(قرأت مقالاً متميزًا لكاتبة متميزة، د. ميج ميكر، حول نفس موضوع حوارنا معًا حول دور الأب في حياة أبنائه، وأشارككم ببعض ما جاء به.)
لدينا أزمة عالمية.. نحن نعيش في ثقافة لا تشجع الآباء على القيام بدورهم! رأيت أطفالاً لم يعرفوا آباءهم أبدًا، وهم يتوجعون لسنوات طويلةعلى هذه الخسارة. جلست مع صبيان صغار كانوا يبكون بحرارة لأن آباءهم هربوا مع امرأة أخرى، وتحدثت مع بنات أخبرن بأنهن على استعداد لفعل أي شيء حتى يلتفت إليهن آباؤهن. الحياة بدون آباء يهتمون ويتواجدون تمثل كارثة قومية، فضلاً عن كونها كارثة شخصية.
إذا نشأتَ في ظل غياب الأب، أو في ظل وجود أب عنيف أو مهمل، فأنت تعرف عمق الألم الذي أشير إليه. كل واحد منا يعرف رجالاً ونساءً لا يزالون يحاولون أن يكسبوا قبول آبائهم ورضاهم؛ ويصبحون مدمنين للعمل ليثبتوا أنهم يملكون مقومات النجاح، ويهملون شركاء حياتهم وأطفالهم لكي ينخرطوا في شيء يرضون به آباءهم. فالعلاقة الضعيفة، أو انعدام العلاقة، مع الآباء تؤثر على الرجال والنساء طيلة حياتهم.
تكشف الأبحاث أن الأب يلعب دورًا حيويًا في حياة أبنائه..فالأطفال في سن المشي الذين يعيشون مع آبائهم يتمتعون بقدرة أفضل على حل الألغاز. وإذا قرأ الأب لطفله من عمر ٦ أشهر فصاعدًا، فهذا الطفل سيحصل على درجات أعلى في اختبارات الذكاء عندما يصل إلى عمر الثالثة. الأطفال الذين يعيشون في بيت مع آبائهم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق، أو تعاطي المخدرات والكحوليات، أو تجربة العلاقات الجنسية في سن المراهقة؛ ويتمتعون بثقة أكبر بالنفس،ويكونون أقل عرضة للانتحار.
تَشَارَك مع طفلك.. عندما يكون صغيرًا، احرص على أن تحتضنه كثيرًا. لا تخجل من احتضان أبنائك أثناء اللعب معًا. يخبرنا خبراء علم النفس أن اللعب الجسماني -حتى مع بعض الخشونة- مفيد لكل من الصبيان والفتيات.
وبينما يكبر طفلك، فإنه لا يزال يحتاج إلى تواجدك واهتمامك. وخلال سنوات المرحلة الإعدادية، يصبح الأطفال أكثر حساسية ويشعرون بالحرج؛ لذا فهم كثيرًا ما يتراجعون عندما تريد أن تحضنهم. بعض الأطفال سيبدأون في رفض مساعدتك في بعض الأمور، وسيصبحون أكثر حدة. عندما يفعل ابنك أو ابنتك (في عمر ١٢ سنة) هذا، لا تأخذ الأمر على محمل شخصي؛ فانسحابه لا علاقة له بك، بل له علاقة وثيقة بهم. عندما يشعر ابنك/ أو ابنتك أنه قبيح، أو بدين، أو أطول من اللازم، أو نحيف بإفراط، أو لديه بثور كثيرة في وجهه؛ تحرَّك.. دَع طفلك يعرف أنك ستحبه دائمًا وستقبله في كل الأحوال. لكنك تحتاج أن تغيّر استراتيـﭼيتك عندما يتعلق الأمر بإظهار الحب والحنان.. لا تحضن طفلك أمام الأصدقاء، لا تتفاخر به على الملأ، بل احترم شعوره بالحرج، وأظهر لطفلك الحب والاحترام والإعجاب على انفراد.
