العور التابعة لمركز سمالوط بمحافظة المنيا، بينما البابين “الثاني والثالث”: يوثقان لسرقات وخرائب وحرائق كنائس الأقباط وممتلكاتهم الخاصة في مركزي “بني مزار، وملوي” بمحافظة المنيا.
فعقب نجاح ثورة 30 يونيو وإعلان خارطة الطريق في 3 يوليو 2013 الذي أسدل فيه الستار على حكم الإخوان المسلمين، أقام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي اعتصامًا مفتوحًا في ميدان رابعة العدوية بحي مدينة نصر، وبعد عدة أيام تم إقامة اعتصام آخر في ميدان النهضة بمدينة الجيزة معلنين تحديًا واضحًا لإرادة الشعب المصري، واستمر الاعتصامان ما يقرب من 41 يومًا حتى قررت الدولة فضهما في 14 أغسطس من نفس العام، وبعد فض الاعتصامين سادت حالة من الغضب بين أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي الذين لم يتقبلوا مرارة السقوط والهزيمة، كان من نتائجها خروج مسيرات في مختلف محافظات الجمهورية، نتج عنها اندلاع عدد من الأعمال الإرهابية والتفجيرات وحوادث الاغتيال بحق عناصر الجيش والشرطة، بالإضافة إلى الاستهداف الممنهج لدور العبادة وممتلكات المواطنين الأقباط كنوع من العقاب لمشاركتهم في مظاهرات 30 يونيو في واحدة من أسوأ الهجمات الطائفية بتاريخ مصر والكنيسة، والتي استمرت لعدة أيام
فجاء العقاب من خلال خطابات التحريض من قادة الجماعات الإسلامية المتطرفة والتي اجتمعت رؤوسها في تحالف دعم الشرعية المؤيد للرئيس المعزول مرسي، ضد قيادات الكنيسة القبطية على رأسها قداسة البابا تواضروس الثاني، بخلاف قيام أنصار الرئيس المعزول خلال مسيراتهم في عدة محافظات بكتابة عبارات عدائية مسيئة للمسيحيين والقيادات الدينية على جدران الكنائس ومنازل وممتلكات المواطنين الأقباط تحث وتشجع على قتلهم وحرق كنائسهم وممتلكاتهم _وهو ما تم بالفعل
لتصل حصيلة الخسائر إلى نحو 57 كنيسة (37 أرثوذكس – 6 كاثوليك – 13 إنجيلية – كنيسة واحدة للأدفنتست) على الأقل، ومقتل عشرة مواطنين بينهم تسعة أقباط ومسلم واحد خلال الأسابيع الستة بين عزل مرسي وصبيحة يوم فض إعتصام رابعة العدوية، هذا بخلاف الاعتداء على عدد كبير من المدارس والجمعيات والمباني الخدمية التابعة لهذه الكنائس بمختلف محافظات الجمهورية وكان لمحافظة المنيا نصيب الأسد في حجم وعدد الخسائر في تلك الأحداث بمراكزها السبعة، وهي: «مغاغة، بني مزار، سمالوط، المنيا، أبو قرقاص، ملوي ودير مواس» ووصلت خسائر المنيا وحدها لنحو 19 كنيسة ومنشأة قبطية من حضانات، ملاجئ ومدارس بين حرق كلي وجزئي.
وقد بادر رئيس الجمهورية مع المجلس العسكري بإعلان تعهُّد القوات المسلحة بإعادة إعمار الكنائس والمؤسسات التي تضررت في ذلك اليوم على نفقة الدولة، وبالفعل قام سلاح المهندسين بالتعاون مع الهيئة الهندسية ووزارة الإسكان بعمل الترتيبات المطلوبة، وخلال شهور قليلة بدأت عملية إعادة الإعمار مع حلول شهر يناير 2014، وأعطت القوات المسلحة الصلاحية الكاملة للأقباط في اختيار الرسم والمبنى.
وفي الجزء الثاني من الكتاب
استكمل فيه الباحث أيمن عريان تأريخ وتوثيق ملحمة تراثنا القبطي المعاصر قبل أن يطويه النسيان
ففي الباب الأول: استعرض الباحث فيه أحداث “قرية دلجا” والتي كانت حديث وسائل الإعلام المحلية والعالمية بعد أن حولها أنصار الإخوان المسلمين إلى مأوى لاعتصامهم على غرار ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر، لدرجة أنهم أطلقوا عليها “رابعة الصعيد”، وانفردت على قائمة أحداث العنف والدم ضد المسيحيين كأول بلدة في كل بلاد ومحافظات مصر، وتحديدًا في مساء الأربعاء 3 يوليو أي قبل أحداث 14 أغسطس فتكون سبقت مبكرًا بنحو ثلاث وأربعين يومًا، وكانت ضد “مبنى الاستراحة الكاثوليكية” كواحدة من أوائل الأماكن التي تمت مهاجمتها، كما تميزت بكونها البُلدة الوحيدة التي حدث فيها ما يعرف بـ “الحصار الإخواني” للمسيحيين وكذلك البلدة الوحيدة التي منع فيها الأهالي والجماعات الإسلامية بكل أشكالها، دخول الأمن! مما يعطي أهمية وقيمة كبيرة لهذه البلدة التي ذاعت الصيت مع بلدة “كرداسة” بكونهما أكبر بلدين يرتكز فيهم الإرهاب والتعصب.
