لم يكن الأب قنواتي مجرد راهب وعابد وناسك إنما كان منخرطا في الحياة الثقافية المتمثلة في حوارات يجريها مع النخبة في مؤتمرات إقليمية ودولية وكان هو في مقدمة المدعوين وكان من بينها ندوة دولية عقدتها في عام 1979 تحت رعاية مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس وكان موضوعها المثقفون والتغير الاجتماعي في العالم العربي وكان عنوان بحث الأب قنواتي التيارات الفكرية الرئيسية في العالم العربي المعاصر. فكرته المحورية أن العالم العربي المعاصر يعاني أزمة في جميع المجالات.
ومن سمات هذه الأزمة أن المجتمع الإسلامي التقليدي يخضع للشريعة المنزلة بدون قيد ولا شرط ومن ثم تكون رؤيته للإسلام أنه دين ودولة وقد ترتب علي ذلك رفض المسلمين الخضوع إلي سلطة غير إسلامية.
ومع ذلك فقد نشأت في مجال الثقافة تيارات متباينة عددها أربعة في رأي الأب قنواتي. التيار الأول هو التيار الديني الإصلاحي ويتزعمه ثلاثة مفكرين: جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا صاحب مجلة المنار. فكرتهم المحورية أن تأخر المسلمين مردود إلي ترك التعليم الأصيل للقرآن ومن ثم يلزم الأخذ بتعاليم القرآن والسنة. ومن هذا التيار نشأ تيار الإخوان المسلمين بزعامة حسن البنا والغاية منه إقامة الدولة التي تنفذ أحكام الإسلام. وعندما قامت ثورة 52 توهم هذا التيار أن بإمكانه فرض وصايته فحدث صدام بينه وبين عبدالناصر. ومع ذلك فإن هذا التيار لم ينهزم إذ أفرز حركة وإن كانت منحرفة تسمي التكفير والهجرة وأصحابها هم وحدهم المسلمون وبالتالي فإنهم يكفرون ويقتلون كل من يعارضهم. والتيار الثاني هو التيار المجدد المائل إلي العلمانية وزعيمه أحمد لطفي السيد مؤسس حزب الأحرار الدستوريين ومن أعضائه الشيخ علي عبدالرازق صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم وفيه ينكر الخلافة الإسلامية. والتيار الثالث هو التيار الوضعي العلمي وبدايته في لبنان ومن رواده يعقوب صروف وفارس نمر من الجيل الأول. ومن الجيل الثاني شبلي شميل الذي تحمس لنظرية دارون وسلامة موسي الذي كان متطرفا في دعوته إلي التحديث. أما التيار الرابع والأخير فهو تيار الاشتراكية القومية العربية الذي تبناه حزب البعث السوري أو الاشتراكية الماركسية التي تعبر عنها مجلة الطليعة.
وقد أثار هذا البحث غضب الدكتور عبدالملك عودة. فمن هو؟ وماذا قال؟ كان مستشارا للأستاذ هيكل عندما كان وزيرا للإعلام في عام 1970 ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام من 1971 إلي 1974 ومدير تحرير مجلة السياسة الدولية من عام 1965 إلي عام .1980 ومن هنا قيل إنه كان مهيمنا علي الساحة الفكرية. وفي نقده للأب قنواتي دافع عن الشيعة بسبب اضطهادهم من قبل أهل السنة الأمر الذي إدي إلي ثورة دينية إسلامية في إيران طبقا للمفاهيم الشيعية المختلطة بالقومية الإيرانية. أما أنها تقتل فهو أمر طبيعي لأن القتل من سمة الثورات علي نحو ما حدث في الثورات الفرنسية والروسية والأمريكية. ثم دافع عن الإخوان عندما قال إنهم ليسوا إخوانا هم يمثلون إحدي شرائح أهل السنة. وفي النهاية دافع عن التكفير والهجرة ليس باعتبارها جماعة علي نحو ما قال الأب قنواتي إنما باعتبارها انشقاقا داخل المجموعات الإسلامية التي سجنها جمال عبدالناصر ولكنها مع ذلك تعتبر من أهل السنة.
وعندما تساءل الأب قنواتي عن مدي تبني ثقافة إنسانية تقوم علي قيم مشتركة في العالم العربي كان جواب مالكولم كير الأستاذ بالجامعة الأمريكية بمصر أن القيم الثقافية التي اكتسبتها البشرية خلال قرون من النضال غير ذات قيمة بالنسبة للعالم العربي. وكانت استجابة الأب قنواتي سلبية ولكنه استطرد قائلا إن المجتمع الإسلامي المغلق علي طريقة الخميني ارتداد إلي العصور الوسطي.