وإليك بعض الطرق العملية للتعبير عن الحب لابنتك:
قدِّم لها اللمسة بطريقة تُشعرها بالارتياح.. لا تقتحمها، بل دعها هي تقود الأمر. قد لا تريد أن تجلس على حِجرك الآن، لذا لا تطلب منها ذلك. هناك شيء هام يجب أن تتذكره لتراعيه عند احتضانك لها.. فتيات كثيرات تكون لديهن حساسية لأن الثديين يكبران في الحجم، ولا يردن الاحتضان من الأمام. إذا أبدت ابنتك عدم ارتياح لهذا، ضع ذراعيك على كتفيها واحتضنها من الجانب. لا تصفها أبدًا بأنها “مثيرة” -سواء في طريقة ملبسها أو حركاتها.. هذا يبدو مخيفًا وغريبًا لها، ويجعلها تربط نظرتها عن الحب بملامحها الخارجية.
لا تُعبِّر بأي لمسة قد يُساء فهمها بشكل جنسي.. لا تهزر أبدًا معها بأي لمسة على مؤخرتها مثلاً. عندما تلمسها، افعل ذلك بطريقة تحترم خصوصيتها.. المسها على رأسها، ربت على كتفها. هناك طرق كثيرة للتعبير عن الحنان بعيدًا عن أي تفسير خاطئ للتلامس. وبينما تُظهر الحنان لابنتك، تحدث عن السمات القوية في شخصيتها.. مثل الصبر، والشجاعة، والنزاهة.
احرص على التواصل مع ابنتك.. اسألها سؤالاً أو اثنين في وقت استرخائها (وليس بعد المدرسة، أو أثناء عمل واجباتها المدرسية)، ثم استمع لإجابتها بدون مقاطعة. وحتى إذا لم تعجبك إجابتها، لا تُجب عليها على الفور.. فقط أصغِ إليها.
اطلب منها أن تقضي بعض الوقت معك منفردين مرة كل أسبوع. اصطحبها لتناول الإفطار، أو لركوب الدراجات، أو للذهاب إلى محطة الوقود لتغيير زيت السيارة.. أو أي شيء مشابه. الفكرة هي أن تجعلها تعرف أنك تريد أن تتواجد بصحبتها.
لا تتحدث كثيرًا عن درجاتها أو واجباتها.. فالرسالة التي تصلها عندما تعلق باستمرار عن أدائها في المدرسة أو الرياضة أن قيمتها في أدائها، وليس في شخصها. ثم هذا يجعلها تشعر بالضغط لكي تنجح لتحافظ على محبتك لها. امتدح شخصيتها.. أخبرها أنك فخور بها، وبصفاتها الشخصية.
أما أن تكون أبًا صالحًا لابنك، فتحتاج أن تتصرف بشكل مختلف قليلاً؛ فالصبيان يحتاجون إلى الاحترام، الإعجاب، القبول، الحنان، والحب. كل شاب يحتاج أن يعرف أن أباه يقبله. الرجال الذين لم يحصلوا على القبول من آبائهم يعيشون حياتهم ككبار وهم يلهثون وراء هذا القبول، حتى بعد رحيل آبائهم.
كيف تُقدِّم هذا القبول؟ أخبره أنه مهما فعل -سواء نجح أو فشل- فمحبتك له وإعجابك به لن يتغيَّرا أبدًا. توصيل هذه الرسالة بصدق ومن القلب سيشكل شخصيته كرجل في المستقبل.
الشاب الذي يشعر بعدم الاحترام يظن أنه بلا قيمة.. أظهر لابنك الاحترام في طريقة كلامك معه. عندما يصير مراهقًا، صِفه بأنه رجل. وعندما يكبر بقدر كافٍ، احرص على أن تكون له وظيفة خارج البيت؛فهذه علامة على أنك تراه كشخص قوي وكفء.
أما فيما يتعلق بالحنان، احضنه! أخبره أنك تحبه! حتى الرجال الناضجين يحتاجون أن يسمعوا من آبائهم كلمة “أحبك”. عندما تبدأ في السعي في فعل هذه الأمور مع ابنك وابنتك، سيزداد ترابطك معهما.
أنت في عيون أطفالك بمثابة بوابتهم إلى الله الآب.. إذا أحبوك وأعجبوا بك ووثقوا فيك، سيفعلون نفس الشيء مع الله. لكن إذا هجرتهم،أو لم تهتم بهم، أو تشاركهم حياتهم، سيكون عليهم أن يتغلبوا على عراقيل كثيرة حتى يثقوا في الله. احرص على بناء علاقة قوية مع أطفالك،وبذلك تمهّد الطريق ليدخل الله إلى حياتهم.