يرصد الفصل الأول والثاني: تاريخية وجغرافية دلجا وجذور الإرهاب بها والأحداث الطائفية ضد الأقباط بدلجا ما قبل مرحلة 14 أغسطس، كما يرصد الفصل الثالث والرابع: أحداث 3 يوليو و14 أغسطس والتي تم فيها التعدي بالسلب والنهب والحرق لكنائس دلجا الكاثوليكية والأرثوذكسية وممتلكات أقباطها من محال ومنازل وقد أنتبه الباحث للدور البطولي الذي قامت به المرأة القبطية البسيطة في مواجهة الموت والاضطهاد خلال الأحداث وما عاشته من معاناة وآلام محتملة ذلك كله في جلد وصبر، وخلال هذان الفصلان المركزان يطرح الباحث موثقًا ومحللًا لقضيتين من أكبر القضايا التي تمت خلال تلك الفترة وتعتبر من أخطر ما حدث خلال أحداث العنف بمصر، وهما “قضية اتهام نادي مهني مقار بقتل شاب مسلم؛ قضية قتل وسحل إسكندر طوس صقر والتمثيل بجثته” والتي أطلع فيها الباحث على مئات الأوراق القانونية الخاصة بالقضيتين وأهمها تحقيقات النيابة وتقارير الطب الشرعي، أما الفصلان الأخيران الخامس والسادس: فترة الحصار الذي امتد لأكثر من سبعين يومًا في غياب كامل للأمن، وفيها فاقت التجاوزات ضد الأقباط سقف التوقعات فكان أن هجر البلدة عشرات العائلات المسيحية ليختبئوا عند أقربائهم بالقاهرة والإسكندرية وبعض مراكز المنيا، وتم استغلال الأقباط بفرض إتاوات للحماية من قبل بعض المسلمين في عدة أماكن بالبلدة واضطر البعض نتيجة هذا التضييق لبيع بيوتهم وأملاكهم بأثمان بخسة، ثم الفصل الأخير الذي يسجل أحداث عنف طائفية في فترة ما بعد تحرير دلجا من قبل قوات الجيش والشرطة في 16 سبتمبر2013.
وفي الباب الثاني: تجول الباحث أيمن عريان في بعض المحطات التاريخية والتراثية لأقباط مركز دير مواس، فنجد فى الفصل الأول يتكلم الباحث عن دور المركز وطنيًّا وكنسيًّا، فيسجل التاريخ المصري المعاصر تلك الأحداث العظيمة التي انفرد بها المركز خلال ثورة 1919 كونها الأشد عنفًا بالقطر المصري؛ حيث أعدم فيه 34 شخصًا نتيجة مقاومتهم للاحتلال البريطاني والذي نتج عنه الاحتفال بعيد قومي لمحافظة المنيا في 18 مارس من كل عام، دشن بدماء هؤلاء الأبطال ليصير تراثًا يفتخر به أبناء المنيا مسلمين وأقباط جيلًا بعد جيل، ثم ننتقل بعدها لنقرأ بنفس الفصل عن أشهر عائلة قبطية بالمركز ونسجل بعض من مآثرهم الطيبة في الدولة والكنيسة فهي التي بنت بعض المدارس والتي لا زالت تحمل اسم روادها حتى الآن، وكذلك تبرعت بأرض الكنيسة الإنجيلية وقامت ببنائها على نفقتها الخاصة، كما تبرعت بعدة أراضي للدولة فبنت محطة السكة الحديد ومبنى مركز الشرطة، ثم توالت تبرعاتهم بالأراضي التي أُقيمت عليها: المحكمة الوطنية، مستشفى الأنكلستوما، مبنى مجلس المدينة، أرض مركز الشباب، كما استعرض الباحث ايمن عريان القصة المعجزية لبناء كنيسة السيدة العذراء مريم والتي صارت مطرانية الأقباط فيما بعد، والتي تبنتها بالتبرع بالأرض وتكاليف البناء عائلة أولاد إلياس أحد العائلات القبطية الكبيرة والمؤثرة في تاريخ الحراك الوطني والكنسي بالبلدة.
واختتم الباحث هذا الفصل ببعض الأحداث العنيفة التي واجهت الأقباط هناك خلال منتصف الثمانينات من القرن الماضي، منها: محاولة السطو على قصر حشمت الذي قام البابا شنودة الثالث بشراءه ليكون مطرانية مستقلة خاصة بمركز دير مواس، وأيضًا قصة القنبلة التي أُلقيت بكنيسة السيدة العذراء مريم لكنها لم تصب أحدًا بضرر من شعب الكنيسة.
وبالفصل الثاني استكمل الباحث أيمن عريان تأريخ التخريب والسرقات التي طالت بيوت ومحال أقباط دير مواس في أحداث 14 أغسطس لسنة 2013، والتي دخلها مناصري الإخوان المسلمين قادمين من قرية دلجا في مسيرات ومظاهرات عنيفة وهم حاملين السلاح لاستكمال عقاب المسيحيين هناك، ونقرأ فيه ما أصاب بعض المباني الكنسيّة من تلف وروايات لبعض الأقباط عما واجهوه خلال هذا اليوم.
ونختم بالفصل الثالث الذي نرصد فيه ظاهرة الفوضى التي أعقبت يوم 14 أغسطس بغياب الأمن واستغلال ذلك لقيام بعض المتأسلمين والمسجلين خطر بفرض إتاوات باهظة على الأقباط مقابل حماية وهمية لحياتهم وممتلكاتهم في ظل غياب الأمن على مدار ثلاثة أيام، وكيف
يأتي هذا الكتاب باكورة سلسلة من الكتب المختلفة التى تتناول التراث القبطي الشفاهي، والمادة التى تحتويها هذه الكتب جاءت كحصيلة للعمل الميداني بمشروع خاص قمنا به من أجل الحفاظ على الثقافة القبطية من توثيق ونشر التاريخ غير المكتوب والمجهول لأقباط مصر بثرائه وتنوعه، الأمر الذي يتوازى مع ما وثقه الأكاديميون، وظهر في دراسات هامة عن التراث والتاريخ القبطي، إلا أن مبادرة مشروع جمع التراث القبطي الشعبي تتميز بعدة محاور، هي:
(أولاً) توثيق التراث الشعبي النادر
(ثانياً) توثيق التراث القبطي العلماني
(ثالثاً) توثيق دور الأفراد والمجتمعات المُهمشّة
ويضيف الباحث أيمن عريان بأن هذا العمل الضخم بجزئيه كان وراءه حراك دؤوب لتسجيل ما جمعه من أحداث تم تحقيقها بدقة شديدة، وهي:
ستة عشر رحلة الى محافظة المنيا شملت تنقلات كثيرة بين قراها ومراكزها، وهي: “بني مزاز، سمالوط، المنيا، ملوي، ديرمواس، قرى العور والسوبي ودفش والجبالي ومنبال ومنقريوس وسمسوم – بمركز سمالوط، قرية دلجا بمركز دير مواس” بإجمالي قرابة المائة يومآ، تم خلالها لقاء قرابة أربعمائة شخص – سجل فيها الباحث مع أغلبيتهم أحاديث صوتية قرابة مائتي ساعة، بخلاف لقاءات واتصالات بآخرين من شهود العيان في محافظات داخل مصر وكذلك ببعض البلاد الأجنبية. تم تفريغها وتنقيحها وتزويد مادة الكتاب بالكثير منها.
كذلك تم الاستعانة بمواقع الصحف المصرية والعربية على الإنترنت وكذلك اللقاءات المرئية بموقع اليوتيوب العالميّ، للوقوف على أخبار تلك الفترة التاريخيّة الهامة.
قام فيها الباحث بقراءة ومشاهدة أكثر من خمسمائة مقال وخبر وتسجيل مرئي، تم إرفاق أهم روابطها الإلكترونية بالحواشي والمراج
وقد زودنا الجزء الاول والثاني من هذا العمل ببعض التقارير والوثائق الهامة مع بعض الصور التاريخية التي سجلتها عدسات التاريخ كملحقات مكملة لاكتمال الصورة العامة للحدث
وقد قام بنشر هذا الكتاب معهد IDS بجامعة ساسكس البريطانية وقدمه : أ. د. ماريز تادرس – الأستاذ بجامعة ساسكس البريطانية ومعهد IDS
تأريخ وتوثيق الباحث : أيمن عريان الباحث في التراث والتاريخ القبطي المعاصر
المراجعة اللُغوية: ملسيا منصور (مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية)
تصميم الغلاف: الفنان بهاء كرم وطبع بمطبعة: بيت مدارس الأحد القبطي